ناصر كنعاني-المتحدث باسم وزارة الخارجية–
مضى أكثر من خمسة أشهر على جرائم التطهير العرقي والإبادة المستمرة بحق النساء والأطفال والمدنيين المحاصرين في قطاع غزة، وسط دهشة العالم وحالة من الذهول و عدم التصديق. وكأن المحافل الدولية والمسؤولة عن الأمن العالمي وحقوق الإنسان قد غلبت أمام أسياد الظلم والاحتيال والقمع، وكأن حياة الناس الذين ذبحوا وقتلوا وتركوا تحت الأنقاض الثقيلة، لم تعد سوى أرقام تحسب يوميا!
إن ما حدث في غزة خلال الأشهر الخمسة الماضية ما هو إلا صورة واضحة، لكنها مؤلمة، عن الحرب غير المتكافئة بين كيان “الرذيلة والوحشية” ومحور “الشرف والمطالب بالحقوق”.
ومن المؤسف أن هذه المآسي المريرة حدثت واستمرت خلال الـ 155 يوما الماضية، في حين كانت المنظمات والمؤسسات الدولية المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، ومؤسسات حقوق الإنسان بانتشارها وكثرتها، شاهدة ورقيبة على كل هذه الجرائم والمجازر، ولكنها لم تتخذ أدنى إجراء لإيجاد “الردع” ضد هذا الحجم من الوحشية والخروج على القانون -بكل ما للكلمة من معنى- في عصر يتم الادعاء فيه أنه عصر سيادة القانون والقانون الدولي.
كما أن الحكومات التي تتشدّق بحقوق الإنسان، والتي لاتكف شعاراتها الواهية للمطالبة بحقوق الإنسان عن تلويث مسامع الناس يومياً، لم تتجنب مواجهة هذا الحد من حقد وشراسة الصهاينة فحسب، بل أنها قامت بدعمهم أيضاً.
وإن عالم الألفية الثالثة، الذي يطغى عليه شعار الإنسانية وحقوق الإنسان، يشهد منذ 155 يوما مذبحة بحق النساء والأطفال والمدنيين في أكبر سجن مفتوح في العالم -غزة-.
إن الرأي العام العالمي يتألم ويغضب من غياب الإرادة الدولية أمام هذا الكيان الوحشي المتعطش للدماء والذي لم ولا يلتزم بأي من القواعد والقوانين التي تحكم الحروب.
والسؤال هنا هو إلى متى يريد العالم أن يكون شيطاناً أخرساً صامتاً على سحق الصهاينة للإنسانية والذين يتهكمون علناً بالمعايير والقواعد الدولية والقيم الإنسانية العالمية؟!
وعلى مدى 155 يوما من جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية في غزة، شهدنا أدنى استخدام للقدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية من قبل الدول الإسلامية ضد كارثة القرن هذه التي استباحت الإنسانية.
وقد كان من الممكن للدول الإسلامية ذات التعداد السكاني الكبير المتمسكة امام القيم الإسلامية و الإنسانية، من خلال الموهبة الالهية التي تتمتع بها وهي السيطرة على احتياطيات الطاقة الضخمة والاستراتيجية، والهيمنة الجغرافية الواسعة في مجال النقل والاتصالات الثلاثية (الجوية والبحرية والبرية) وعشرات الإمكانات و المزايا الفعلية، تحميل الكيان الصهيوني ثمناً باهظاً ردا على سلوكه المناهض للإنسانية وأن تصل به إلى حد الردع الفعال.
وإن العالم بأسره، سواء باعتباره وحدات سياسية أو حتى خارج التصنيفات الدولية، باعتبارها “إنسانا” مسؤولة عما حدث في هذه الأشهر الخمسة في غزة وما سيحدث في المستقبل، أولا أمام ضمائرهم ثم أمام الرأي العام والتاريخ والأهم من ذلك أمام الله سبحانه وتعالى.
إن كل خطاب وكل موقف وقرار سياسي ودعم وتعاون اقتصادي وما إلى ذلك، يزيد من دوافع الكيان الصهيوني لمواصلة الحرب على غزة ومعاناة شعبها المظلوم، هو بمثابة المشاركة مع جرائم الصهاينة، و كل خطوة – ولو صغيرة – من شأنها أن تقلل من حجم معاناة ودموع النساء والأطفال والشيوخ المحاصرين بالقصف من جهة والمجاعة المفروضة من جهة أخرى، تعني التمسك بالشرف والقيم الإنسانية والثبات عليها والمشاركة البناءة في احقاق الأمن والسلام العالمي ومواجهة الظلم وعدم العدالة.
وعلى الجميع، سواء أولئك الذين وقفوا بصف المقاومة دفاعاً عن أهل غزة، أو أولئك الذين فضلوا الصمت والمنافع الشخصية على القيم الإنسانية، أو أولئك الذين يدعمون الكيان الصهيوني الغاشم، أن يعرفوا أن غزة وبالرغم من جرحها وانتظار أطفالها الموت جوعاً، إلا أنها تقف قوية ومرفوعة الرأس ولن تفقد الأمل في غد مشرق ينبع من صبرها ومقاومتها الأسطورية.
ففلسطين البطلة بنسائها اللواتي أحرق قلوبهن فقدان أعزائهن، ولكن عيونهن تلمع بالكبرياء وكراهية العدو في قلوبهن؛ ورجالها الذين يخجلون من جوع أطفالهم، ولكنهم يقفون بفخر في وجه العدو حتى يتمكنوا من رسم غد مشرق وحياة كريمة لأطفالهم ولجميع أطفال فلسطين.
فبغصة عميقة لفقدان 31 ألف شهيد مظلوم خلال 5 أشهر، الذين ستخلد أسماؤهم وذكراهم في قلوب الفلسطينيين وستظل آثار أقدامهم محفورة على تراب قطاع غزة الجريح إلى الأبد، ستواصل فلسطين مسيرتها نحو النصر، الذي هو وعد الله الحق.
ولا شك أن المستقبل لفلسطين وشعبها المظلوم الصامد والمقتدر.
Discussion about this post