كــوثر الـعزي
وعـندمـا دنى الليـــل وأٌعـلنَ وقـت الـذهاب للسـرير لبس الـناس لباس الـنوم، وتوجـه كُلاً منـهـم لأسـرتـهم بعـدمـا تفقدوا أطفالــهــم وغطوهـم جيداً مـن البرد القارس الـذي لايرحم الصغيـــر أعطوهـم قُبلــة النوم، بينمـا كـانت الأمهـات تتفقد صغـارهـا، كــان هُنـالك طفــلة تــحت شجـرة خضـرا۽ ذات أوراق كثيفة يـوجد بهـا أعشاش الطيور، جلسـت تلك الطفـلـة الجميلـة تنظــر حولهـا وتتمعـن في النظر لعـلها تـجد طريق العودة؛ ولكــن أيـن ستعود يـاتٌرى؟ مـن سيـأويهــا؟
وفي هـذه الأثنـاء بدأت بـالغنـا۽ بصوتـها ذو البحـة المعـروفـة بـ الحـزن الــذي يساعدها على تعريف نفسهـا أمـام الـناس..وإذا بهـا تٌـغني غنــاءً حزيناً وبحـلن لايخـلو مـن الوجـع والقهــر وتقول فيـه: أحمـونـا من ضرب الـنار أحـموا طفولتـنا؛ هدموا فوقي سقف الـدار حـرقوا مدرستنـا قتـلوا أمي دون مبرر حرموني مـن أبي قتلوا إخوتي وشردوني مـن مدينتي،
وأكملــت تـلك الأغـنية الـحزيــنة الـتي تخـرج كـل كلمـة بها مع زفـرة قهـر ووجـع، فـي هذه الأثنــاء كـان هنـالك رجٌـلاً يمشي فــي تلك الغـابات تائه يبحـث عـن طريق العـودة للمنـزل الذي يـأويـة ويأوي أطفالـه وزوجتــه، فـإذا بـه يسمـع صوتاً عـذباً وإذا بــه يتـبع ذلك الصوت ودار في بـاله ألف سؤال؟!
ولكـن الإجابات كُلهـا تتمـلكُـهَـا صاحبة الصوت الحـزين تـردد بسؤال وهـو الأهـم!
قـائل:
من تـلك الفتـاة الـتي مـازلـت فـائقـة رغـم أن الشمس عـادة لـمُستقرهـا والقمـر بدا۽ بالظهـور، والحيوانـات نائمــة وبعضهـا تصطاد فريستهــا ليلاً ، ذهب فـإذا بــه يرى تـلك الـحسنا۽ مٌـتكئة عـلى غصن شجـرة تنظر للقمـر، وفي عينيـها تجمـعت دمـوع الـقهر، وفي صوتـها أنين الأوجــاع ذهب إليهـا واقترب جداً فـإذا بهـا فتـاة جميـلة تحمـل مـن الجـمال مايكفي لأن تسمى حورية ، عيناها الوسيعة الممتلئة بـ الدمـوع وشفاها الصغير التي تنشد الـوجع، وذلك الـوجـه الشـاحب، وذلك الشعر الـحرير والفتاة المتعبة ذات الأيادي الباردة والأقدام المشققـة، وذلـك الثوب الممـزق الذي يستر به جسدها؛ كـأنهـا هـاربـة مـن حـرب لحرب ولا نجاة
ذهب إليهـا وجـلس بجـوراهـا فـقـال لهـا: مــن أنـتِ؟
قـالت:فتـاة تـائهـة
قـال:أيـن مـنزلك لأعيدكِ إلـيه؟
قالت:هل تسأل عـن رٌكـام مـنزلي؟
قال وهو متعجب من إجابتها لـه: مـاذا ياصغيرتي عـن أي حطام تتحدثين!
قالـت:حٌطام مـنزلي، وجثث أهـلي
قال:هل تهذين ياصغيرتي؟
قالت:ليتــني أُهــذي أو أحلٌم لــ أفيق مـن كابوس هذا المعيش
فقال:هـلّا تعرفيني عـنكِ وعـن حُطـام مـنزلكِ وجـثث أهـلكِ
قالت:حسنـا
وبدأ ت تقُص له وبدأت الـدموع تـأخذ مـجراهـا قـالت: أنـا ياعم مـن تـكالب عليها العـالم؛ لكي يشردهـا عـن مـدينتهـا، أنــا من أنـام بحـضن أمـي لأ فيق صبـاحـاً لِـ أرى جسدهـا يحتضنُ الـركام، أنا مـن كٌـنت اتدلل عـلى أبي وفي يوم مـن الأيام ذهب أبي وحـمل مـعه الدلال، أنا مـن كٌـنت أميرة إخـوتي وذهبوا وأخذوا مـعهم قلب تـلك الأميرة، أنـا ياعم فتـاة يمـنية غابت حقيقتها عـن أبصاركـم، أنا مـن ناشدتكم، ولـكن لم تـلقى مـنـكم سوا۽ السكـوت والجـمود، أنـا ياعم مـن قُلـت للعالـم أين حقي؟ فقتـلـوني باتهام كـاذب، أنــا ياعم قتلتني مـن تسمي نفسها الأمومة والطفولة، أنــا مـن حـرمـت من أبسط حقوقي وهو العيش جـوار أهـلي
تعجب الـرجل وقال:عـن مـاذا تتحدثين؟ وعن أي عصر مـن العصور
قـالت:في عصر التطور والتقدم وفي قرن الـواحد والعشرين
قـال:كــل هذا حصل لـكِ يـا صغيرة الـيمن
قالت:وماهذا إلا بقليل
قال:عبري وأخرجي مايكتمه وجـدانـك
قالت وهي تنظر للقمــر:أنـا مـن أمـوت مـن المـرض أنـا مـن تحمـل تـلك المـجاعة أنـا من تقتـلنـي تـلك الآلــة القاتـلة
فقـال:يا للعـجب قد سمـعت أن الأمم الـمتحدة والتـحالف أتـى لإنقاذكم
قالت: من مـاذا أنقذوني هـل مـن ضرب أمي أو أبي هـل مـن خلافات أخوتي أم مــن حـل الـواجبات أم عـن حديقتي التي تجـعلني أتــعب مـن الركض مع صديقاتي عـن ماذا ياعم؟ وبدأت بـالبكـا۽
قال:صغيرتي مهـلاً لاتبكِ
قالت:زاد شوقي لأمي وأبي وأخي وأختي وبلادي فــ غـيـبتهم مـوحشـة أخاف أن يدنـو ليل ويكـون الجـو مـتأخـر وأنا هنـا لـوحدي
فقـال:هيا لنـذهب لبيتي
قالت:ولكن
قال:لكن ماذا
قالت:أريد بيتنـا، ومـدينتي الصغيرة التي ضمتني مـع صديقاتي
فقـال:لاتـخافي ياصغيرتي ستـعود ضحـكاتك وبسمـاتك
فقالت ضاحكـة :حقـاً
فقـال:نعـــم
قـالت:كيف؟
قال:لقد عرفنــا ماذا يعـني أمم مـتـحدة أو بـالأصح أمم كـاذبة
قـال:صغيرتي هـل أنتِ وأسرتك مـن تعانون
قـالت:لا ياعمـي فـأنـا لست إلا نمـوذج بسيط جـداً
فــ مثـلي يعاني كثيـر ون جـداً جداً، ياعمي الأنين يـتعالى مـن المشافي، والصراخ مـن المـرافق والمـوت والجـوع يخنقنــا
قـال:ورب العزة لنـأخذ بـثأركـم.
هـذا الرجـل ياسـادة يمـثـل الأحـرار، وهــكذا هـم أطفـال اليمن تـائهين في طفولة حياتـهم وعقولهـم التي لـم تـتدارك في أي عصر هي وكـم عـمر قد بلغ به فــ لطفـاً بــ أطفـال يكـادوا أن يمــوتوا قهـراً.
#أمريكـا_تقتل_أطفـال_اليمـن.
Discussion about this post