بقلم أحمد رفعت يوسف
أصبحت إيران تشكل صداعاً حقيقياً ومزمناً للكيا ن الصهيوني، والمشكلة الأكبر التي يعاني منها المسؤولون السياسيين والعسكريون الإسرائيليون، إدراكهم أن هذا الصداع لا شفاء منه وهو يتفاقم.
في كل يوم يخرج مصدر سياسي أو عسكري إسرائيلي يتحدث عن الخطر الإيرا.ني ويهدد، ليخرج مصدر آخر ويتحدث عن خطط عسكرية وسياسية ومناورات لمواجهة إيرا.ن، لكن دائما يليهم آخرون يحذرونهم من الوقوع في الخطأ القاتل، وبأن إسر.ائ.يل عاجزة عن فعل إي شيء حقيقي، وفي حال غامرت الرؤوس الحامية فقد يكون الخطأ القاتل وربما الأخير.
وسائل الإعلام الإسر.ائي.لية باتت هذه الفترة تمتلئ بالحديث عن هذا الصداع، سواء بالتحليلات، أو بما تنقله عن مصادر سياسية وعسكرية، أو على لسان مسؤولين حاليين وسابقين.
رئيس مجلس الأمن القومي الاسرا.ئي.لي الأسبق، غيورا ايلاند، لخص هذه الحالة بقوله “إن إيرا.ن أصبحت في العقد الأخير، بؤرة لنحو 80 في المئة من مشاكل إسرا.ئي.ل الأمنية”.
فالمسؤولون الإسر.ائي.ليون ووسائل إعلامهم يتحدثون يومياً عن نجاحات إيران في تعزيز مواقعها الجيوسسياسي في المنطقة، وفي المنظومة الإقليمية والعالمية التي تتشكل، وعن نجاحها في إدارة المفاوضات حول ملفها النووي، والجدل الذي يدور حول العودة إلى هذه المفاوضات المتوقفة، ورفض إيرا.ن العوة إليها إلا بشروطها، لكن الأهم أن الكل في إسرائيل مشغولة بالحديث عن فشلها بوقف التقدم الإيرا.ني.
فالمحلل يوني بن مناحيم، كتب في موقع نيوز ون العبري “إن إسرائيل تواجه صعوبة في محاولاتها لوقف البرنامج النو.وي الإيراني وأن إيران تقترب من أن تصبح دولة عتبة نووية”.
ونقل المحلل عن مصادر في الجيش الإسرائيلي، قولها “إن الكشف عن تعليمات أصدرها رئيس الأركان أفيف كوخافي، لسلاح الجو بالاستعداد لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، أضر بشدة باستعداد الجيش الإسرائيلي للهجوم”.
كما نقل المحلل عن مصادر سياسية قولها “إن التزام إسرائيل للجانب الأمريكي بعدم العمل من جانب واحد، وعدم مفاجأة واشنطن، يعني أنها ستخرج خاسرة من جميع الاتجاهات، في حين ستتمكن إيران من فرض حقائق خطيرة على الأرض، ولن تكون إسرائيل قادرة على التصرف”.
أما تال ليف رام المحلل العسكري، في صحيفة معاريف فقد تحدث عن رصد المخابرات الإسرائيلية شحنات إيرا.نية تضم أنظمة صواريخ أرض – جو متطورة إلى الدول المجاورة، بما في ذلك العراق وسورية ولبنان، بهدف إحباط وتعطيل عمليات طائرات سلاح الجو في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
كما كتب ليلاخ شوفال المحلل في صحيفة “يسرائيل هيوم” إنه بينما يسرّع النظام في طهر.ان خطواته نحو القدرة النووية، لا تزال الخطط التشغيلية للجيش الإسرائيلي والقوات الجوية، بعيدة عن النضج.
الصداع الإسرائيلي لم يتوقف عند القلق من انعدام القدرة على المبادرة مع إيران، وإنما أيضا من تغير قواعد الاشتباك، خاصة بعد قصف قاعدة التنف الأمريكية، وانتظار الإسرائيليين لضربات من هذا النوع، في حال كررت إسر.ائي.ل اعتداءاتها على أي موقع سوري، وهو ما عبرت عنه مصادر إسرائيلية نقلت عنها صحيفة يسر.ائيل هيوم تأكيدها بأن “المؤسسة الأمنية تأخذ بجدية كبيرة أن تحاول سورية أو إيرا.ن الرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير في سورية”.
أما القناة 13 فقد قالت “إن سلاح الجو الاسرائيلي، كثّف استعداداته للدفاع ضد الهجمات التي تشنها طائرات إيرانية بدون طيار، ويتزود بالرادارات على الحدود السورية اللبنانية استعداد لهجمات ايرا.نية كما حصل في السعودية”.
هذه الجدل والتخبط في المؤسستين السياسية والعسكرية وفي وسائل الإعلام حسمه قول عاموس جلعاد، الرئيس السابق للهيئة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية، الذي أكد “أن استراتيجية إلغاء الاتفاق النووي، فشلت، وتتطلب إعادة تفكير”.
وأكد هذه النتيجة الباحث والمحاضر في العلوم السياسية، العقيد احتياط، رونان إيتسيك، بقوله “إن مهاجمة المنشآت النو.وية الإيرا.نية سقطت من جدول الأعمال، وليس هناك فرصة حقيقية لتحقيق الهجوم”.
ومع هذا الفشل الإسرائيلي الذريع سواء بإمكانية القيام بأي عدوان على إيران، أو بالتخوف من عمليات إيرا.نية ضد مواقع إسرائيلية، يحاول الإسرائيليون البحث عن الحلول والبدائل مثل دفع الأمريكيين للقيام بعمل ما ضد إيران، أو لزيادة الضغوط عليها، أو حتى اللجوء إلى روسيا لعمل شيء ما.
فقد نقل موقع مونيتور عن مصادر اسرائيلية، قولها “أن مسؤولين إسرائيليين، على رأسهم وزير الحرب بيني غانتس، اقترحوا على المسؤولين الأميركيين سلسلة إجراءات، مثل يادة الضغط على إيران، وإجراء مناورات عسكرية عملاقة في الخليج العربي أو في دولة مجاورة، وتحريك حاملة طائرات أو اثنتين، أو تسريب معلومات عن نجاح قنبلة في تفجير مخابئ محصّنة.
لكن الموقع ينقل عن مصادر سياسية، تأكيدها “إنه بالرغم من الأجواء العلنية الحميمية التي حاولت إسرائيل والولايات المتحدة بثّها بعد المباحثات التي أجراها مستشار الأمن القومي، إيال حولاتا، مع نظيره الأميركي، جاك سيلوفان، حول الاتفاق النووي الإيراني، إلا أن ما جرى في الاجتماعات المغلقة، هو العكس تماما”.
كما أدى هذا العجز الإسرائيلي إلى محاولة البحث عن حلول أخرى وهو ما كشفت عنه صحيفة هآرتس التي قالت “إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تبنت عقيدة جديدة تجاه إيران، أساسها التركيز على الشعب الإيراني، أو الجمهور المدني المتعلم، باعتبار هذه الفئة هي الخاصرة الرخوة، والهدف من التركيز عليها هو دفعها إلى الضغط على النظام”.
من هذه الزاوية يمكن النظر إلى الهجوم السايبراني الأخير على محطات الوقود الإيرانية.
ومع غياب أي تأكد أو تبني إسرائيلي للهجوم إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تكفلت بالأمر بكل وضوح وهو ما أكده يوسي يهوشواع، المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت حيث قال “إنه حتى لو لم تكون إسرائيل هي المسؤولة عن الهجوم السايبراني على محطات الوقود الايرانية، إلاّ أن ذلك يتلاءم مع العقيدة الجديدة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية” وأضاف “أن هدف العملية كان دفع الإيرانيين إلى إعلان استيائهم من النظام”.
ومع هذا الخيار الذي يبدو هزيلاً بعد الإقرار بالفشل أمام إيران من المناسب السؤال، هل فكر قادة الكيان الصه.يو ني بإمكانية الرد الإيرا.ني على مثل هذه الهجمات السيبرانية، وهم الذين أثبتوا براعة في الحرب الالكترونية، والتي مكنتهم من إنزال أكثر الطائر.ات الأمريكية بدون طيار تطوراً سالمة بعد فصلها عن قاعدتها الأم والسيطرة عليها وإنزالها.
وهل فكروا كيف أن المسيرات الإيرا.نية تصل إلى قرب حاملات الطائرات الأمريكية وقطع الأسطول الحر.بي الأمريكي في الخليج وتصويرها، بدون أن تتمكن وسائل الرصد والتشويش الأمريكية رصدها وكشفها؟. وأيضا كيف تصل المسيرات الإيرانية الأماكن التي تريد قصفها كما حصل في قاعدة التنف بدون أن تتمكن القوات الأمريكية من رصدها أو التعامل معها؟.
أسئلة يمكن الجزم بأننا سنرى الإجالة عليها من المصادر السياسية والعسكرية الإسرائيلية أو من خلال وسائل إعلامها عندما سنرى الرد الإيراني على مثل هذه الهجمات.
بالتأكيد من السهل بعد هذا الاستعراض للتخبط الإسرائيلي، ورصد حجم الصداع الذي يضرب رؤوس القادة السياسيين والعسكريين في الكيا.ن الصه.يو.ني، وتأكيدهم بشكل مباشر أو عبر مصادر سياسة وعسكرية تنقلها وسال الإعلام، الاستنتاج بأن هؤلاء القادة يقرون بعجزهم عن فعل أي شيء ضد إيرا.ن، سواء بوقف برنامجها النووي أو بمنع ترسيخ إيرا.ن لموقعها الجيوسياسي في المنطقة والعالم، وبأن الصداع الإيرا.ني الذي يضرب رؤوس قادة إسرا.ئي.ل سيتفاقم حتى الوصول إلى النتيجة الحتمية، وهي أن حلف المقا و.مة سيتمكن من اقتلاع هذه الغدة السرطانية في المنطقة بشكل نهائي.
Discussion about this post