– أكثر من 80 دقيقة والسيد القائد عبدالملك الحوثي سلام الله عليه يتكلم عن سورة العصر التي تعتبر من قصار السور في القرآن بعدد آياتها الثلاث وذلك في محاضرتين ، حيث أعطانا مؤشر هام وعظيم على ان صغار السور هي إختصارا لكبار السور كمنهجية وتوجيه وعمل وهدف ونتائج ، فسورة العصر مثلا منهجية للخسارة وللنجاح ، وللفشل وللفلاح ، منهجية للعمل في الدنيا للفوز او للخسارة في الآخرة فهل أدركتم ما عناه الرسول بقوله (وعترتي أهل بيتي) !!
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
كثير وكثير من الأطروحات التي تتحدث عن جانبي الحق والصبر بتلك العبارات لفلاسفة ومثقفين ومفكرين وتكون ذات معاني قوية وسوية وسليمة ومن واقع مجرب لبعضهم عوضا عما جاءنا من عند الله في القرآن الكريم والتي هي أشمل وأعم وأوسع وأسلم وأقوم غير أن القلة القليلة جدا جدا جدا هم الذين يستفيدون منها ويترجمونها إلى أفعال تصقل ممارساتهم اليومية وتوجهاتهم الحياتية العامة ، أما البقية فهم يوافقون الطرح بأفواههم وأيضا يقتنعون به بعقولهم وبفطرتهم غير انها تبقى حبيسة تلك المناطق ولا تجد لها أي محلا في ممارساتهم وسلوكياتهم على الإطلاق ، عوضا عن عملية التواصي به بينهم البين ، وهذا ما أكدت عليه محاضرتان رمضانيتان للسيد القائد في ظل حديثه عن سورة العصر والتي كان نعم الثقل القرين للثقل الآخر القرآن الكريم الذين إن تمسكنا بهما لن نضل إطلاقا فهما مقترنان لن يفترقا حتى يصلا مجتمعين إلى حوض النبي في ساحة المحشر .
أقسم الله بالعصر فقال (والعصر) ، ولنا أن نقف كثيرا جدا عند كلمة (الله) نعم قفوا عندها وتعمقوا فيها فهو الخالق المالك الجبار المتكبر العزيز الذي بيده الجنة والنار في الآخرة وبيده السعادة والشقاء في الدنيا ، نعم هو الذي أقسم فهل أدركت حواسكم وجوارحكم وقلوبكم ونفوسكم وأرواحكم وأجسادكم أن الذي أقسم (هو الله) لكي تنتبهوا من غفلتكم لسبب القسم وما بعد القسم ليكون لنا منهجية حياتية وسنة من سنن الله لا تتبدل على الإطلاق ، فإن كان القول لا يبدل لدى الله (لا يبدل القول لدي) فكيف عندما يكون هذا القول قسما !!!
كان جواب القسم أن الإنسان لفي خسر ، خاسر خاسر خاسر ، خاسر في حياته الدنيا وخاسر في حياته الأخرى ، أي ان منهجية وسنة (إن الإنسان لفي خسر) ثابتة بيقين مؤكد لا مجال لأدنى تأويل او تحريف او تخمين ربما يعني هؤلاء او من سبق او من سيأتي ، ربما الكفار واليهود والملحدين والنصارى بس ربما ربما ، لا مجال ل (ربما) هنا فالله قال (الإنسان) ولم يقل (الذين هادوا والنصارى والصابئين والمشركين) مثلا بل قال (الإنسان) أي كل إنسان خاسر مهما كانت جنسيته أو منهجيته أو فكره او ثقافته أو أو أو هو خاسر حتى لو كان مؤمنا من الأمة الإسلامية ، (إلا) !!
(إلا) إستثنت رحمة الله ولطفة ورأفته شريحة قليلة من الناس أجمع ، ودلالة القلة هذه أن الله بدأ بالعمومية الكثرة الشمولية ثم جاء بالإستثناء والذي يأتي جزء من كل أو كما يطلق عليه علماء اللغة العربية (بعض من كل) والبعضية هنا تكون قليلة جدا جدا ، فقال (إلا) أي أن الله لم يغلق الأبوب جميعها على الناس بل أغلق كل الأبواب التي تؤدي للخسران أمام وجوههم وأبقى بابا واحدا لفلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة بقوله (إلا) وهذه من نفحات الرحمن الرحيم وجانب من جوانب يسره وتيسيره لنا ، فهي نعمة عظيمة ان نعطى رؤية كاملة بالطرق المغلقة التي لا يجب ان ندخل منها والطريق المستقيم الذي يجب ان نمضي فيه ، لذا جاء التوضيح الرباني بقوله (إلا) ، فيا ترى ما هي الأستثناءات هذه التي تضمن للإنسان عدم الخسران في الدنيا والآخرة ويكون ناجيا سعيدا منتصرا في الدنيا والآخرة من القلة القليلة التي سيورثهم الله جنة عرضها السماوات والأرض !
هي أربعة أمور بسيطة سهلة ليست معقدة ولا صعبة ولا مستحيلة ، هي أربعة امور تجعل الإنسان سعيدا فالحا في الدنيا والآخرة لا يشقى ولا يضنك ولا يخسر ، هي اربعة امور حتى لو لم يكن هناك جزاء الجنة فهي في أصلها ذات فوائد حياتية عظيمة تتناسب مع فطرة الإنسان السوية السليمة التي خلق عليها ، هذه الإستثناءات هي (الإيمان – العمل الصالح – التواصي بالحق – التواصي بالصبر) ، أي ان يكون الإنسان مؤمنا بكل ما تعنيه الكلمة من إيمان وتصديق ويقين وثقة بالله جعل وعلا وأن الخير والفضل بيده وأنه لا يسن ولا يشرع أي شيء إلا ما فيه خير لنا ورحمة بنا ، ثم نترجم هذا الإيمان إلى عمل صالح (وعملوا الصالحات) فالإيمان كمعتقد وفكر ونظرية ليس كافيا ان لم يترجم الى عمل صالح ، فمثلا لو نسأل المليار المسلم في العالم هل أنت مؤمن بأن الله هو القوي ولا توجد قوى أقوى منه سيقول الجميع وبدون استثناء (نعم) ، غير ان ترجمة الإيمان هذا إلى عمل وثقة به والتحرك وفق هذه الفكرة ومجابهة الظل
م والباطل والمعتدي وقوى الإستكبار مستندين على أن الله القوي ولا قوة كقوته وأنه سينصرنا عليهم مهما بلغ قوتهم فإن هذا العمل الصالح لن يجد له عاملون ( إلا ) قلة قليلة جدا جدا جدا قد لا يصل إلى 1% ربما ، وهنا يجب ان نعي أن الذي يحمل الأمر الأول (الذين آمنوا) ولم يحمل الأمر الثاني (عملوا الصالحات) فلن يقبل منه وسيدخل ضمن (ان الإنسان لفي خسر ) لأن عملية التتابع في الأعمال الاربعة جاءت معطوفة على بعضها بحرف (و) وهذا يقتضي الشمولية كاملة وليس بحرف التخيير (أو) او بحرف الترتيب المتباعد (ثم) او المتقارب (ف) اي ان (عملية الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق وبالصبر) جميعها متلازمة معا في كل لحظات الإيمان .
إيمانك بأن عند الله خزائن السماوات والأرض وأنه سيخلف من ينفق وسيعوضه أضعافا مضاعفة لا يعفي بخلك وشحك في الإنفاق والزكاة والصدقة بكل رغبة وقلب محب راغب في الله وفضله مستجيبا لله عندما دعاك للإنفاق كون البخل خصلة تعكس سوء الظن بالله في نفسية البخيل ، لذا يجب ان يعمل الصالحات وصفة العمل هذا يجب ان يحتوي الإتقان والحب والتلذذ فيه سواء كان العمل تعبديا او ضمن التعبد العملي كالوظيفة وايضا في أي عمل يوكل إلى الإنسان في جميع مجالات الحياة والتي يجب ان ترتبط بالإيمان بعوض الله وتوفيقه وفضله وخيره وتقبله وكتابته للاجر دنيا وآخرة ، والحديث يطول جدا في هذا الجانب .
ثالث العناصر هذه هو التواصي بالحق ، والحديث عن الحق واسع جدا وهذا التواصي الذي امر الله به لا يعني ان تكون انت ملتزما بهذا الحق وبعد ذلك لا يهمك الأمر ولا يعنيك اتباع الاخرين له ام لم يتبعونه ، فالأمر هنا يأتي ضمن (وتواصوا) اي نشر ثقافة ونشر أمر ضروري يجب ان يلتزم المجتمع به وبطبيعة الحال لا يقوم بالتواصي هذا إلا من يحمل هذه الصفة ، فكن صاحب حق ومتبعا للحق ومن اهل الحق ثم أوص الجميع به بإستمرار (تواصوا) منهجية دائمة حياتية لا تقف عند موضوع واحد وانتهى بل يجب ان يكون منهجية دائمة يومية لحظية في جميع شئون الحياة ولكم أن تتخيلوا مجتمعا يحمل صفة الحق ويتواصى به بإستمرار ضمن سلسلة الأستثناء الإلهي الذي بدأ ب(إلا) وسرد عناصرها الأربعة الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، تخيل انسانا مؤمنا ويعمل عملا صالحا ويوصي الجميع بالحق واتباعه وعمله وبالصبر .
العنصر الرابع هو التواصي بالصبر ، لكي تكون انسانا ناجيا غير خاسر يجب ايضا أن تتحلى بممارسة (التواصي بالصبر) ايضا اي لا يكفي ان تكون إنسانا صابرا بل يجب ان تكون مصابرا (يا ايها الذين آمنوا إصبروا وصابروا ) فالصبر هو ان تكون انت صابرا بمفهومه القرآني السليم وليس بمفهوم محرفي الدين ، فالصبر السليم هو في مقام العمل اي تعمل وتتحرك وتكون صابرا على نتائج عملك سواء كانت معاناة تأتي من قبل الاعداء او الصبر وانتظار النتائج ، بل يجب ان تنقل صفاتك الحسنة هذه الى الآخرين إلى من حولك بأن يصبروا ايضا وتثقفهم بثقافة ان يتواصوا مع الاخرين بالصبر كما تقوم به انت لتصبح ثقافة مجتمعية عامة وشاملة ، وبهذه العناصر الأربعة المرتبطة ببعضها البعض (الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر) يكون الإنسان والمجتمع مكتملا كما يريده الله ويحبه ويرضى عنه فلا يخسر فالخسارة ان تفقد عنصرا من هذه العناصر او تفقدها جميعا ، فعدم التواصي حتى لو كنت اهل حق وأهل صبر فهذا يعكس مدى أنانيتك وعدم حبك للآخرين وعدم حملك روحية الحب للآخرين بأن يكونوا من الناجين الفائزين الغير خاسرين وهذا امر غير مقبول عند الله ولا تتوافق مع سننة وفطرة الإنسان السوية بل يجب ان تحمل مشاعر حبك الخير للآخرين لذا جاء الإستثناء ب(وتواصوا) .
لكي تكون صابرا عليك أن تكون ثقافتك الحياتية اليومية (عدم الأنتظار والبحث عن النتائج) بل (إتقان العمل بإيمان) ثم اترك الله ليقضي أمره ويحكم حكمه في النتيجة (متى وكيف وأين ومن ) فمثلا ، تحركنا نحن في سبيل الله ضد امريكا واذنابها منذ اكثر من خمس سنوات وأتقنا في كثير من الأوقات العمل الصالح ونشرنا ثقافة الحق والصبر والمصابرة غير ان النصر لم يكتمل وإن ظهرت علاماته الكثيرة ، لذا يجب ألا نهتم متى سيأتي وكيف سيأتي وأين سيأتي وبماذا سننتصر فهذه امور خاصة بالله جل وعلا ، علينا ان نهتم بالنفير والانفاق والعمل الصالح وغيرها من الأعمال ومتى جاء النصر جاء ، فالنصر هو نصر الله والسلاح هو من عنده ، فمن كان يعتقد ان سيأتي كورونا وينسف كل اسطورات عالمية بنيت في اذهاننا في تلك الدول بل من كان يظن ان زيادة النفط سيكون مؤثرا سلبيا على دول الخليج في وقت اننا كنا نبني نظرية بأن إنتهاء هذه الممالك سيكون عند نفاذ النفط !!! عليك ان تتحلى بهذه النفسية وبهذه الروحية وتنقلها للآخرين لكي لا تخسر الدنيا وهذا يعني خسارة الآخرة ، ولنعد للبداية ونقف كثيرا عند (أن صاحب القسم هو الله ) !!!
#د_يوسف_الحاضري
telegram.me/goodislam
Discussion about this post