التغيير من أين البداية ؟

التغيير – من أين البداية؟   

      يبدأ التغيير من الذات، والعمل على المحتوى الداخلي؛ فكرا وعاطفة، فما دام هذا المحتوى مشوّشا، لن تنال مساحة السلوك الإنساني أفعالا متّزنة بنّاءة، للارتقاء بواقع الفرد والمجتمع…   

   

حقيقة يؤكّدها علماء النفس في تناولهم لما يطلقون عليه (الاتجاهات)؛ حيث يذهبون إلى أن اعتقادات الفرد وقناعاته، التي تحدّد طبيعة مواقفه واستجاباته لما حوله من ظروف وموضوعات و… إنما تنطلق من ميله وانشداده عاطفيا لفكرة او قناعة، فتكون الأفضل بالنسبة إليه، ويختار ،بالتالي، السلوك المتناغم مع هذه القناعة. 

       ومن الواضح أن ما يميل إليه الإنسان ويرغب به، يتقوّم بركنين أساسيين؛  الأول هو الجانب الإدراكي المعرفي المنطلق من العقل؛ والثاني يتجلى بالجانب العاطفي الانفعالي. إلا أن ما يبعث نحو السلوك والحركة، ويجعل الفكرة موقفا وخيارا إنسانيّا، هو الميل والرغبة؛ أي الجانب العاطفي تحديدا. وبعبارة أخرى يمكن القول: لا تتجسد الفكرة قناعة وسلوكا، إلم ترتبط داخليا بما ينشدّ إليه الإنسان في داخله.

        

       وهذا يعني أن الأفكار التي لا تكتسب حلّة عاطفية، من الصعب جدا ،بل من المستحيل، أن تكون قائدا وموجّها لسلوك الإنسان وأفعاله اختياريّا. وتظهر خطورة هذه المسألة عند من يعاني قصورا ،أو تقصيرا، في المحاكمة العقلية، والتي من شأنها الكشف عن قيمة هذه الفكرة أو تلك، ومدى ارتباطها بمصلحته  ومصيره الواقعيين، لخلق وعي يجذبه إلى تبنّيها وممارستها، لأنه سيسلم تصرفاته وأفعاله إلى أهداف قصيرة، غير ناجزة، غالبا ما تتولّاها غرائزه ونزواته.

       فالسرّ في ابتعاد الكثير من البشر عن الأفعال ذات المصلحة الواقعية ،إذن، يكمن في جهلهم بتلك المصلحة، وسوء عاقبة غيابها. كما أن قيامهم بأفعال مسيئة ومضرّة، واتّباعهم مناهج يعتريها الخلل، يعود ،غالبا، إلى هذا السبب.

      من هنا، تبرز أهميّة التفكير في حياة الإنسان ومسيرته، وتتجلى ضرورة تحرير العقول في عملية التغيير التكاملي للبشر… ومن هنا ندرك حرص المصلحين الحقيقيّن تاريخيّا، وعلى رأسهم الأنبياء عليهم السلام، على تغيير المحتوى الداخلي للإنسان أولا، وقبل أيّ خطوة أخرى، عبر العمل على تحرير العقول، ليكتشف الإنسان ذاته ومكانته ودوره في هذا العالم. ولعلّ في قول الله تعالى {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}، ما يجلّي هذه الحقيقة الإنسانية، ويكشف عن البداية الصحيحة لإحداث التغيير الحضاري في حياة الإنسان.

جمال صالح جزان