استمرارا في الحديث عن نفحات بسيطة من سورة يوسف المفعمة بفكر وتوجيهات وخطوات الإحسان
استطاع الإحسان الذي كان أرقى سمات يوسف ان يحفظه في كل مراحل حياته سواء (العمر) او (المكان) أو (المنصب) ، فإحسان يوسف حافظ على نفسيته في صغره وفي بداية حياته الجديدة بقصر عزيز مصر من ان تكتسب فكر وتربية أهل القصر ، فبلغ أشده وهو من المحسنين بعد ان أثر على محيطه ولم يؤثروا عليه ( وَلَـمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْـمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُحْسِنِينَ ) فكان سلاحه الأقوى عندما راودته سيدة القصر وبقية نساء اشراف مصر
وفي السجن الذي تم تقييد حريته ونزع منه كل متاع الحياة التي كان يمتلكها في قصر العزيز لسنوات عديدة وتغير من كان يعاشرهم في القصر الى مجرمين مع أعمال شاقة لم يكن متعودا على القيام بها وطعام وشراب رديء جدا وثياب مهترأة وبالية وكان كل ذلك وهو مظلوم بل تم تبرأته بتلك الآية العظيمة (وشهد شاهد من أهلها) الا أن الإحسان الذي كان يمتلكه ويترجمه في كل خطوات حياته كان من حافظ على نفسيته من ان تضطرب وتمرض فكان يوسف بنفسيته وقلبه وروحه وسلامة عقله وفكره هو نفسه يوسف عندما خرج من السجن دون ان يتأثر نفسيا قيد أنملة رغم طول مدة سجنه .
وعندما مكنه الله في الأرض واصبح كل من ظلمه وانتزع منه سنين ظلما وعدوانا تحت رحمة سيفه وإنتقامه كان للإحسان هذا دور هاما جدا في بقاءه مرتبطا بالله ينظر لما يحبه الله ويرضاه وليس لما ترضي نفسيته الذاتية فالإحسان نظف قلبه من الغرور والإنتقام فلم يستخدم ما مكنه الله من السلطان في الإنتقام وهذا من ثمار الإحسان ان حافظ على تواضع نفسيته وعفوه وصفحه ( وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُحْسِنِينَ )
وعندما لجأ إليه من حاول قتله في صغره ورموه للبئر وتآمروا عليه متناسين رابط الأخوة والدم الواحد وكسروا قلب ابيهم فجاءوا جائعين طالبين منه ما يبقيهم على قيد الحياة لم ينتقم منهم ويظهر لهم قوته وتحسن حاله بتكبر وتجبر فقد كان الإحسان الذي هو سمته الدائمة مانعا له بأن يتصرف كهذه التصرفات بل سعى لهدايتهم وجبرهم على التوبة رحمة بهم وخوفا عليهم ( قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْـمُحْسِنِينَ )
كان مظلوما فرعاه إحسانه من ان تتأثر نفسيته سلبا ، وكان مرفها فحفظه إحسانه من ان تتأثر نفسيته خلودا للأرض ، وكان مسجونا فكان إحسانه رفيقه في تلك الظلمات واصبح مالك الأرض فوجهه إحسانه للتصرف الحسن واصبح كل من تآمر عليه وتكبر وتجبر جميعا تحت رحمة سيفه فكان لإحسانه الدور الأكبر ليحسن لهم ويعفو عنهم ويهديهم سواء الصراط .
وهنا يتبين لنا جميعا أهمية الصفات القرآنية التي يأمرنا الله بها (ان الله يأمر بالعدل والإحسان) لأجلنا وزكاء نفوسنا وحفظا لسلامتها .
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post