تأليف أ.د. حسام الدين خلاصي
في أي مشكلة أو مسألة عامة أو خاصة ينحصر ذهن المشخص بداية في الأسباب التي أدت لهذه المشكلة أو المسألة ، لكي يخلص إلى استنتاجات أو حلول أو تشخيص .
وهذا المشخص قد يكون مختصا في الموضوع أو متضررا عاما أو فضوليا أو باحثا اجتماعيا ، وأيا كانت صفته فهو مراقب جيد وباحث عن الحقيقة وساع وراء الفهم والتفهيم حسب موقعه .
وسر النجاح يكمن في تشخيص الأسباب بدقة ومن ثم الانتهاء بورقة عمل توضح الأسباب وتوضح النتائج ومن ثم الحلول .
ولكن :
عندما تختلط الأسباب نتيجة انعدام المسؤوليات وانهزام المسؤولين واختلاط الواجبات يقف المشخص مكتوف اليدين وبحثه تتلاشى نتائجه وتضيع جهوده هباءا منثورا وقد يخلص إلى ورقة عمل تعتبر تحصيل حاصل ومليئة بالأغلاط .
● إن اختلاط الأسباب وتعمد خلطها هو من سمات الحكومات غير الاحترافية فهي ظاهريا تعمل كفريق ولكن ضمنا ترمي كل وزارة فيها بأحمالها على وزارة أخرى فتختلط التبعات ومن أبسط الأمثلة على ذلك ( مد القميص الزفتي لشارع هل يسبق تمديد شبكة الهاتف أم بعد مد القميص الزفتي وكذلك ينطبق ذلك على شبكة الصرف الصحي أو مياه الشرب )!!!! وبالتالي فالمشخص أو المواطن العادي يقف محتارا بين تفسيرات وأسباب مشكلته والتناقض الحاصل أمامه في مشكلة تعتبر صغيرة جدا فما بالكم بمشاكل الموازنة والزراعة والصناعة وغيرها .
● من ظواهر اختلاط الأسباب انفصام واضح للشخصية الإدارية والحكومية بين الخطاب والتنفيذ ، لأن المشخص يندفع وراء فحوى الخطاب وينصدم بواقع التنفيذ مما يجعله يتوقف ويحجم عن تشخيص الأسباب التي أوصلت الأمور إلى ماعليه فمن جهة في الخطاب كل التبريرات والصعوبات والتوقعات ولكن في التنفيذ تختلط الأسباب وتتعدد المبررات فيضيع التشخيص ويتحجم دوره.
● في السياسية الخارجية عادة يخف اختلاط الأسباب الظاهر وذلك لحجم السرية الواسع ولوضوح الخطاب وثباته من كل المشاكل والمسائل التي تتعلق بالبلد أو الوطن وقلما تتبدل هذه الوقائع لذلك المشخص لايبذل جهدا كبيرا للتحليل والاستنتاج بعدها ليصل إلى حلول أو توقعات محتملة .
● أما في السياسة الداخلية فإن اختلاط الأسباب صار أحد الأساليب النافذة للتهرب من المسؤولية فيما لو أراد أحد المشخصين بحث ظاهرة أو مسألة أو مشكلة لحلها وتفسيرها ، فترى الأسباب تقفز من وزارة لوزارة ومن دائرة لدائرة عند التضييق على أحد الوزارات ويبزع التمسك بالعمل كفريق كأحد المهارب ولكن في الواقع يتفق الفريق على شبكة مصالح يمتاز بها العمل الجماعي وهذه الشبكة هي جدار الحماية والتغطية الأول أمام السائلين والمطالبين بمعرفة الأسباب وهذا مثلا يصطدم به بعض البرلمانيون عند سؤال وزير عن الأسباب لأي قانون أو ظاهرة فيكون السبب هو اقتضت المصلحة العامة !!! والمصلحة العامة هذه تعتمد على اختلاط الأسباب .
ولو أنهم يشتغلون على المصلحة الخاصة للوطن لفاز الوطن بصورة أسرع وأقوى .
● وكي لا أطيل فإن سياسة رمي الأحمال توقف نمونا وتطورنا فالحريق في الغابة يشترك في إطفاءه الجميع ولكن اختلاط الأسباب والمسؤوليات جعلنا نسأل من أتى أولا الدجاجة أم البيضة !
● وإن سلامة الوطن جزء كبير منها هو وضوح الأسباب أمام الباحثين عن سلامته.
Discussion about this post