مصادر واقعة الطف ورواتها الأوائل
د.محمد العبادي
قد يطرح سؤال أو إشكال في ان التاريخ قد بدأ تدوينه في العصر الأموي ،وهو مايعني أن التاريخ قد كُتب بأيد أموية؛ فكيف يتم التعامل مع الموروث الروائي أوالتاريخي في قضية عاشوراء وابرازها؟
إن كتابة التاريخ في العصر الأموي لايعني بالضرورة أن التاريخ أصبح أموياً،لأن كتابة التاريخ شيء ، وإنتساب التاريخ الى بني أمية شيء آخر ، وبالإمكان مشاهدة ذلك في كتابة المقاتل ومنها مقتل الحسين عليه السلام حيث نشاهد أن ملحمة عاشوراء رغم وقوع أحداثها في العصر الأموي لكنها لاتمت بصلة الى الأمويين ؛بل كشفت الوجه القبيح للامويين وأتباعهم .
إن أحداث كربلاء لم تستطع أيادي الامويين توظيفها أو تحريفها أو محوها ، وبقيت تلك الأحداث لعظيم أمرها حرة طليقة تتداولها الألسن شفاهاً،ويكتبها بعض الموالين والمحبين لأهل البيت عليهم السلام في صحفهم .
إن تدوين أحداث كربلاء يمكن أن نوضحه في مبحثين :
المبحث الأول : في المصادر الأولية التي كتبت في مقتل الحسين عليه السلام .
لقد بدأت كتابة مقتل الإمام الحسين عليه السلام في أعقاب مقتله سنة 61هـ حيث ، وكان أول من كتب كتب بهذا الصدد هو الأصبغ بن نباتة المجاشعي المتوفى سنة (100هـ)، والذي يعتبر أحد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، حيث كتب عن وقعة الطف المريعة كتاباً أسماه: مقتل الحسين عليه السلام (1).
وبعد ذلك كتب جابر بن يزيد الجعفي (ت 128هـ) الذي يعد من أصحاب الباقرين عليهما السلام كتاباً سماه أيضاً: مقتل الحسين عليه السلام (2) .
وفي القرن الثاني الهجري كتب لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي الملقب بأبي مخنف(ت157هـ)؛ مصنفاً يحمل نفس العنوان الذي إختاره كل من الأصبغ وجابر لكتابيهما، واشتهر أخيراً بمقتل أبي مخنف ، ويعتبر كتاب أبو مخنف من أشهر وأفضل الكتب وأكثرها عراقة حيث جمعه من أفواه الرواة الذين شهدوا الواقعة أو نقلوها عمن شاهد أحداثها بشكل مباشر، وقد تتلمذ على يد أبي مخنف هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت206هـ)(3)،
فقرأ كتب أبو مخنف وكتب عنها وحدّث عنه(4).
ثم كتب محمد بن عمر بن واقد السهمي الشهير بالواقدي (ت 207هـ)؛ كتاباً سمّاه مقتل الحسين عليه السلام (5).
ثم جاء نصر بن مزاحم المنقري (ت 212هـ) فصنّف: كتاب مقتل الحسين عليه السلام (6).
ثم جاءت النوبة لطيف واسع من المؤرخين في القرنين الثالث والرابع الهجريين مثل إبراهيم بن محمد الثقفي (ت283هـ)(7)، ومحمد بن أحمد الأشعري(ت280هـ)(8)، ومحمد بن جرير الطبري (ت310هـ)والذي نقل في تاريخه كثير من الروايات عن أبي مخنف وهشام الكلبي .
وأيضاً كتب محمد بن علي بن حمزة العلوي المتوفي في القرن الثالث الهجري له صاحب كتاب (مقاتل الطالبيين )، وهذا الكتاب قد اعتمد عليه أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه، ونقل عنه كثيراً (9).
وفي القرن الرابع الهجري كتب غير واحد من المؤرخين والمحدثين في مقتل الحسين عليه السلام مثل عبد العزيز بن يحيى الجلودي (ت 332هـ)، الذي يعد شيخ البصرة، ومن أكابر الرواة للآثار والسير، وكان جده الجلودي من أصحاب الإمام الباقرعليه السلام؛ له كتاب: مقتل الحسين عليه السلام (10).
ومن الأعلام الذين كتبوا في مقتل الحسين عليه السلام ؛أبو الفرج الإصفهاني (356هـ)صاحب كتاب مقاتل الطالبيين ، وجعفر بن محمد بن قولويه (ت367هـ) حيث كتب (كامل الزيارات ) وهذا الكتاب نحى فيه المصنف منحى أهل الحديث في نقل الأحاديث التي تتعلق بالآداب والأعمال والزيارات غير أنّه نقل أحاديث كثيرة لها صلة بمقتل الحسين عليه السلام ،والشيخ المفيد (ت413هـ)الذي قضى أكثر حياته في القرن الرابع الهجري وذلك في كتابه الإرشاد والذي ينقل أكثر رواياته عن أبي مخنف .
وهكذا الى غير هؤلاء من المؤلفين في مقتل الحسين عليهم السلام ممن جاء في القرون التالية حيث أخذوا عنهم .
المبحث الثاني : في الرواة الأوائل الذين نقلوا وقعة كربلاء .
إن حادثة كربلاء لم تكن حادثة مختصة بالشيعة بل هي حادثة تتعدى الحدود المذهبية ،وقد رواها العدو والصديق والموالف والمخالف، وعليه سنستعرض أهم الرواة الذين شاهدوا وقعة الطف بشكل مباشر ، ونقلوا مشاهداتهم الحسية المباشرة للناس :
أولاً ـ الأسرى من أهل البيت عليهم السلام : حيث نقل الإمام السجاد ،والإمام الباقر ،وزينب عليهم السلام وباقي الأسرى تلك الواقعة الأليمة ويكفي أن نشير الى رواية عمار الدهني التي يطلب فيها من الإمام الباقر عليه السلام أن يحدثه عن تفصيلات كربلاء(قلت لأبي جَعْفَر: حَدَّثَنِي عن مقتل الْحُسَيْن حَتَّى كأني حضرته..)(11).
هذا ناهيك عن ماورد عن باقي أئمة أهل البيت عليهم السلام من الأخبار والأقوال والتي تصف تلك المظلومية التي وقعت على الحسين وأهل بيته وأصحابه، وبإمكان القاريء أن يراجع ماجاء في زيارة الناحية وكيفية ذكر الشهداء وقتالهم ومقتلهم وتوصيفها لبطولاتهم للمشاهد المؤلمة وعمليات القتل والسلب والنهب والأسر .
ثانياً: الناجون من المعركة وهم :
1ـ الحسن بن الحسن المثنى:(وروى مصنف كتاب المصابيح أن الحسن بن الحسن المثنى قتل بين يدي عمه الحسين عليه السلام في ذلك اليوم سبعة عشر نفسا و أصابه ثماني عشرة جراحة فوقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة فحمله إلى الكوفة وداواه حتى برء وحمله إلى المدينة )(12).
2ـ الضحاك بن عبدالله المشرقي :وهذا الشخص إنصرف من المعركة بعد أن تعاهد مع الإمام الحسين عليه السلام أن يقاتل معه إذ كان وجوده نافعاً لدفع القتل عنه ، وقد وصف أصحاب الحسين عليه السلام وتعدادهم وأقوالهم وقتالهم(13).
3ـ عقبة بن سمعان:ذكر الطبري أن عقبة بن سمعان قد تم أسره وأخذه من قبل عمر بن سعد(وَكَانَ مولى للرباب بنت امرئ القيس الكلبية، وَهِيَ أم سكينة بنت الْحُسَيْن- فَقَالَ لَهُ: مَا أنت؟ قَالَ: أنا عبد مملوك، فخلي سبيله، فلم ينج مِنْهُمْ أحد غيره )(14).
لقد اخذه اهل الكوفة ثم اطلق سراحه ، وجعل يروى واقعة الطف بتفاصيلها (مَا مِنْ كَلِمَةٍ قَالَهَا فِي مَوْطِنٍ إِلَّا وَقَدْ سَمِعْتُهَا )،وقد شاهد الأحداث في كربلاء الى مابعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ سَمْعَانَ. قَالَ: لقد صَحِبْتُ الْحُسَيْنَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى حِينِ قُتِلَ، وَاللَّهِ مَا مِنْ كَلِمَةٍ قَالَهَا فِي مَوْطِنٍ إِلَّا وَقَدْ سَمِعْتُهَا، وَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ أَنْ يذهب إلى يزيد فيضع يده إلى يَدِهِ، وَلَا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغور، وَلَكِنْ طَلَبَ مِنْهُمْ أَحَدَ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ، وإمَّا أَنْ يَدَعُوهُ يَذْهَبُ فِي الْأَرْضِ الْعَرِيضَةِ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَصِيرُ أَمْرُ النَّاسِ إِلَيْهِ.)(15).
4ـ المرقع بن ثمامة الأسدي : وقد ورد (أن المرقع بن ثمامة الأسدي كَانَ قَدْ نثر نبله وجثا عَلَى ركبتيه، فقاتل، فجاءه نفر من قومه، فَقَالُوا لَهُ: أنت آمن، أخرج إلينا، فخرج إِلَيْهِم، فلما قدم بهم عُمَر بن سَعْد عَلَى ابن زياد وأخبره خبره سيره إِلَى الزارة)(16).
ثالثاً: الرواة من معسكر الأعداء (جيش يزيد) : لقد روى وقائع كربلاء حتى الأعداء وكانت لهجة رواياتهم متعاطفة مع معسكر الإمام الحسين عليه السلام ، فيما بعضهم الآخر كان وقحاً ومتبجحاً، وفيما يلي بعض أولئك الرواة :
1ـ حميد بن مسلم : وقد كان هذا الشخص بمثابة المراسل الحربي لجيش ابن سعد ونقل لنا عدد من مجريات تلك الحادثة الأليمة من داخل معسكر ابن سعد مثل إستشهاد القاسم بن الإمام الحسن عليه السلام (17).
ونقل لنا صورة أخرى من داخل معسكر جيش ابن سعد حول استشهاد علي الأكبر عليه السلام(18).
ونقل حميد بن مسلم إسم عمرو بن صبيح قاتل عبدالله بن مسلم بن عقيل(19)،وأيضاً ذكر مقتل الطفل الرضيع(20)،وذكر كذلك كيفية حملة جيش ابن سعد على خيم النساء وتسليبهن وسبيهن وغيره(21).
2ـ عبد الله بن عَمّار بن يَغوث : وهذا الشخص كان يراقب صبر الإمام الحسين وتجلده بعد أن قتل أهل بيته وأصحابه وينقل لنا كيف تنفر وتفر منه الجيوش المحتشدة (فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل أولاده وأصحابه أربط جأشاً منه ولا أمضى جناناً منه، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله.)(22).
3ـ قرّة بن قيس،والمهاجر بن أوس:هذان الشخصان قد شاهدا الحر بن يزيد الرياحي، عندما كان متردداً يقدم رجلاً ويؤخر أخرى الى أن إختار الآخرة ، ونقلا صورة عنه عندما كان في معسكر ابن سعد ، حيث شاهدوا حالته النفسية وحركته وهو يدنو رويداً رويداً من معسكر الحسين عليه السلام(23).
4ـ زيد بن رقاد،وحرملة بن كاهل:كان المختار قد أخذ بعضهم وسمع إعترافاتهم (وبعث المختار أيضا عبد الله الشاكري إلى رجل من جنب يقال له زيد بن رقاد، كان يقول: لقد رميت فتى منهم بسهم وإنه لواضع كفه على جبهته يتقي النبل فأثبت كفه في جبهته، فما استطاع أن يزيل كفه عن جبهته قال أبو مخنف: فحدثني أبو عبد الأعلى الزبيدي أن ذلك الفتى عبد الله ابن مسلم بن عقيل )(24).
ولاحظ هذا الجلف الصلف (حرملة بن كاهل )كيف كان يتباهى بقتل الرضيع الذي لايدري بأي ذنب قُتل !!! (قال [حرملة] : فوضعتُ السهم في كبد القوس ، وقلت : أللوالد أم للولد ؟ قال : بل الولد ، فرميتهُ وهو في حِجر أبيه فذبحته من الوريد إلى الوريد ، فتلقّى الحسين الدم بكفّه ورمى به نحو السماء )(25).
5ـ سعد بن عبيدة : وهذا الشخص نقل كثير من الأحداث من داخل معسكر الأعداء فقد نقل وصول رسالة ابن زياد الى عمر بن سعد وهم مستنقعون في ماء الفرات (إنا لمستنقعون فِي الماء مع عُمَر بن سَعْد، إذ أتاه رجل فساره وَقَالَ لَهُ: قَدْ بعث إليك ابن زياد جويرية بن بدر التميمي، وأمره إن لم تقاتل القوم أن يضرب عنقك، قَالَ: فوثب إِلَى فرسه فركبه، ثُمَّ دعا سلاحه فلبسه،وإنه عَلَى فرسه، فنهض بِالنَّاسِ إِلَيْهِم فقاتلوهم)(26).
، ونقل وجود جماعة من الناس واقفة جانباً (على التل ) ، وأن الإمام الحسين قد كلم الناس وحتى وصف اللباس الذي كان يرتديه وعدد من كان معه من إخوته واهل بيته وأصحابه(27).
وعليه يتبين ان مقتل الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه كانت له حرارة في قلوب الأحرار لاتبرد ، وقد إهتزت له أركان الإسلام ، وتوجعت له قلوب المحبين لأهل البيت عليهم السلام ، وتعاطفت معه ضمائر الناس ، واستيقنت به حتى النفوس الجاحدة ؛ولذا فقد نقل المؤرخون والمحدثون على إختلاف مشاربهم صورة تلك المشاهد المقرحة التي وقعت واقعتها على أهل البيت في كربلاء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1ـ الفهرست: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، ص85.
2ـ رجال النجاشي ، أحمد بن علي النجاشي ،ص129 .
3ـ مروج الذهب، المسعودي ،ج4ص24 .
4ـ وقعة الطف ، أبو مخنف ، تحقيق محمد هادي اليوسفي،ص17 .
5ـ الأعلام ، الزركلي ،ج6ص311.
6ـ رجال النجاشي: أحمد بن علي النجاشي ،ص427 .
7ـ أنظر: أعيان الشيعة ، محسن الأمين ، ج2ص209 .
8ـ أنظر : تهذيب الأحكام ، محمد بن الحسن الطوسي ،ج10ص71.
9ـ أنظر: رجال النجاشي: أحمد بن علي النجاشي ،ص347؛ ومعجم رجال الحديث: أبو القاسم الخوئي ،ج17 ص351؛ وقاموس الرجال: محمد تقي التستري،ج9 ص439؛ ومعجم مؤرخي الشيعة: صائب عبدالحميد ،ج2 ص264.
10ـ رجال النجاشي ، أحمد بن علي النجاشي، ص242 .
11ـ تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري،ج5ص389 .
12ـ اللهوف ، ابن طاووس ،ص146 .
13ـ أنظر: تاريخ الطبري،الطبري،ج5ص418و419و421و444و445 .
14ـ المصدر نفسه ،ج5ص454 .
15ـ البداية والنهاية ، ابن كثير ، ج8ص189 .
16ـ تاريخ الطبري ، الطبري،ج5ص454 ؛ الكامل في التاريخ ، ابن الأثير الجزري،ج3ص184 .
17ـ تاريخ الطبري،الطبري،ج5ص447 .
18ـ أنظر: مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الاصفهاني،ص115 .
19ـ المصدر نفسه،ص98 .
20ـ المصدر نفسه،ص95 .
21ـ أنظر:اللهوف ، ابن طاووس، ص49ـ50 .
22ـ البداية والنهاية ،ابن كثير ،ج8ص204.
23ـ تاريخ الطبري،الطبري،ج5ص427؛الإرشاد،المفيد،ص103ـ104.
24ـ تاريخ الطبري، الطبري، ج6ص64 .
25ـ أنظر : مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب،ج3ص257 .
26ـ تاريخ الطبري،الطبري،ج5ص393.
27ـ أنظر: المصدر نفسه،ج5ص392 .
Discussion about this post