*عشق روسي ـ بحريني رسمي إلى الواجهة… هل تبحث البحرين عن حليف جديد…؟*
كتبت الإعلامية والحقوقية رباب تقي
علاقة الحب من طرف واحد، تُعدّ من أسوأ أنواع الحب، تكون الخسارة فيه سيّدة الموقف، إلّا أنّ السّلطات في البحرين تصرّ على خوض التّجربة على مدى سنوات منذ الاستعمار البريطاني وحتّى يومنا هذا، على حساب كرامتها وسيادتها وشعبها، على قاعدة مصالح العائلة الحاكمة. يقع عينها في كلّ مرّة على جهة: قد تكون عربيّة أو أجنبيّة، بحسب الظّرف المتاح والمصلحة المبتغاة…
من كان يتوقّع أن تصبح العناوين العريضة في الصّحف الصفراء مهاجمة للولايات المتّحدة الأميركيّة التي تحتضن مياه الخليج أسطولها الخامس. ومن كان يتخيّل أن يتحوّل كتّاب الصحف الرسميّة إلى قنابل حبر موقوتة تلقي حممها على الإدارة الأميركية، إحدى أبرز حلفاء البحرين. كلّ شيء وارد هنا فداء للحب من المنظور البحريني الرّسمي على حساب المطالب الشّعبيّة. عندما استلم الديمقراطيون الحكم في الولايات المتحدة مع تقلّد جو بايدن سدّة الرئاسة، تغيّرت مشاعر السلطة، وتذكّرت حقبة الرّئيس الأسبق باراك أوباما. حقبةٌ لم تكن كثيراً على مزاج «العائلة» خصوصاً أنها كانت تدعم الحوار الجادّ بين الأخيرة والمعارضة وتميّزت بانخفاض نسبة الانتهاكات والقبضة الأمنية وارتفاع منسوب الانتقادات الرسمية بخصوص الملف الحقوقي في البحرين.
تحنّ السلطات إلى عهد الرئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب الذي أعطى الضوء الأخضر للسلطات بزيادة منسوب العنف والانتهاكات التي وصلت إلى حدّ إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحقّ سجناء رأي تعرّضوا لمحاكمات غير عادلة ولتعذيب نفس وجسدي بهدف نزع اعترافات. في السنوات الجمهوريّة الأربع الماضية، كانت وسائل الإعلام الرسمية ممجّدة للإدارة الأميركية، العلاقات بأنواعها بين البلدين على قدم وساق وكذلك الزيارات المكّوكية.. سرعان ما عاد الديمقراطيون، حتى تغيّرت المعادلة، فأصبح الحبيب عدوّاً، والعدوّ صديقاً…
غزلٌ بحريني رسمي لروسيا تشهده هذه الفترة، الساحة السياسيّة الدّاخلية من تصريحات ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة إلى ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة والوزراء والسفراء، وهو ما انعكس ـ بطبيعة الحال ـ على الصّحف الرّسمية وعناوينها ومقالاتها وخصوصاّ الصّفحات الأولى منها. غزلٌ قابله في الوقت عينه هجومٌ شرسٌ على السّفارة الأميركية وإدارتها وغضبٌ من موقفها تجاه الحرب في أوكرانيا. هجومٌ حصل بتوجيه مباشر من الديوان الملكي وانسحب تباعاً على أجهزة الدولة ومنها وسائل الإعلام التّابعة كلّيّاً للسّلطة.
على الرغم من أنّ العلاقة مع واشنطن طويلة الأمد وتمتدّ لنحو قرن ونصف من الزّمن على عكس العلاقة مع روسيا التي تبلغ حوالي ثلاثين عاماً، إلّا أنّ المصلحة اليوم تقتضي ذلك.
تقاربٌ لغويٌ تزامن مع استضافة ملك البلاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مايو/ أيار 2022، وإرسال الملك برقية تهنئة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة ذكرى عيد النصر، أشاد خلالها بما اعتبره «مستوى عمق العلاقات الثنائية التي تجمع بين مملكة البحرين وروسيا الاتحادية، وتشمل العديد من المجالات، مؤكداً حرص البحرين الدائم على تعزيز وتطوير هذه العلاقات والارتقاء بها، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين». تصريحات لطالما كانت تحظى بها الولايات المتحدة من قبل السلطات في البحرين. يبدو أنّ لإبعاد السعودية عن اهتمامات واشنطن، والحوارات الدائرة بين إيران مع الأخيرة وعودة العلاقات بينها وبين دول الخليج وبالأخص الرّياض، أثمر التقارب الروسي البحريني الذي لا تحبّذ السلطات أن تشاركها فيها المعارضة.
يرتبط التواجد الأميركي في البحرين ارتباطاً وثيقاً بالوضع الأمني في الخليج وتحديداً كلّ ما يتعلّق بطهران. وعليه، تغيّر العدو من منظور السلطات اليوم، فهو كان في عهد الجمهوريين، جمهورية إيران الإسلامية، استعانت المنامة وقتها بالتواجد الأميركي الذي تعتبره «الحليف الأساسي خارج النّاتو»، وأساسيّاً لناحية الدّعم السّياسي واللّوجستي حفاظاً على الحكم وتغطيةً على الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان. أمّا اليوم، فـ «الحرص على تعزيز العلاقات مع روسيا» هو سيد الموقف، مقابل اتهامات للولايات المتحدة بأنّها «تتطلع إلى قيادة حرب في الخارج لمنع «حرب أهلية» في الداخل!»
وبأنّها «استخدمت أوكرانيا ضدّ روسيا.. وحاليا تستخدم تايوان ضدّ الصين!»
هذه بعض النماذج لمقالات زخمت فيها هذه الفترة الصحف الرّسمية، تحوّلت من خلالها تصريحات «العائلة» إلى تلك التي يدلي بها سفراء السّلام. فملك البحرين الذي حتى اليوم يصرّ على إبقاء حالة تشبه العداوة مع شعبه، يدعو في الملف الأوكراني إلى «أهمّية حلّ الصّراع بما يحقّق مصالح البلدين الجارين وأمن واستقرار القارة الأوروبية والأمن والسلم الدوليين، وضرورة اللجوء الى الحوار والحلول الدبلوماسية وفق قواعد القانون الدولي من أجل التوصل الى تسوية سياسية تنهي النزاع وتضمن الأمن والسلم لكافة الأطراف وتحفظ حياة المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية للاجئين والنازحين».
المتابع لهذه الدّعوات يشعر وكأنّ البحرين واحة سلام لا تضمّ سجونها معتقلي رأي وقادة وعلى رأسهم الأمين العام للوفاق الشيخ علي سلمان، وكأنّ السّلطات تتحاور دوريّاً مع المعارضة ومن يمثّلها لإيجاد حلّ سياسي يخرج البلد من أزماته، وكأنّ الوضع الأمني في المملكة مستتبّ وقانوني بامتياز، المحاكمات في عادلة، وأحكام الإعدام لا تُصدر ولا تُنفّذ، وأوضاع السجناء فيه على أفضل حال في ظلّ ظروف سجن رائعة، وذلك بشهادات أمميّة ودوليّة وحقوقيّة، آخرها انتشار مرض السّل بين السجناء. ألم يكن من الأولى توجيه الدعوات هذه إلى المعارضة وأبناء الشعب المطالب بتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعيّة؟
يبدو أنّ السّلطات في البحرين تبحث اليوم في عهد الديمقراطيين عن حليف جديد كروسيا، فإلى أيّ مدى تستطيع الأخيرة تأمين الحماية للسلطات وغضّ الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان فيه؟ لا شكّ أنّ التحوّلات في المنطقة ستعيد ترتيب الأولويّات…
Discussion about this post