د. #أسماء_الشهاري
كم من القصص التي وصلت ولا تزال تصل إلى مسامعنا عن حقيقة ما يعانيه أسرانا من أبطال الجيش واللجان الشعبية في زنازين العدو، ولكي أقرب لكم المشهد عن بعض الجرائم والانتهاكات التي تقشعر لها الأبدان ويشيب من هولها الولدان، اخترت لكم هذه القصة الواقعية لأحد أبطالنا الشجعان الذي كان قد وقع في الأسر قبل أن يصطفيه الله بالشهادة بعد ذلك، بعنوان..
( 1)……………………
يُحكى أن هناك فتىً يانعاً تحدى طائرةً حربية حيث كان يقود دراجة نارية بسرعة جنونية ليس حرصاً منه على حياته بينما هي تطارده وتلقي عليه القذائف ولكن لكي يقوم بإيصال المؤنة إلى رفاقه المحاصرين، ها هو الفتى الصغير بعمره والكبير بشجاعته وإقدامه يطير من فوق الأحجار والصخور تارة ويسقط من فوقها ويتدحرج تارة ثانية وقد أصابه من الجراح ما أصابه، لكنه يعود إليها ويواصل طريقه غير آبهٍ بتلك الطائرة ولا بشيء أصابه ويصل بعناية الله وقوة عزيمته إلى غايته”..
لم تكن هذه قصة خرافية عن بطل خارق في إحدى أفلام الأكشن التي تصرف عليها المليارات، لكنها إحدى القصص الواقعية لبطل خارق حقيقي لا يخشى الموت ولا يعرف المستحيل، هزم بقوة يقينه بالله وبشجاعته وشدة بأسه أعتى أنواع الطائرات وأكثرها تطورا والتي تصرف عليها المليارات ويقال أنها فخر الصناعات فجعل منها أضحوكة ومسخرة القرن العشرين عبر القارات!
نعم هذا هو أحد أبطال قصتنا والذي لا ندري أكان ملاكا بأجنحة من هيبة يُحلِّق بها كيفما يشاء، أم أن الملائكة هي من كانت تحمله على أجنحتها بأمر الله فتوصله أينما يشاء!
لم تكن هذه القصة هي الوحيدة ولكنها واحدة من قصص أشبه بالمعجزات التي سطرها أبطال قصتنا الأخوين الشهيدين من أسرةٍ واحدة خليل وهيثم علي مقحط والتي ستظل أنموذج فريدا خالدا تتناقله الأجيال على مدى الأعوام عن كيف تُدرس الكرامة، ويُصنعُ المجد، ويُسطرُ النصر؟
فهيا بنا نغوص إلى أعماق هذه القصة التي حوت في طياتها هذا الدُّر الثمين لنستلهم منها العبر التي ستظل منارة فخرٍ عبر السنين.
*العودة من الموت :
بعد صولاته وجولاته وتنكيله بالأعداء حصل ما لم يكن يتوقع في عدن أيام العيد تلك المرة والتي لا تزال عدن مسلوبة من قبل الأعداء والمحتلين إلى الآن، كان هيثم من المجاهدين الذين ثبتوا في أرض الميدان ولم يعودوا لقضاء العيد مع أهلهم، ووجد نفسه في عمارة مهجورة هو واثنين من زملائه وقد أحاط بهم مرتزقة المملكة الداعشية من كل مكان!
صمد الثلاثة الأبطال لمدة ثلاثة أيام بدون ماء ولا طعام حيث بلغ منهم الجوع والعطش مبلغه وكان أصغرهم الذي يبلغ خمسة عشر عاما يهم بتسليم نفسه إلى الأعداء لولا تصبيرهم إياه كما وجدوا كمية قليلة جدا من الماء فأعطوه إياها، انقضت الأيام الثلاثة وعلموا أنهم لن يستطيعوا التحمل أكثر من ذلك بدون طعام ولا شراب، وفي أثناء ذلك وجدوا بيت شيخ كبير في السن بالقرب من العمارة المهجورة ولم يجدوا بُدا من الالتجاء إلى منزله واستعطاف قلبه عليهم، ذهب الثلاثة إليه وقاموا بوضع أسلحتهم التي كانت قد نفدت منها الذخيرة بين يديه، فقالوا له: يا عم نحن في وجهك لا يوجد معنا أحد ونكاد أن نهلك من الجوع والعطش، فما كان من ذلك الرجل العجوز إلا أن قام بطمأنتهم وقال لهم بكل ثقة: الله المستعان أنتم مثل أولادي وفي وجهي ونحن كلنا يمنيين وكلنا مسلمين، هونوا عليكم سأخرج الآن لإحضار طعام العشاء لكم، وفعلا جلب الرجل العشاء وبدأوا في تناول الطعام بنهم كبير لشدة الجوع وبينما هم منهمكين في تناول الطعام حصل ما لم يكن بالحسبان!
حضرت مجموعة من الدواعش وهجمت عليهم وكان ذلك العجوز هو من قام بإحضارهم والتبليغ عنهم، فبدأوا بإطلاق النار لإرعابهم وضربهم وركضهم وشتمهم وقد تجمعوا عليهم تجمع الضباع ثم بدأوا بأخذهم معهم، كان هيثم يعلم علم اليقين بأن ذلك العجوز هو من بلغ عنهم، لكن وعلى الرغم من صغر سنه فقد تصرف بذكاء شديد وكأنه إلهام من الله وتأييد منه سبحانه، قال هيثم للعجوز: أعلم أنك لست من بلغت عنّا وأنهم علموا بوجودنا من تلقاء أنفسهم، يا عم نحن أولادك ونحن في وجهك وليس لنا أحد غيرك هنا.. نحن في جارك يا عم لا تتركنا..
قد يقول البعض ماذا سيستفيد من توجيه هذا الكلام إلى رجل خائن منعدم الضمير، لكن كلمات هيثم وتوسله كان لها أثر السحر في نفس ذلك الرجل العجوز، ربما أنها هزته من الداخل أو تسببت له في شعور كبير بتأنيب الضمير مع هؤلاء الفتية الصغار خاصة وهو يعلم أي مصير ينتظرهم!
تعرض الثلاثة للضرب والتعذيب والشتم والإهانة أثناء أخذهم إلى زنازين تحت الأرض فيها الكثير من الأسرى المجاهدين والتي لا سبيل إلى أن تزورها الشمس أبداً، لكنهم قد تفضلوا عليهم بإعطائهم كشافات لكي يتمكنوا من قراءة القرآن والملازم الداعشية لكي يقوموا بهدايتهم!
كما أنهم لم ينسوا أن يحضروا شيوخهم إلى السجن لكي يقرأوا القرآن عليهم ويشفونهم من السحر الحوثي الذي وقع عليهم _من وجهة نظرهم طبعاً!
ألوان وأنواع من البلاء والتعذيب والتمحيص الشديد تعرض له بطل قصتنا والذي تتصدع منه الجبال ويذوب منه الحديد بَيدَ أن هيثم كان قوي الإيمان والارتباط بالله، عظيم الهمة شامخ الهامة فما جزع لما أصابه في سبيل الله وما قل عزمه وما لان.
بفضل الله ولطفه بهيثم ورفاقه فقد سخر لهم في قلب ذلك الرجل المسن والذي كانت له كلمة مسموعة عند الدواعش في ذلك الحين فربما كان أحد قياداتهم حيث دائما ما كان يزورهم إلى الزنزانة ويوصي رفاقه عليهم ويقول لهم: إلا هؤلاء لا تمسوهم بسوء، هؤلاء في وجهي وفي جواري..
وعن طريق الرجل العجوز نفسه استطاع هيثم أن يتواصل مع أهله الذين كادوا أن يجنوا وهم يبحثون عن جثته بين المفقودين في المستشفيات ولم يعرفوا مصيره!
لكن وعلى الرغم من سماحهم لتواصل هيثم بأسرته إلا وأنهم لقبحهم فقد استغلوا ذلك في ابتزاز أهله وترويعهم وكان ذلك إحدى أساليب التعذيب الذي كانوا يتفننون فيه بشكل عجيب!
تواصلوا مع شقيقه الأكبر، وفي مكالمة قالوا له: نحن أنصار الشريعة، ها هو هيثم يرتدي البدلة الحمراء وسوف نقوم بإعدامه الآن، يرد عليهم: أنتم تكذبون دعوني أسمع صوته، وإذا به هيثم فعلا فينهار الأخ ويبكي على مصاب أخيه، فما يكون من هيثم إلا طمأنة أخيه ويقول بكل يقين: هون عليك يا أخي لا تقلق، اطمئن والله أني سأخرج وسأعود إليكم، أرجوك تماسك ولا تبكي،
يتحدث الأخ عن مشاعره بعد سماع تلك الكلمات بتلك القوة من أخيه الأسير_ شعرت حينها كأني أنا من كنت في الأسر رغم أني حُر طليق وأن هيثم كان يعرج في ملكوت العزة والحرية على الرغم من وقوعه في الأسر فكان هو من يواسيني ويثبتني وليس العكس!
وها هي والدته أيضا عندما تحادثه يقوم بطمأنتها ويقول لها بكل ثقة أنه سيخرج ولن يصيبه مكروه، وهو من كان يقتحم الموت ولا تأخذه أي رهبة طالما وقد نذر نفسه في سبيل الله.
كانوا يقولون لهم وهم في الأسر بأن صنعاء قد سقطت وأن الأمور كلها قد صارت بيد المرتزقة والغزاة، فيسبب ذلك ألماً وإحباطا شديدا للمجاهدين الواقعين في الأسر، فقال له أحدهم: هل نحن على الحق أم على الباطل؟ فيجيبه هيثم: هل يزيد على حق أم على باطل؟، المجاهد الأسير :على باطل، هيثم بكل ثقة وعزة ودون أن يشعر بذل ولا مهانة: إذن والله أننا على الحق وأن الجبهات لا تزال مفتوحة وأنهم لم يصلوا إلى صنعاء ولن يدخلوها.
ليس هذا كل شيء، فقد تعرض هيثم ورفاقه لأهوال تذهل منها الولدان وتشيب فدعونا نكتشف ما خلف الكواليس ونتعمق في أسرار الأسر والتعذيب.
إن تعامل هؤلاء المسخ مع الأسرى لا تدل إلا على أنهم وحوش ضارية ذات نزعات شيطانية قد انسلخت من إنسانيتها تماما وظلت تتدرج في الانحدار حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من التلذذ بتعذيب الضحية بكل ما أمكنها وبما يجعل اللسان يقف عاجزا عن وصف مدى قبحها أو التعبير عنها وعن أفعالها الإجرامية!
لم يكن من المسموح لهيثم وبقية المجاهدين الواقعين في الأسر الدخول إلى دورة المياه إلا مرة واحدة خلال اليوم وقد تم ربط أحد اليدين مع قدم واحدة ولا يدخل الرجل منهم إلا وفوق رأسه ثلاثة أو أربعة من الجبناء الحمقى يقومون بركله ويرفعون أسلحتهم فوق رأسه، الطعام كذلك كان مرة واحدة خلال اليوم وكان في أفضل حالاته عبارة عن رغيف جاف أو اثنين، ولم يكن هناك فرصة حتى ليهنئوا أثناء تناوله فقد كان الدواعش يضعون السكاكين على رقابهم ويقولون لهم سنقوم بذبحكم فور انتهائكم من الطعام ويطالبونهم بأن يتوبوا!
وهذا ما حصل مع بطل قصتنا هيثم ذات مرة عندما كان يتناول الطعام قاموا بربط يديه إلى الخلف و وضعوا السكين على رقبته وأمسكوا بشعر رأسه وسحبوه إلى الخلف وأخبروه بأنهم سيذبحونه لأنه مجوسي رافضي، كان العرق يتصبب من كل شعره في جسد هيثم وقد شعر فعلا أنهم سيقومون بذبحه ولم يشك في ذلك، وبينما هو ينتظر الموت قاموا بركضه وقالوا سينظرون في أمره بعد انتهاءه من الطعام الذي لم يقدر أن يتناول شيء منه بعد ذلك بطبيعة الحال.
كم كان صعبا ومؤلما إلى حد الفجيعة ما رآه وما لاقاه الشهيد العظيم هيثم علي مقحط خلال الأسر فهاهو أحد رفاقه الذين كانوا معه عندما تم القبض عليهم قد تم ذبحه وهو من لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره على الرغم من أنه كان من الذين شفع لهم ذلك العجوز إلا أن ذنبه كان لا يغتفر بنظر أولئك القتلة المتعطشون للدماء حيث كان يرفع صوته بشعار الحق وعلى الرغم من أن رفاقه حاولوا منعه إلا أنه كان شجاعا جدا وكان رغم صغر سنه أكبر من كل أولئك الحمقى المجرمين حيث قال لرفاقه: ماذا بكم هي نصف ساعة فقط وأكون بعدها بين يدي الإمام علي عليه السلام،
وهكذا تم ذبحه وإلقاء رأسه الشامخ العظيم إلى بين يدي أصحابه، فما أصعبه من موقف تعجز كل تعابير الدنيا عن بلوغ مدى بشاعته و وحشية مرتكبيه.
لم تكن هذه عملية الذبح الوحيدة بل كان هناك ما يفوقها إجراما و وحشية حيث في كل يوم يتم إخراج الأسرى إلى الحوش والعد حتى رقم معين ومن يقف الرقم عنده يتم ذبحه وجز رأسه أمام أعين بقية الأسرى ثم يتم رمي رأسه إليهم في واقعة تتشقق منها السماء، ففي كل يوم ينتظر أسيرا ذات المصير بينما مصاصو الدماء يتلذذون بذلك التعذيب النفسي الرهيب الذي تخرُّ الجبال منه مغشياً عليها ويتفاخرون بالقتل والرقص على الأشلاء!
ستة وثلاثون أسيرا من أبناء الجيش واللجان الشعبية تم ذبحهم ورمي رؤوسهم أمام ناظري هيثم ورفيقه،
فأيُّ قلب يتحمل ما تحملت يا بطلنا العظيم!
كما كانت هناك طقوس معينة يمارسها أولئك المسخ الشياطين قبل إعدام ضحاياهم، حيث كانوا يلبسونهم ملابس الإعدام لمرات عديدة قبل أن يقع الاختيار عليهم في نهاية الأمر ويقومون بمحاكمتهم على الرغم من أن الحكم النهائي في نهاية المطاف واحد وهو “الذبح”!
لم يكن الجميع يخضع للمحاكمات فمن يثبت بأنه عسكري لا محاكمة له، حيث تم أخذ العساكر إلى حضرموت وإعدامهم هناك.
أما هيثم فكان من ضمن الذين ارتدوا بدلة الموت مرات ومرات وتمت محاكمته، وكانوا يلصقون أبشع التهم به كونه من الحوثيين الرافضة المجوس، فكان يرد عليهم بأنها تهم باطلة، فيقولون له أنت لا تزال صغيرا ومن الأتباع ولا تعرف حقيقة هؤلاء وحقيقة ما يقومون به،
هيثم الذي كان له أسلوب وطريقة تأسر قلوب حتى أعداءه، والذي كان يجيبهم بكل صدق على كل أسئلتهم دون أن يبالي ولم يتردد أو يخاف هنيهةً واحدة، فما زادوا به إلا انبهارا لرباطة جأشه وإبائه، فما يكون ردهم إلا أن يقولوا له: أنت فتى طيب يا هيثم لا نعرف كيف تورطت مع هؤلاء، ويعتقدون أنه مغرر به وأنهم قد سحروه!
ها هم يربطون يديه إلى الخلف ويلبسونه ملابس الإعدام هو ورفيق جهاده وزنزانته مرة أخرى ويقودونهم إلى زنزانة منفردة، وبينما هم ينتظرون الموت يتفاجئون أنهم يقومون بإعطائهم ثلاث وجبات بدلا من وجبة واحدة وبدلا من الخبز اليابس الذي استمر لمدة سبعة أشهر ونيف فإن اللحم هو وجبة الطعام ثلاث مرات في اليوم ولمدة أسبوعين!
سأله صديقه: لماذا يطعمونا اللحم، ما الذي تعتقد أنهم سيفعلونه بنا؟ فيرد عليه :لا أعلم يا صديقي ربما يريدون أن نتغذى لنكون عوضا عن أضحية العيد، ليس بأيدينا شيء دعنا نأكل وحسب عوضاً عن أشهر الحرمان……
يمكنكم قراءة القصة كاملة على أحد الروابط التالية..
وأخيراً تم اللقاء…. 1
وأخيراً تم اللقاء…. 2
http://www.cfca-ye.com/articles.php?lng=arabic&print=773
Discussion about this post