كتب إسماعيل النجار
هذا ليس خلاف رأي هذا كشف أقنعة.
حين يتحوّل القلم إلى أداة تضخيم الذات، وحين يُختصر الوعي العام بضمير المتكلم، نكون أمام ظاهرة خطرة لا كاتب عابر. نحن أمام شخص يعتقد أن المقاومة منصة، وأن الدم فكرة ثانوية، وأن التاريخ يُكتب بعبارة: أنا قلت. أنا كتبت. أنا حذرت!.
من هنا يبدأ الاشتباك، لا المجاملة.
هذا النرجسي الذي لا زال على رأس آصبعه العسل من خير (ألحاج محمد عفيف) يخرج إلينا اليوم بمرضهِ المعروف لدى الجميع “ب” “أل” “أنا” هو هكذا دائماً!. أنا قلت، أنا كتبت، أنا حذرت، الكل من حوله يقول إنه نرجسي دائماً يقول الناس تقول عني قال “فلان” كتب فلان.
هذا الكلام دائماً ما يكتبه هو ويحاول إظهار نفسه بأنه العرَّافة البلغارية (بابا فانغا!). مريض بحب الـ”أنا”، مريض بقول أنا قلت. لقد تمادى صاحب القلم الأسود كثيراً في إتهام المثقفين الشيعة بالغباء وكأنهم المبصرون العميان، وهو بابا فانغا المبصر!. كتب واتهم واستصغر القوم على حجمه، واستغل خطابات القادة وجعلها عباءته لينفذ من خلالها إلى عقول الناس، بأن قصده شريف ويريد الإصلاح بأمة جدهم، مع العلم أنه ليس منهم. وهنا لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها هذا ليس ناقدًا، بل متسلّق وعي. وليس مفكّرًا، بل سمسار مواقف.
ليس محبًّا للمقاومة، بل مستهلك شعارات تربّى سياسيًا في حضن الكتائب والقوات، ثم قرّر أن يعمّد ماضيه بخطاب لا يشبهه.
هو يكتب ليصادر العقول، لا ليخاطبها.
يهاجم المثقفين لأنهم يفضحون خواءه. يتطاول لأن التواضع يعرّي تاريخه. ويصرخ “أنا” لأن الجماعة لم تعترف به يومًا. المقاومة، يا هذا، ليست منشورًا، وليست مساحة استعراض، وليست دفتر تنبؤات،
وليست عباءة تُستعار عند الحاجة.
المقاومة أخلاق، وانتماء، وصبر، وتضحية، ومن لم يتربَّ عليها، لن يفهمها ولو حفظ خطاباتها عن ظهر قلب. أما الذين يرون أنفسهم أوصياء على الوعي، فغالبًا ما يكونون أول من خان الوعي يوم احتاج موقفًا لا مقالًا.
هذه ليست قسوة في اللغة، هذه حقيقة بلا مسكّنات. وهنا بيت القصيد
أن هذا النموذج من الكُتّاب ليس جديداً على تاريخ الصراعات الفكرية، هو نتاج بيئة سياسية صهيونية ربّته على الفردية، وعلى صناعة “البطل الورقي”، وعلى تحويل القلم إلى مرآة يرى فيها نفسه فقط. هو يدّعي حب المقاومة لأنه يعرف أن هذا العنوان هو الأكثر رواجاً، لكنه في العمق لم يتشرّب يوماً ثقافتها ولا أخلاقياتها، لا يفهم المقاومة إلا بوصفها سلّماً للصعود الشخصي، لا مشروع تضحية جماعية.
هو لا يكتب ليُنير، بل ليقول كنت هنا.
لا ينتقد ليُصلح، بل ليُصنِّف نفسه فوق الآخرين. ولا يحذّر بدافع المسؤولية، بل بدافع تسجيل النقاط، وكأن التاريخ دفتر علامات، والمقاومة مادة امتحان.
الأخطر في هذا النوع من الخطاب ليس نرجسيته الفاقعة فحسب، بل محاولته الدائمة تسفيه العقول، وشيطنة المثقفين، واحتكار الوعي، وكأن الذاكرة الشعبية عاجزة، وكأن جمهور المقاومة قاصر يحتاج إلى وصيٍّ متعالٍ يشرح له ما يفهمه instinctively منذ عقود.
المقاومة لا تحتاج إلى “بابا فانغا”،
ولا إلى عرّاف سياسي، ولا إلى كاتب يلبس عباءة القادة ليُخفي عُري ماضيه.
المقاومة تُقاس بالموقف عند الخطر،
وبالانتماء ساعة الخسارة،
وبالصمت الشريف حين يكون الصمت حكمة، لا بالضجيج، ولا بتضخيم الـ“أنا”، ولا بالعيش الدائم على هامش الآخرين. ومن لا يرى في المقاومة إلا مرآة لذاته،
فلن يرى فيها يوماً وطناً.














Discussion about this post