*بقلم / عفاف محمد*
كنا نسمع أصواتاً خافتة تتحدث عن قتل حجاج يمنيين في وقت مضى لكن لم نكن نعرف التفاصيل.
ومن بعد العدوان تكرر إسم *مجزرة تنومة* على مسامعنا وتقاطرت بعض الأحداث؛ ودفعني الفضول لأن ابحث عنها. وحصلت على مادة حديثة جاهزة دسمة مليئة بالحقائق. فكان لي الشرف أن وصلني كنز ثمين للباحث والكاتب أ/حمود عبدالله الأهنومي. درة ثمينة وهي كتاب بعنوان *مجزرة الحجاج الكبرى*. مذبحة حجاج اليمن في تنومة وسدوان على يد عصابات ابن سعود عام 1923م. وقد وصل هذا الكتاب المليء بالفائدة والمعرفة في زمن كشف الحقائق والذي يعد إرثاً فكرياً انتجه الباحث واجتهد في جمع معلوماته القيمة والمنطقية والمدعمة بالوثائق غير المكذوبة.
وهذا العمل القيّم جاء في وقت طغى فيه الحق على الباطل. بعد ان كان الحق غارقاً وغائباً عن الواجهة اليمنية لتاريخ آل سعود الذين تلبسوا بعبائة الدين، وزيفوا تاريخهم الهش والرخيص وطلوه بالذهب.. وكما ذكر المؤلف *مجزرة تنومة* لم تكن سوى جرس مبكر للمدرسة النجدية الشيطانية.
وقد مر علينا وقت ليس بالبعيد؛ لم يجرؤ أحد على ذكر مساوئ وفضائح مملكة بني سعود إلا ما ندر من الثائرين ضد ظلمهم وبشاعتهم واستبدادهم. حيث كان يُقمع كل من تجرأ على كشف فضائحهم والتي انقشع عنها الستار بفضل الله ومن ثم المسيرة القرآنية الشريفة. ولعل حادثة “الفنانة ذكرى التونسية” هي أقرب دليل في وقتنا المعاصر. حيث تم اغتيالها على خلفية أغنية انتجتها تتحدث فيها عن منع بني سعود الناس من حج بيت الله الحرام.
وما اشبه اليلة بالبارحة وكما ذكر الكاتب الجليل في صفحته” 28 ” ستستمر هذه المملكة في المضي في طريقها الشيطاني في الصد عن الحج، وتسييس الحرمين الشريفين، وتوظيف قداسته في الترويج للمشروع التمزيقي التدميري للأمة؛ الذي يتفق والمشروع الأمريصهيوني في المنطقة لإفراغ الحج من جوهره. ولكن عقاب الله آت لا محالة؛ قال جلّ شأنه *{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج-25)*
وتبين من خلال الكتاب إن تلك المجزرة البشعة أثبتت أن حقدهم على اليمن كان قديماً. ووحشيتهم وفظاعتهم التي عهدناها منذ أربعة أعوام ونيف كانت على نسق المجزرة ذاتها التي ارتكبوها عام 1923؛ وهو تاريخ وقوع المجزرة البشعة لحجاج البيت الحرام!!
وما أبشع أن يُغدر بضيوف الله وفي ساحة بلاد الحرمين الشريفين!!
والمتابع لتفاصيل المجزرة من خلال الكتاب، وتلك الحقائق المدونة من قبل الكاتب. والمفصلة بدقة يجد أن التاريخ يكرر نفسه. فيطل الوجه القبيح لملوك الشر من جديد في التاريخ اليمني. فالوقائع التي تحدث عنها الكاتب لم تخالف ما نعاصره اليوم من عدوان ممنهج خبيث .
ونجد ان الكاتب صاغ لنا هذا الإرث الفكري الذي عجز غيره عن لملمة شتاته؛ ليكون لنا مادة فكرية سليمة متكاملة الأجزاء وأظهر لنا معالم جريمة تاريخية لا تغتفر، ولا تموت مع التقادم. وعمد لإخفائها كل خائن وذليل. وفي حقيقة الأمر هي قضية ثأر تاريخية، ومن العار السكوت عنها.
ومن خلال هذا الكتاب القيم اتضحت معالم القضية. بل انها بانت لمن كان يجهلها. حيث وهي مغيبة تماماً عن الذاكرة اليمنية. ولا يعرف عنها هذا الجيل إلا من بعد العدوان؛ وتحديداً بعد إصدار هذا الكتاب والفيلم الوثائقي الذي كان ثمرة جهود هذا الباحث والكاتب القدير .
وقد بدأ هذا المؤرخ والباحث الأهنومي كتابه بفصله الأول والذي هو بعنوان (الاوضاع السياسية في اليمن ونجد والحجاز قبل المجرزة ) بشرح مفصل وسلس. ومن ثم فصله الثاني بعنوان
(مجزرة تنومة.. الزمان والمكان والأسباب )، والفصل الثالث عنونه ب (وقائع المجزرة )، والرابع (مواقف مختلفة من المجزرة )، والخامس (الشهداء والناجون )، والسادس (النتائج والآثار والتطورات المترتبة على المجزرة ) والسابع (الأدب اليمني للمجزرة )
وقد جمع الباحث بحثه؛ والذي استمده من المنهج التاريخي الوصفي القائم على جمع المعلومات وتفكيكها، وتصنيفها وتحليلهاوكشف ملابساتها، وعرض نتائجها الموضوعية.
وبالرغم من شحة وندرة المصادر حيث عملت مملكة قرن الشيطان على تزييف الحقائق وبث الروايات النجدية الكاذبة فيما يتعلق بالمجزرة. فكما ذكر الباحث ان اليد النجدية عبثت بالمصادر واستولت على الوثائق الرسمية. وبالتالي تم إهمال توثيق الروايات والشهادات الشفوية من شهود العيان الذين نجوا من المجزرة. وقد تم خنق الاصوات المتمردة.
وكما ذكر الباحث في سطوره انه وجد معلومات قيمة ولعل أبرزها مخطوطاً مكون من ورقتين. ورقتين ورد في مجموع أشعار ورسائل السيد العلامة يحيى بن علي الذاري عثر عليه في دار المخطوطات حيث وعثر فيه على معلومات قيمة منها أرقام محددة للشهداء والناجين وقيمة منهوباتهم.
وكما ذكرت أسطر الكتاب بشاعة مرتكبي الجريمة والذين لا تختلف اساليبهم عن اساليب القاعدة وداعش وبيّن البحث أن جذور القاعدة وداعش كانت متصلة بالوهابية؛ بل أنها منبع فكرهم الأساسي. وأفاد الباحث أن البدو النجديين اعتنقوا الوهابية عن طريق الوعظ الديني وبمساعدة إبن سعود المادية. فتركوا حياتهم البدوية وعاشوا في هجر بناها ابن سعود لهم وتجمعت مجاميعهم في تجمعات سكنية سميت ب “الهجر ” وبلغ عددهم حدا كبيرا واهم تلك الهجر هجرة الأرطاوية وهجرة الغطغط والتي وصل تعدادها عام 1912م حوالي “12000 “نسمة ..!! وقد عرفوا بالتوحش والفظاعة فلا خلق لهم ولا ناموس ولا ميثاق. يعملون على الإبادة الجماعية دون شفقة أو رحمة. يعمدون في منهجهم الوحشية والبشاعة كما
يفعلون اليوم في مجازرهم العدوانية بصواريخهم الفتاكة والتي تقتل بوحشية دون مراعاة لقوانين سماوية او إنسانية أو أية قيّم أو ثوابت نص عليها ديننا الحنيف.
وقد ذكر المؤلف بشكل منظم كيف كانت نشأة الفكر الوهابي. وكما عهدناهم، فإنهم يبثون سموم افكارهم العدوانية والهدامة كما تبين من أساليب بني سعود وجماعتهم التكفيرية والتي لا تتسم بالخصال الحميدة ولا باللين والرفق تجاه بني البشر.
وتبين من خلال بحث الباحث أن هجر التكفريين وبالأخص هجرة الغطغط هي التي تورط اتباعها في قتل حجاج تنومة وسدوان
حيث ويوم ظهر الأحد 17 ذي القعدة الموافق 1 يوليو 1923. حيث نزل الحجاج على ثلاث فرق الأولى في تنومة، والثانية والثالثة في سدوان. وتم الانقضاض على الحجاج بوحشية غير معهودة رموهم بوابل من الرصاص في رؤوسهم وتم ذبح 900 منهم بالسكاكيين بما فيهم النساء والأطفال!! ولم ينجو منهم الا من تظاهر بالموت ،وكان عدد الشهداء اكثر من 3000 شهيد ولم ينجو منهم سوى 500 حاج كما تقول المصادر. 150منهم صمموا مع أمير الحج على مواصلة السفر بالرغم من فظاعة ماحدث لهم لكن روحهم المتعلقة ببيت الله كانت أقوى من كيد آل سعود، وواصلوا سفرهم عبر طريق تهامة.
وهذا هو التاريخ الأسود لمملكة قرن الشيطان التي تدعي اليوم أنها حمامة سلام وهي في حقيقة الأمر شيطان متمرد خبيث مرتبط باليهود ومشاريعهم الإستعمارية.
كانت وستظل *مجزرة تنومة* نقطة سوداء لا تنمحي من تاريخ مملكة الشر. وهي في قائمة جرائمهم الشنيعة التي تبين حقيقتهم وان شاء الله مملكتهم إلى زوال. والتاريخ لن يرحم زلاتهم وسيكون لأهل اليمن دور كبير في هلاكهم بأذن واحد احد.
*ملاحظة.* إعملوا على توعية الناس وعرفوهم كيف كانت *مجزرة تنومة* وكما وصفتها جريدة القبلة المكية آنذاك بأنها “الفاجعة الفظيعة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ “.
Discussion about this post