ذروا الصحابة، ودعونا نتأمل خطاب الغدير من زاوية أخرى
🖋️/ محمد حسن زيد- ١٤٤٢
هل أراد النبي بخطبة الغدير أن يعين الامام علي خليفة من بعده؟
السؤال حساس يستجر الكثير من النقاش والتجاذبات، لكن اسمحوا لي أن أتجاوزه لأن جوابه في الحقيقة لا يعني جيلنا، بل أجزم أنه يطمس جانبا هاما في الدين ينبغي علينا ان نركز فيه بدلا من الخوض في جدل متكرر لن يؤثر في حياتنا ولن يغير في واقعنا شيئا!
ولذلك سأحاول التركيز على زاوية أخرى لخطبة الغدير تعنينا نحن في هذا الجيل فردا فردا ولا تأثير لها في القضية الحساسة “من كان الأحق بالخلافة بعد النبي؟” ، باعتبار أن خطاب النبي يهمنا نحن مثلما كان يهم الصحابة وأن أية كلمة من خاتم الأنبياء يوجهها للمسلمين فهي موجهة لنا مثلما هي موجهة لهم، فعلينا ان نسمع ما قاله رسول الله ونفهمه ونعمل به طالما كنا صادقين في موالاة النبي وطاعته عملا بأمر الله تعالى لنا في كتابه “وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون”.
خطبة الغدير تواترت روايتها عن رسول الله في كتب المسلمين حتى أصبح ثبوتها من الأمور التي لا سبيل لإنكارها، فبعد حَجّة الوداع (وهي آخر موقف عام يجمع المسلمين قبل فراق قائدهم) دعا خاتمُ الأنبياء وفودَ المسلمين قبل تفرقهم وعودة كل وفد لوطنه للاجتماع في منطقة “غدير خُمّ” ليوجه لهم آخر خطاب عام في مقام الكلمة الوداعية الختامية (قبل ثلاثة اشهر من رحيله عن هذه الدنيا)…
هناك وقف النبي ووجه سؤالا واضحا للمسلمين، “ألست أولى بكم من أنفسكم؟” قالوا “بلى يا رسول الله” فرفع يدَ علي بن أبي طالب وقال “فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله”!
بعد هذا الخطاب الهام لم يلبث النبي إلا قليلا حتى فارق الحياة وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة فأحسن الله إليه وصلى عليه وعلى اله وسلم تسليما كثيرا…
ما يهمني في هذا الخطاب كمؤمن بالنبي وكتابع له هو ما الذي أراده مني أنا بهذا الخطاب الهام والبلاغ العام الذي كان حريصا على إبلاغه للجميع في مشهد عام أمام عشرات الالاف، فنادرا ما ثبت شيء عن النبي بهذا التواتر والغزارة والتظافر وكأنما أراد به ان يُبالغ في قطع حُجة كل معتذر بالجهل وعدم العلم به، فحتما هو خطاب موجه لكل فرد من المسلمين وهو موجه لي مثلما كان موجها لمن لم يحجوا ذلك العام من المسلمين ولم يبلغهم خطاب النبي إلا رواية لا سماعا بشكل مباشر منه، وقد لزمهم البلاغ عبر من حضروا وسمعوا ونقلوا وهم عشرات الالاف من مختلف البلدان والأصقاع حسبما تحكيه الروايات المتعاضدة وتبينه الكتب المتخصصة، ولذلك كله لا أرى المسألة الا وكأنه صلوات ربي عليه وعلى آله يخاطبني أنا كما يخاطب غيري من المهتمين بكلامه عبر حجب الغيب قائلا لي “يا فلان يا بن فلان، ألستُ أولى بك من نفسك؟ ” فسأقول له صلوات ربي عليه “بلى يا سيدي يا رسول الله” فسيقول لي صلوات الله عليه وهو يرفع يد علي بن أبي طالب “فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله”
وما حال قلب الصبّ يشتاقُ آيسا
وإذ بحبيب العُمر سعيا يُخاطبُه
لا يمكن وصف ما اختلجني من شعور لمجرد استحضار ان ذلك الكلام صادر من خاتم الأنبياء وإمام المرسلين لي،
صلوات الله عليك وسلامه أيها النبي الكريم وعلى الك الطيبين الطاهرين.
كيف لي بعد هذا الخطاب الواضح البين ان أوالي من عادى علي بن أبي طالب ولو بشطر كلمة؟
كيف لي أن أتغاضى عمن رفع عليه السيف وعانده وخذله؟
بأي وجه سأترضى عمن سبه على منابر صلاة الجمعة عقودا من الزمن؟
كيف لي أن أعتمد في أخذ ديني على منظومة فكرية قامت على عداء علي بن أبي طالب وحرصت على مخالفته في الشعائر والمظاهر ليتميز أتباعه ويُضطهدوا حتى قال القائل من شدة التعبئة والتحريض “عقوني أهلي فسموني عليا” كما جاء في الشاهد النحوي المعروف؟
وفي الختام لا بد من الإشارة لبعض المعطيات المحيطة بخطاب الغدير والتي قد تعيننا لاستيعاب أهميته بصورة أفضل:
١- قطع المسلمون مسافة لا بأس بها للوصول الى نقطة الاجتماع “غدير خُمّ” في حر الصحراء اللاهب بما يؤكد ان هذا الاجتماع كان مقصودا ولم يكن حدثا عابرا دون دلالة
٢- كان هذا الخطاب قبل وفاة النبي بثلاثة أشهر فقط علما انه صلوات الله عليه قد أعلن في حجة الوداع ان لن يلقى الناس بعد العام التالي، فكان خطاب الغدير في مقام آخر وصايا النبي في اجتماع عام.
٣- يروي الرواة ان هذا الخطاب جاء تنفيذا لأمر الله تعالى “يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس”
٤- يروي الرواة ان بعد هذا الخطاب نزل قوله تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي”
هذا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أله الطاهرين
Discussion about this post