حديث الإثنين :
لأول مرة على المستوى العربي.. اليمن يقرن القول بالفعل
احمد ناصر الشريف
صحيفة 26سبتمبر العدد 2335
20 تشرين2/نوفمبر 2023م
مُنذ نشوء الكيان الصهيوني الغاصب على جزء من أرض فلسطين في 15مايو عام 1948م مرت الأمة العربية بفترات مزايدة حول القضية الفلسطينية وصلت ذروتها في فترتي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حيث لم يكن تهديد من كانوا يطلقون على أنفسهم الحكام التقدميين برمي إسرائيل في البحر فحسب وإنما كانوا سبباً مباشراً في عدم السماح للفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة التي كانت أصلا محررة ويطالب بها العرب والفلسطينيون اليوم عن قناعة متنازلين عن المطالبة بالجزء الآخر الذي أقام اليهود عليه كيانهم تنفيذاً لقرار التقسيم الأممي والذي تشكل نسبته 48% من أرض فلسطين، ولم يكتف العرب خلال العقود الماضية سواءً كانوا تقدميين أو رجعيين بمنع الفلسطينيين من بناء دولتهم على أرضهم المحررة التي سُلمت لمصر والأردن لإدارتها وإنما شجعوا سكانها على الهجرة ليشكلوا ما يعُرف اليوم بفلسطينيي الشتات ونتيجة للانقسام بين الحكام العرب التقدميين والرجعيين ومحاربة أنظمتهم بعضها البعض وهي حالة أصبحت متوارثة واستحسنها الحكام ضاعت كل فلسطين عندما استغلت اسرائيل انشغال العرب بأنفسهم ومعاداة بعضهم شنت عليهم حربا خاطفة في 5 يونيو/حزيران عام 1967م واستطاع جيشها خلال ستة أيام أن يدمر قدرات ثلاثة جيوش عربية ويستولي على النصف المحرر من فلسطين ويضيف إليها أراض عربية ما تزال محتلة حتى اليوم بما في ذلك شبه جزيرة سيناء المصرية وإن كانت تحررت شكلياً، لكن مضموناً ما تزال تحت سيادة إسرائيل وهو ما أشرنا إليه في مقال سابق بدليل أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي طالب في كلمته التي ألقاها في القمة العربية- الإسلامية التي عقدت الأسبوع الماضي في الرياض بفتح معبر رفح لدخول المساعدات الغذائية والدوائية إلى قطاع غزة المحاصر صهيونياً وهو معبر مصري يقع في نهاية شبه جزيرة سيناء على حدود قطاع غزة ولو كانت سيناء محررة فعلياً وأصبحت تحت السيادة المصرية لبادر النظام المصري من ذات نفسه بفتح معبر رفح دون عمل أي اعتبار لأي طرف آخر سواءً كان متمثلا بأمريكا أو إسرائيل، وكذلك ما تزال مرتفعات الجولان السورية محتلة من قبل الكيان الصهيوني بالإضافة إلى أراض عربية أخرى أردنية ولبنانية والسبب أن العرب جميعهم رفعوا شعار المزايدة كلاميا ولم يقرنوا القول بالفعل فخسروا كل شيء وفرضت عليهم الذلة والمسكنة نيابة عن اليهود لينطبق عليهم المثل الشائع الضرب في الميت حرام.
ولأن الحكام العرب الذين تلاحقهم عقدة قيام الدولة الفلسطينية وخشيتهم منها أكثر من خشيتهم من الكيان الصهيوني الغاصب فإنهم يتسابقون للتطبيع والتحالف مع هذا الكيان اللقيط ظناً منهم بأنه سيشكل لهم حماية للاحتفاظ بكراسي الحكم فقد سارعوا للتحالف معه وموافقتهم علنا للقضاء على المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس خائفين من انتصارها على العدو الصهيوني بل أن بعضهم وبدون حياء أو خجل قدم دعماً مادياً وعسكرياً وشارك فعلياً بطائراته لقصف النساء والأطفال في غزة كما فعل حاكم الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد وحمل نظامه حركة حماس المسؤولية واصفاً إياها بأنها من أعتدت على إسرائيل لكن يحسب له أنه كان شجاعا في مجاهرته بعمالته وانسلاخه من جلده العربي بعكس الذين يتعاملون سراً فيظهرون غير ما يبطنون كما يفعل الحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان حيث ظاهره مع الفلسطينيين وباطنه وسيفه مع اليهود الصهاينة.
لقد كانت الشعوب العربية التي خرجت إلى الشوارع والميادين تضامناً مع ما يحدث في غزة من إبادة جماعية لم يشهد التاريخ لها مثيلا وبعضها مُنعت من الخروج إلى الشوارع كما هو الحال في السعودية وبعض دول الخليج تعتقد أن جرائم العدو الصهيوني بحق النساء والأطفال وكبار السن وتدمير المساكن فوق رؤوسهم واقتحام المستشفيات والمدارس وقصفها وارتكاب الجرائم داخلها ستجعل الحكام العرب يشعرون بفداحة ما يحدث على الأقل من باب التعاطف الإنساني والأخلاقي واستيقاظ الضمير فيغيرون مواقفهم ويقتدون بموقف محور المقاومة وخاصة في اليمن الذي كسر فيه قائد الثورة الشعبية السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حاجز الخوف أمام الحكام العرب وأمر بإطلاق الصواريخ البالستية والطيران المسير إلى المناطق المحتلة بجنوبي فلسطين ومحاصرة السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر المتجهة إلى إسرائيل، بل وقد تم حجز أول سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر كأقل واجب وموقف مسؤول إلى جانب المقاومة الفلسطينية التي تواجه الجيش الصهيوني للأسبوع السادس على التوالي بمفردها محققة صموداً منقطع النظير لم يسبق لأي جيش عربي أن قام بمثله، بل لم تحقق هذا الصمود البطولي كل الجيوش العربية قاطبة غير مبالِ بالتهديدات التي أرسلتها الإدارة الأمريكية إلى صنعاء عبر وسطاء، مؤكدا لهم أن اليمن وشعبه الحر لا يخضع للتهديدات الأمريكية ولا يتلقى أوامره منها كما هو حال الأنظمة العربية الخانعة وهو موقف عروبي وإسلامي مسؤول أصبح حديث العالم ويفترض أن يكون محفزا للحكام العرب الذين سيطرت عليهم عقدة الخوف ليقفوا إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين في قطاع غزة كون القضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية للأمتين العربية والإسلامية مستفيدين من مواقف دول غير عربية وإسلامية في أمريكا اللاتينية التي سارع حُكامها إلى سحب سفرائهم من تل أبيب وقطع علاقتهم مع إسرائيل تضامناً مع ما يجري في قطاع غزة، لكن مع الأسف الشديد يبدو أن الحكام العرب منتظرين تحقيق الكذبة الإسرائيلية ووعد الجيش الصهيوني لهم بالقضاء على حركة حماس التي سببت لهم صداعاً أصاب رؤوسهم ولن يشفوا منه حسب اعتقادهم إلا بالقضاء نهائيا على المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وهي أمنية بالنسبة للحكام العرب الخانعين لن تتحقق أبداً وستظل عقدة تلاحقهم حتى يتم إسقاطهم من على كراسيهم ويستبدلهم الله بمن فيهم خير لأمتهم وشعوبهم وذلك ليس على الله ببعيد.
Discussion about this post