*اليوم العاشر من المحرم*
*مقالة مفصلة: واقعة عاشوراء*
*الحلقة الثانية*
اليوم العاشر من المحرم مقالة مفصلة: واقعة عاشوراء الحلقة الثانية
🖊️ إعداد الدكتور علي حزام الهديس كاتب سياسي يمني مقيم في نيويورك
عاشوراء يوم سُمّي في الإسلام، ولم يُعرف في الجاهلية، وهو اليوم العاشر من المحرم.[155]
أحداث صبيحة عاشوراء
لمّا حضرت صلاة الفجر من يوم العاشر من المحرم أقام الإمام (عليه السلام ) الصلاة جماعة.[156] ثم نظّم صفوف قواته، وكان معه إثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً.[157] فجعل زهير بن القين علىٰ ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر علىٰ ميسرتهم، ودفع الراية إلىٰ أخيه العباس بن علي .[158]
وفي المقابل تقدّم عمر بن سعد ليؤم جيشه للصلاة ثم نظم جيشه، فجعل علىٰ ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي وعلىٰ ميسرته شمر بن ذي الجوشن الضبابي وعلىٰ الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وعلىٰ الرجالة شبث بن ربعي اليربوعي وأعطىٰ الرّاية لعبدِهِ دريد..[159]
فلمّا نظر الإمام الحسين – كما في الرواية – إلىٰ الجيش رفع يديه بالدعاء إلىٰ الله.[160]
توبة الحرّ
قبل أن تنشب الحرب بين الطرفين قرر الإمام إلقاء الحجّة علىٰ جيش عمر بن سعد فركب فرسه وتقدّم نحو الجيش،[161] فألقىٰ عليهم خطبته، لحين قطع عليه الشمر الكلام.[162]
لمّا سمع الحرّ بن يزيد، كلام الحسين وسمع استغاثته «هل من ناصر ينصرني» وأيقن على غيّ القوم وإصرارهم علىٰ الحرب في مقابل ما طرحه الإمام، قرر الإلتحاق بأنصار الحسين قائلاً لمن حوله: «إني أخير نفسي بين الجنة والنار…[163]
نشوب الحرب
رسم يصور مواقع الجيشين
تقدم عمر بن سعد علىٰ جيشه فرمىٰ سهماً بإتجّاه معسكر الحسين، ثم طلب أن يشهدوا له عند إبن زياد أنه كان أوّل من رمىٰ الحسين ».[164] وأقبلت السهام من جيش بن سعد كالمطر نحو المعسكر.[165]
الحملة الأولىٰ
لما بدأت المعركة حمل أصحاب الإمام الحسين حملة واحدة – عرفت بالحملة الأولىٰ – سقط خلالها الكثيرون، وقيل سقط فيها من الأصحاب زَهاء خمسين رجلاً. بعدها تغيّر أسلوب المعركة فأخذ يخرج الواحد والإثنان منهم للمبارزة ولم يسمحوا للعدو بالإقتراب من الإمام.[166]
الحملة الكبرىٰ
وقبيل الزوال من ظهر العاشر من المحرم حمل جيش إبن زياد علىٰ الحسين وأصحابه من كل جانب، فقاتلهم أصحاب الحسين قتالاً شديداً، وأخذت خيل أصحاب الحسين تحمل، وما إن حملت علىٰ جانب من خيل أهل الكوفة حتىٰ كشفته، فلما رأىٰ ذلك عزرة بن قيس – وهو علىٰ خيل أهل الكوفة – بعث إلىٰ عمر بن سعد بـ عبد الرحمن بن حصن، فطلب منه أن يبعث إليهم الرجال والرماة».[167] فدعا عمر بن سعد الحصين بن تميم فبعث معه المجففة والرامية، فأقبلوا حتىٰ إذا دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقرت خيولهم، وصاروا رجّالة كلهم.[168]
وأخذ أصحاب الإمام الحسين بالإنتشار بين الخيام للدفاع عنها ومنع من يريد الإقتراب منها ونهبها وتمكنوا من قتل البعض وجرح البعض الآخر، فلما أحسّ عمر بن سعد بحراجة الموقف وعدم تمكنه من القضاء علىٰ الإمام وأصحابه بسرعة، أمر بتقويض الخيام فسارع ابن ذي الجوشن مع أصحابه للهجوم على المخيم فتصدىٰ له زهير بن القين في عشرة رجال من الأصحاب وكشفوهم عن الخيام.[169]
وأشتد القتال وكثر القتلىٰ والجرحىٰ في أصحاب أبي عبد الله إلىٰ أن زالت الشمس.[170] وسقطت مجموعة من أنصار الإمام.[171]
المبارزات
روىٰ الطبري وغيره من المؤرخين أنّ عمرو بن الحجّاج كان بالميمنة من جيش الكوفة، فاقترب من معسكر الحسين (عليه السلام) فأخذ الأصحاب (ع) يرشقون جنده بالنبال فأسقطوا منهم قتلىٰ علىٰ الأرض.[172] وأستشهد في الهجوم الأول مسلم بن عوسجة، وكان إبن سعد لما رأىٰ صمود أصحاب الحسين (عليه السلام) منع جنوده من المبارزة وجهاً لوجه.[173]
ثم إستأذن الحرّ الإمام ليتقدم للقتال معاتباً نفسه بأنه أول خارج علىٰ الإمام فاستأذنه أن يكون أول من يقتل بين يديه. وقبل أن يبارز قام بوعظ جيش الكوفة وألقىٰ الحجة عليهم، فكان من أول المدافعين والمستشهدين بين يديه.[174]
وخرج يسار مولىٰ زياد بن أبي سفيان وسالم مولىٰ عبيد الله بن زياد من جيش عمر بن سعد، دعَوا أصحاب الحسين (عليه السلام) إلىٰ النزال فقام إليهما حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير، فأمرهما الحسين بالجلوس، فقام عبد الله بن عمير الكلبي فأذن له عليه السلام وقاتل حتىٰ قتل.[175]
فأستشهد أصحاب الحسين (عليه السلام) واحداً بعد آخر ولمّا نظر مَن بقي من أصحابه (عليه السلام) إلىٰ كثرة مَن قُتل منهم، أخذ الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسين في الذبّ عنه وعن حرمه، وكلّ يحمي الآخر من كيد عدوّه.[176]
أحداث ظهيرة عاشوراء
إستمر القتال بين الطرفين حتىٰ زوال الشمس فلما حضر وقت الصلاة قال أبو ثُمامة الصائديُّ للحسين نفسي لنفسك الفداء أرىٰ هؤلاء قد إقتربوا منك – بمعنىٰ أننا مقتولون علىٰ أيدي هؤلاء – والله لا تقتل حتىٰ أقتل دونك وأحب أن ألقىٰ ربي وقد صليت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها فرفع الحسين رأسه وقال ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها ثم قال سلوهم أن يكفّوا عنا حتىٰ نصلّي ففعلوا.[177]
فعلّق وقتها الحصين بن نمير بأنّ الصلاة لا تقبل من الحسين (عليه السلام)، فقال له حبيب بن مظاهر: «لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله وتقبل منك يا حمار»، “وفي رواية يا ختّار، أي: يا غادر، فحمل عليه الحصين بن نمير وحمل عليه حبيب.[178] ولم يزل حبيب يُقاتل حتّىٰ حمَل عليه رجلٌ من بني تميم فضربه برمحه فوقع وذهب ليقوم فضربه إبن نمير علىٰ رأسه بالسّيف فسقط شهيداً.[179]
صلاة ظهر عاشوراء
تقدّم الإمام ببقيّة أصحابه وكانوا عشرين رجلاً إصطفوا للصلاة خلفه، فلما أراد الصلاة قال لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي: «تقدما أمامي حتىٰ أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتىٰ صلّىٰ بهم صلاة الخوف».[180] وروي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما أخذ الحسين يمينا وشمالاً قام بين يديه، فما زال يُرمىٰ به حتىٰ سقط شهيداً.[181]
وبعد أن أتمّ الإمام صلاته استشهد سعيد بن عبد الله علىٰ إثر ما أصيب من جراح.[182] برز كل من زهير بن القين، برير بن خضير الهمداني، نافع بن هلال الجملي، عابس بن أبي شبيب الشاكري، حنظلة بن أسعد الشبامي فاستشهدوا واحداً تلو الآخر.[183]
أحداث عصر عاشوراء
تسجل لنا المصادر التأريخية أنه بعد إستشهاد أصحاب الإمام الحسين أخذ بنو هاشم بالخروج إلىٰ المعركة.[184]
بنو هاشم يتقدمون إلىٰ المعركة
كان أوّل من طلب الخروج من بني هاشم إلىٰ ساحة الحرب علي بن الحسين المعروف بـعلي الأكبر فأذن له أبوه [185] مودعاً له بقوله:
«اللهم اشهد علىٰ هؤلاء، فإنه قد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً و منطقاً برسولك».[186]
وبعد أن سقط علي الأكبر شهيداً تقدم سائر إخوة الإمام عبدالله وعثمان وجعفر قبل العباس حتىٰ استشهدوا جميعاً.[187] ثم خرج سائر بني هاشم واحداً تلو الآخر، منهم أبناء عقيل بن أبي طالب وعبدالله بن مسلم بن عقيل إضافة إلىٰ أبناء جعفر بن أبي طالب، وأبناء الإمام الحسن كالقاسم بن الحسن وأخيه أبا بكر فسقطوا جميعهم شهداء واحداً بعد آخر.[188]
العباس يقاتل ويستشهد
مقام كف العباس في كربلاء
كان أبو الفضل العباس قد تمكن من كسر الحصار المضروب علىٰ الخيام وإقتحام الفرات لكنه لم يتمكن من العودة وإيصال الماء إلىٰ العيال.[189]
لم تجتمع كلمة الباحثين والمؤرخين علىٰ كيفية شهادته هل حصلت في طريقه لطلب الماء، أم في معركة القتال.[190] بحسب الخوارزمي برز العباس إلىٰ الميدان، فحمل علىٰ الأعداء مرتجزاً، وبعد أن قتل وأصاب عدداً منهم سقط شهيداً، فجاءه الحسين (عليه السلام)، ووقف عليه، وهو يقول: الآن إنكسر ظهري، وقلّت حيلتي.[191]
فعلى رواية واجه العباس بن علي (عليه السلام) ثلاثة من فرسان القوم وشجعانهم.[192]
فيما قرر أغلب أرباب المقاتل من أمثال إبن نما وإبن طاووس بأنه لما إشتد العطش بالحسين ركب المسناة يريد الفرات والعباس (عليه السلام) أخوه بين يديه فاعترضه خيل إبن سعد…ثم إقتطعوا العباس عنه، وأحاطوا به من كل جانب حتىٰ قتلوه، فبكىٰ الحسين (عليه السلام) لقتله بكاء شديداً.[193]
قتل الطفل الرضيع
ثم إنّه لما رأىٰ ولده عبد الله الرضيع قد غلب عليه العطش أتىٰ به نحو القوم يطلب له الماء، وقال: «إن لم ترحموني، فارحموا هذا الطفل»، فاختلف العسكر فيما بينهم فصوّب إليه حرملة بن كاهل الأسدي السهم وهو في حِجر أبيه فذبحه من الوريد إلىٰ الوريد.[194]
الحسين (عليه السلام) يقاتل
إستعد الحسين (عليه السلام) للقتال فقبل أن ينازل طلب ثوباً عتيقاً لا يَرغب فيه أحد ليسلبه منه كغنيمة بعد الحرب، لكنّه بعد مقتله (عليه السلام) جُرّد منه.[195]
فبعدما قُتل جميع من في معسكر الحسين (عليه السلام) نازل الإمام الجيش، إلاّ أنّ الجيش أحجم عن مواجهته وحال بينه وبين المشرعة فأصاب الحسين (عليه السلام) سهم في حَنَكه.[196] ورغم الجراح التي أصيب بها إستمر في قتال القوم .[197]
قال إبن طاووس: «لقد كان يحمل فيهم فيهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلىٰ مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوّة إلا بالله».[198]
ثم إنّه ودّع عياله مرّة ثانية وأمرهم في التحلّي بالصبر من بعده.[199] ثم دخل خيمة ولده السجاد ليودّعه.[200]
ولما كان مشغولاً بالتوديع صاح عمر بن سعد علىٰ الجنود فحثهم علىٰ مهاجمة الحسين، فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتىٰ وصلت السهام إلىٰ أبواب الخيام حتىٰ أن خرقت رداء النساء.[201]
ثم واجه الحسين الجيش وأتخذ لنفسه مركزاً ينطلق منه لمحاربة القوم والرجوع إليه فإذا رجع إلىٰ مركزه يكثر من ذكر، لا حول ولا قوة إلا بالله-.[202] فلما رأىٰ الشمر ذلك حال بينه وبين عياله فصاح بهم الحسين : «ويحكم إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلىٰ أحسابكم إن كنتم عرباً». حتىٰ لآم من حول الشمر لتعرّضه للخيام.[203]
*الحسين (عليه السلام) يستشهد*
ثم أحاط به القوم يتقدّمهم شمر بن ذي الجوشن إلاّ أنهم أحجموا عن مواجهته والشمر يحثّهم علىٰ ذلك.[204] فأمر الشمر الرماة فرموا الإمام بالسهام حتىٰ أثخن بالجراح والسهام[205] فأحاطوا به صفاً.[206]
وقيل أنّ رجلاً ضربه علىٰ رأسه [207] وقالوا وقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف إذ أتاه حَجر فوقع في جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه، فأتاه سهم فوقع في صدره.[208]
Discussion about this post