أنيروا فكرنا لكن ليس بالحرق
محاولات التنوير تأخذ طابعا (ماكدولناديا )على حد تعبير الصديقة الكاتبة ربى يوسف ،
إذ أصبحت عبارة عن وجبات سريعة تقدم للعقل بسعرات حرارية مرتفعة جدا ،يرافقها الكثير من الشطة مما يجعل الدماغ يغلي حنقا على واقع معقد ،اصطدمت فيه الحلول بجدار الفساد بكل أشكاله وفي مقدمها فساد العقل .
وكأن التنوير لايكون إلا بالحرق ،في حين أن التنوير يحتاج إلى زيت يضيء يوقد من شجرة طيبة ،والشجرة لاتثمر ولاتنتج زيتا إن لم تكن ثابتة الجذور… فماهي الجذور المعرفية لثورتكم التنويرية ياثوار فيسبوك ؟
مما يدعو للتشائم أن الإنسان العربي لازال يملك نفس الحماس إلا أنه لايرى أهمية لامتلاك الرشد.
ولعل ضغط البون الشاسع بيننا وبين الآخر حضاريا (ليس على مستوى التكنلوجيا والمعرفة كمايحلو للبعض وإنما على مستوى كرامة الإنسان )يزيد الحماسة ،والتشائم ،وأحيانا الجنون .
لازلنا نكرر نفس التجربة آملين بنتائج جديدة ،فمع حملة نابليون ،وانكشاف الأفق ،دخلنا في مرحلة اليقظة ،لينطلق سؤال النهضة في فضاءاتنا الفكرية ،
فكانت محاولات محمد عبده وجمال الدين الأفغاني،وآخرون ،تلاها محاولات التماهي الغربي ،ثم الشيوعية ،ثم الحركات القومية ،ثم الحركات الإسلامية والتطرف الديني ،وهلم جر إلى أن وصلنا الآن إلى محاولات النهضة الفيسبوكية الماكدونالدية ،والتي أقصى ماتستطيع تقديمه ،النقد الديني ،والنقد السياسي ،وهما على أهميتهما ،لايشكلان إلا جانبين من جوانب الحياة البشرية ،ونقدهما -إن كان عن معرفة ،ونضج – فقد يحدث شيئا من التغير الطفيف في عالم المشاريع ،
لكن لن ينقلنا إلى مرحلة النهضة فتلك المرحلة لها قوانينها اللازمة ،وأعمدتها الضرورية التي لايقف بنائها إلا بها .
ليس الفرق بين الإنسان الناهض والراكد أن هذا أكثر حماسا وذاك أقل ،فالأكثر حماسا قد يصطدم بالجدار ليرقدللأبد .
فبالإضافة للحماس -وهوشرط لازم – تحتاج النهضة للرشد ،ليعرف الإنسان أين يضع أقدامه ،وكيف يسلك دربه .
إن الرشد لايأتي من كثرة الأفكار ،والطروحات والمنشورات ،ولامن كثرة التذمر ،الرشد يأتي من نوعية الأفكار المنتَجة ،وبالتالي نوعية العقلية التي أنتجتها ،فمشوارالنهضة يحتاج أولا لإصلاح العقل ،وضبط دوزانه ،ليستمر معنا إلى آخر المشوار…
نحتاج إلى فلسفة وفكر ونظر قبل أي خطوة نخطو إليها أو عمل نباشره،فالألغام والمطبات تملأ الأرض ،وكل سقطة قد توقعناسنين ضوئية في حفرالتخلف والظلام .
وإصلاح العقل يحتاج إلى إصلاح المنطق ،ومناهج الفكر ،يحتاج أولا إلى تحرير العقل من الأوهام وجدران الأباطيل ،وكذلك التحرر من التبعية الفكرية النسخية اللصقية .
المسألة تحتاج إلى إعداد عقلي وتهيئة فكرية لإنتاج المعرفة ،يسبقها جرأة على طرح الأسألة واستعداد لبذل الجهد في سبيل حلها .
إن مثل هذا المشروع يتطلب جهدا مضاعفا ،وحوارا عميقا ،وتواصلا فاعلا بين أصحاب الفكر ،تكتنفه إرادة لمتابعة القضية حتى تحقيق نتائجها.
ولا أدعي أني من أصحاب ذلك فأنا أيضا من أصحاب الماكدولنادية ومقالي هذا خير دليل على ماأقول .
حسام خلف .
Discussion about this post