اللهم زلزل الأرض من تحت اقدامهم ودمرهم تدميرا وأغرق بارجاتهم و و و وغيرها من أدعية طالما دعونا بها من اقصى البلدان الإسلامية إلى أقصاها وخاصة في الحرمين وبملايين البشر والأيدي والأفواه تلجأ الى الله بهذه الأدعية في خوضها للحرب ضد عدو الله وعدوها من اليهود ومن معهم ، ولكننا نزداد خسرانا وتقهقرا وهم يزدادون أنتصارا وتوسعا ، فتزلزلت الأرض من تحتنا وتم تدميرنا نحن وغير ذلك ، فلماذا هذه النتيجة رغم أن الله وعدنا بالأستجابة عندما ندعوه ؟؟
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
يتسائل الكثير ان لم يكن معظم ابناء الأمة الإسلامية بحيرة ويأس كبيرين عن أسباب عدم الإستجابة لدعائهم سواء الدعاء الجماعي (بإهلاك اليهود وتحرير القدس منهم) أو الدعاء الفردي (كلا حسب ما يدعو به الله من شئونه ) ، حتى أن معظمهم يصل الى مرحلة اليأس من أن هناك استجابة من الله وعندما يصل إلى وعود الله في القرآن بالأستجابة يتعامل معها ككلام انشائي وجد لنحصد به حسنات لا اكثر ولا اقل (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ، فيقف الكثير محتارا هنا بين وعد الله وتبيانه بأنه قريب من محتاج الدعوة والسند منه وبين عدم تحققها عند هذا الاحتياج ، فيضطر في الأخير ليبني فكرة نفسية داخلية في اعماقه البعيده بعدم صوابية هذه الآية مع إظهار عكس ذلك من منطلق تحصيل حاصل بأنه كلام الله ، وحتى الدعاة و العلماء والخطباء والمرشدين تصنع فيهم نفس النفسية والنظرة ولكن بأسلوب أكثر تطورا وتحاذقا ، فيرجعون سبب تأخير الاستجابة لان الله أجلها للآخرة يعوضك بدلها أو أن الله غير النتيجة بخير آخر غير الذي طلبت لمعرفته جل وعلا بالذي يفيدك من نفسك ، وهكذا يضيع وتيه الجميع في مثل هذه رؤى وأطروحات مبتعدين كل البعد عن ان الآية واضحة وعربية غير ذي عوج فلا يجب أن يعوج هؤلاء في تفسيراتهم وتأويلاتهم الفارغة من الحقيقة ، فالله قال واذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان ، فالداعي لله لن يدعو الله الا في أمور هو محتاج للعون من الله ،والله وعد هنا بأنه سيستجيب له (أجيب دعوة الداع إذا دعاني) والكلام واضح ولا يحتاج لأي تحويرات ولا تحويلات ، فيا ترى ما السبب في كل ذلك خاصة ونحن سننطلق في الطرح من منطلق ثقتنا المطلقة بمصداقية الله ووعده حيث لن نناقش السنة الإلهية في ذلك بل سنناقش الدعوة والداعي فالأختلالات تأتي منهم والتي نتيجة منع الأستجابة !!
وصل طالوت وبقايا بقايا جنوده الى أرض المعركة الحاسمة الفاصلة ضد جيش جالوت الكبير والقوي (عدة وعتادا) خاصة وقد خرج جالوت بنفسه ليقود هذه المعركة وهذا يعني أنه خرج بكلما يمتلك من قوة وجنود وعتاد ، أي اننا هنا نتلكم عن مواجهة غير متكافئة وفقا لمقاييسنا البشرية ( وَلَـمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِه) بروز وظهور كامل وواضح أي أتضحت حقيقة الجيشين لبعضهما البعض ، وبطبيعة الحال هنا إزدادت نفوس جالوت وجنوده ثقة وطمأنينة من نصرهم وسحقهم لحيش طالوت وبسهوله جدا ، ومن جانب آخر بدأ قليلا من القلق والخوف يتسلل لبعض نفوس جيش طالوت ولكن الثقافيين مستمرون في توعيتهم التوعية الدينية دون كلل أو ملل ، وهنا تكون اللحظة الفاصلة الهامة في مسأله الإرتباط بالله والأرتباط بالشيطان ، فحزب الشيطان بطبيعة الحال سيزدادون غرورا وتكبرا مقتبسين هذه النفسية من نزوات ورغبات قائدهم إبليس ، والمؤمنون يحتاج لأن يرتبطون بربهم الله جل وعلا وفقا لكما وضحه الله لهم في هذا الأرتباط وكيفيته السليمة ، لأنهم لا يمتلكون اي عوامل مادية تؤهلهم للنصر فهم يتحركون الى حتفهم ونهايتهم وهم يعرفون وينظرون ، وهذا أمر لا محاله فيه ولا نقاش ولا جدال ، فأي نفسية يمتلكها المؤمن بالله حق الإيمان كي يدفعه هذا الإيمان ليخوض هذا الغمار غير آبه بأنه سيسقط على الموت او يسقط الموت عليه ، لذا كان قول المؤمنين هنا معاكس جملة وتفصيلا لقول معسكر جالوت الذي أغتروا ووثقوا بالنصر من منطلق أمكانياتهم وضعف الطرف الآخر ، ومباشرة لجأت القيادة ومن معهم وجميع الجنود إلى إستلهام العدة والعتاد من الله جل وعلا والذي يضمن لهم النصر على هذا الجيش وكل أمكانياته ، حيث تتمثل هذه العدة والعتاد في (التصبير ، التثبيت، البأس ، الحكمة) ، لذا قالوا (ِ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ، لجئوا إلى الله لا ليرسل على جالوت وجنوده الزلازل والبراكين والطير الأبابيل وغيرها من امور طالما طلبنا الله ليرسلها على اعداءنا في عصرنا هذا ولم يرسلها ولن يرسلها !!!
الصبر في النفوس والقلوب ، التثبيت في البدن والأقدام ، البأس في السلاح الذي يمتلكه المؤمنون ، الحكمة في ادارة المعركة ، بهذه الأسلحة سينتصر أي جيش طالما طلبها من مصدرها الحقيقي وبطريقة حقيقية ، ولأننا عرفنا ونعرف ان مصدرها الحقيقي هو (الله) فكيف نطلبها بالطريقة الحقيقية السليمة السوية ؟ ، الطريقة السوية السليمة تتمثل في بقية الآية التي بدأنا بها مقالنا هذا الخاص ب(واذا سألك عبادي عني ) وهي تتمثل في (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) فهل استجاب جيش طالوت لله وهم مؤمنون به كما ينبغي ؟ نعم استجابوا لله عندما تحركوا للجهاد في سبيله وآمنوا به عندما وثقوا فيه حق الثقة وسلموا تسليما للقيادة التي اصطفاها الله لهم ولم يتخاذلوا او يفروا عندما برزوا لجالوت ورأوا فارق الامكانيات بينهم ! نعم ، فقد دعوا الله لأنفسهم هم بأن يصبرهم وبأن يثبتهم وهم في صفوف القتال وساحة الوغى وحرارة الوطيس والموت يملأ المكان ورائحة الدماء تفوح من كل جانب ، بعد ان تحركوا وتركوا ابناءهم واموالهم ونساءهم خلف ظهورهم مستجيبين لله ومؤمنين به بثقة مطلقة (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) ثم بعد الأستجابة لله أدركوا تماما ان الله سيجيب دعوتهم لذا دعوا الله بثقة الإجابة ، وبالفعل كانت الإجابة حاضرة وسريعة جدا جدا .
على الرغم انهم قد استجابوا لله بإيمان عميق الا انهم يدركون تمام الإدراك سنن الله في النصر والذي لا يأتي وهم واقفون غير متحركين بل يأتي بأيديهم هم (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) فنحن من يرمي والله يضع بأسه وتأييده فيما نرمي فتكون الإصابة موفقة وناصرة وواسعة وشاملة ، لذا دعوا في البدء لأنفسهم وليدعمهم ليتحركوا هم ليقاتلوا العدوا (افرغ علينا صبرا ) أي اجعل قلوبنا قوية واثقة صابرة ، (وثبت أقدامنا) اي أجعلنا ذو بأس لا نتزحزح ابدا مهما كانت مجريات المعركة لنضربهم ونوقفهم كما تريد وتحب يا ربنا ، ثم بعد ذلك وبعد ان نقوم بواجبنا كاملا فهنا يا الله أيدنا بنصرك انت فمهما قمنا به من عمل ضد العدو فلن يجلب نصرا فالنصر نصرك انت والتأييد تأييدك (اذا جاء نصر الله) لذا قالوا في آخر الدعاء ( وأنصرنا على القوم الكافرين) فهؤلاء قوم يجحدون نعمة ويستكبرون عليك فهم كافرون بك والانتصار عليهم وكسر شوكتهم جل ما نرجوه ونسعى إليه فيك وعبادة لك وتقربا منك فهم كافرون ولابد ان نوقف كفرهم كما تريد يا ربنا ، هكذا كانت الاجواء النفسية للدعوة ، فلم يطلبوا هزيمة عدوهم وهم راقدون في بيوتهم او آمنون في مساجدهم او يتقدمون المصلين في الحرم المكي أو المدني وخلفهم كتيبة من الحرس وعلى اجسادهم كذا كذا كيلو عطر ودهان ومرطبات من ارفه العطور والكريمات وينتظرهم بعد الصلاة موائد طعام مما لذ وطاب ، لا على الإطلاق ،بل دعوا الله وهم يتقدمون الصفوف استجابة لله وحبا فيه وإيمانا به ، وهنا جاء النصر من الله (فهزموهم بإذن الله) ، بدأت الآية بحرف (ف) وعند استخدام هذا الحرف فهذا يعني سرعة حدوث المعطوف دون ان يكون بين الدعاء والنتيجة أمر آخر على الاطلاق (فهزموهم) أي ان الله أستجابة لدعوتهم سريعا ومباشرة تنفيذا لوعده جل وعلا عندما قال (واذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) فهل أدركنا كيف يجب ان ندعو الله وماهية النفسية التي يجب ان نمتلكها لأستجلاب الاستجابة السريعة !!!
ارجعوا الى 40 سنة للسديس وامثاله ممن يطلق عليهم ائمة حرمين شريفين وراجعوا عدد الأدعية التي دعا الله بها سواء في رمضان او غيرها خاصة في العشر الأواخر من رمضان وخلفه اكثر من ثلاثة مليون يصلون ، ثم انظروا الى ماذا أستجاب الله منها رغم انه يدعوه في اطهر مكان في الأرض وفي أفضل أوقات السنة ؟؟؟ أراهنكم جميعا ان الله لم يستجب لهم اي دعوة اطلاقا حتى وان رايتموههم على مستوى ابدانهم يتوسعون طولا وعرضا والسبب انهم لم يستجيبوا لله بإيمان واعي وحقيقي ، فهم يدعون الله لينصرهم على مغتصبي القدس وبعد 40 سنة يوقعون على احقية من كان يدعون عليه بالقدس بل ويصالحونهم ويخضعون لهم والسبب انهم لم يستجيبوا لله من قبل فظهر نتيجة تلك الحالة هذه الأيام بكل وضوح وبروز .
عندما ترفع يديك الى الله لتدعوه في اي امر كان عليك بالتالي :-
– ارفع اولا قلبك إلى الله
– أستجب لله كما يريد في ذلك الأمر الذي تريد ان تطلبه من الله فلا يكون سؤالك لله لأهداف ذاتية شخصية لا تنعكس على المجتمع ككل بالخير المرتبط بالاستخلاف في الارض فلا يكون مثلا سؤالك لله بأن يرزقك كي تتمتع وتبني وتتغذي في الدنيا لأن هذه حالة غير سوية ولا ترتبط بالاستجابة لله اطلاقا ، ولكن تكون متملكا نفسية جود وكرم وعطاء وانفاق في سبيل الله ومواساة الاخرين والاهتمام بالفقراء والمساكين بما انت عليه الآن (قليلا لديك او كثير) وعندها انظر كيف ستكون الأستجابة !!
– ألا تكون في دعوتك إضرار بآخرين
– أن تكون انت متحركا متفاعلا عاملا باحثا وليس دعوة من زاوية مكان فهذه الوضعية خالية تماما من الاستجابة لله .
تخيلوا مثلا لو أعد السديس وأمثاله ما استطاعوا من قوة وعدة وعتاد ، ثك استنهضوا المجتمع للقتال في سبيل الله لتحرير القدس من المغتصبين له وعندما يبرزون لشارون وجنودهم او نتنياهو وجنودهم يرفعون ايديهم لله ويقولون كما قال طالوت وجنوده (ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) اقسم بالله قسما مغلظا اننا اليوم كنا نتكلم عن القدس وما حولها كدولة عربية اسلامية لا دولة اسرائيلية يهودية ولم نكن نحتاج ل40 سنة من ذلك الصدى المدوي في منابر المسجد الحرام بنغمة جميلة يضاهي بها نغمات اكبر المطربين في العالم ، ولكنهم قوم فاسقون علموا الحق وابتعدوا عنه .
سنتكلم في الطرح القادم بمشيئة الله عن بداية عصر النبي داود عليه السلام واهم الدروس التي يجب ان نعيها ضمن اطار (العبرة) التي يجب ان نستنبطها من قصصهم .
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post