( المتلاعبون بالعقول وبصيرة المجاهدين)
عندما أطلق امام المجاهدين زيد بن علي شعاره القرآني “البصيرة البصيرة ثم الجهاد” لم يأت هذا كشعار عابر وانما جاء مبني على أحداث واقعية سبقته وعاصرها ورأها مستقبلا كمسار للأمم القادمة الى يوم الدين لأنه يدرك ان أهم واقوى أسلحة العدو هو إستهداف الوعي الفردي والجماهيري فيسهل عليه الوصول الى أهدافه بأقل الخسائر.
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
كلما شعر تحالف العدوان بأنه أصبح في مأزق أخلاقي ومجتمعي وقانوني جراء إرتكابها لجرائم عديدة بحق اليمنيين ومنشئاتهم من خلال غزارة الغارات التي يقومون بها يلجأ مباشرة الى عملية (التضليل الإعلامي) من خلال بثه أكاذيب مفادها (أنهم أستهدفوا قيادات كبرى كالسيد عبدالملك والرئيس المشاط وغيرهما) ليشغلوا المجتمع عن لب الموضوع الى مواضيع جانبيه وما إن تنكشف أكاذيبهم حتى يكون العدو المجرم قد تخلص من الزخم الإعلامي المناهض له الى حوارات جانبية عن عدم مصداقيتهم وهكذا , لذا وجدناهم كم وكم قد أعلنوا عن استهدافهم للسيد عبدالملك الحوثي خلال سبعة اعوام واستهدافهم للقيادات السياسية والعسكرية الكبرى ومع ذلك لم تصدق أي أطروحه بثوها على الإطلاق ومع ذلك يستمر العدوان في هذه المنهجية الناجحة بالنسبة له رغم ظن البعض مننا انه فاشل وغير ناجح لأن الهدف الذي بثوا الإشاعة لأجله قد تحقق من خلال حرف انظارنا واقلامنا عن صلب الموضوع , حتى عندما استطاعوا ان يستهدفوا الرئيس صالح الصماد لم يعلن العدوان عن عمليته لأنه لم يكن يعلم ذلك بل أعلن عن استهدافه لقيادة يمنية دون تحديدها ما يعني أنه لا يمتلك المعلومة على الإطلاق نتيجة هشاشة مخابراته وحصانة تحركات القيادة اليمنية على جميع المستويات فلم يعلم بذلك الا بعد أسبوع من استشهاده عندما أعلنا نحن ذلك رسميا .
الأسابيع القليلة الماضية تحرك العدوان بوتيرة عالية في غاراته الجوية على المدن اليمنية وعلى رأسها العاصمة صنعاء فاستهدف المنشئات والمنازل والمصانع والطرقات وقتل من قتل ودمر ما دمر منطلقا بتوجيهات قيادته الجديدة الإسرائيلية وعندما وجد أنه لم يحقق شيئا الا جرائم جديدة تضاف لما سبق بدأ يتحدث عن مشروعية هذه الغارات ثم ربطها بأن سبب استهداف المدن اما مخازن اسلحة او قيادات يمنية فاعلن استهداف الاستاذ محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى ولكنه ظهر في عدة لقاءات فأعلن انه استهدف الرئيس مهدي المشاط وايضا ظهر في زياراته ومنها لوزارة الصحة فأدرك أنه لن تكون هناك مناسبة سنوية سيظهر فيها السيد عبدالملك الحوثي الا بعد حوالي شهر وبالتحديد في جمعة رجب فأعلن عن استهدافه للسيد وجاء الإعلان غير رسمي بل عبر ناشطيه واعلاميه عبر وسائل التواصل الإجتماعي مستخدمين صورا مفبركة له في طرح اعلامي هش للغاية غير انه بالفعل استطاع ان يحشر الكثير من اليمنيين في زاوية الخوف والقلق والتساؤل عن صحة ذلك متناسيين الجرائم والإنتهاكات ومازال البعض يعيش هذه النفسية المضللة ما يعكس هشاشة الوعي والبصيرة لديهم ينتظرون متى سيظهر السيد لكي يفند اكاذيب العدو غير ان هذا الظهور لن يكون ذا جدوى مادام البصيرة والوعي لديهم ناقص او منعدم لان العدو سيلجأ بعد اشهر اخرى لنشر نفس القصة وسيسقط الذين سقطوا الآن في تضليله القادم فيطلبون ظهور السيد ليفند وهكذا لان من لم يعي ويفهم خبث وأكاذيب العدو الغزيرة والكثيفة والكثيرة خلال السبع سنوات لن يفهمها خلال الاسابيع القليلة هذه .
في الغزو الامريكي للعراق في ٢٠٠٣ عجزوا عن اسقاط العاصمة بغداد بهجمات جوية مكثفة غير انهم استطاعوا ذلك بمقطع سينمائي تم تصويره في صحراء دولة خليجية ثم بثه عبر قناة الجزيرة والذي اظهروا فيه نجاحهم في اسقاط مطار بغداد فكان ضعف الوعي والبصيرة لدى الجيش العراقي والذين سقطوا في فخ هذا العمل انهاروا وهربوا وسقطت بغداد والعراق في تلك الفترة , في وقت انهم استخدموا عشرات الاعمال التضليلية في اليمن ومع ذلك لم ينجحوا في غاياتهم لاننا نمتلك قيادة واعية وجيشا ولجانا مقتبسة هذا الوعي منها بل ان وعينا تجاوز التضليل الى التعامل السليم مع الحقائق فلم يغير سقوط عدن وبعض المناطق الجنوبية في اليمن الذي حصل في الاشهر الاولى للعدوان من الواقع شيئا لاننا امتلكنا بصيرة القتال حتى لو لم يتبق لنا من الارض الا المنطقة التي نقف فيها ولم ولن يؤثر في معركتنا العظيمة اي انكسار يحدث هنا او هناك فكيف سيؤثر علينا اكاذيب وتزوير (هذا على المستوى القيادي والعسكري) غير ان مشكلتنا على المستوى الشعبي المجتمعي والذين لا يمتلكون البصيرة والوعي في التعامل مع الأحداث ومع الاكاذيب والحرب الإعلامية المتمثلة في (التلاعب بالعقول ) .
من أهم مصادر الوعي والبصيرة هو القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء ومنها التلاعب بالعقول وكيفية تحصين انفسنا من ان يتلاعب بنا , فقد وجه نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم (وهو الاكمل والاوعى والأكثر بصيرة) بأن يغلق كل منافذ المنافقين والاعداء الإعلامية حتى لو بثوا اخبارا صادقة حقيقية واقعية بقوله تعالى (إِذَا جَاءَكَ الْـمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَـمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْـمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) فالمتأمل لهذه الآية يدرك تمام الإدراك ان الله بين لنبيه خطورة وخبث المنافقين حتى لو جاءوا بثياب المؤمنين بل الاكثر ايمانا (نشهد) اي يقسموا بالله أنهم مؤمنون ومصدقون بأن محمد (رسول الله) وهذا ( خبر ) فاستخدم الله (اصدق خبر للنبي وللمجتمع ) لكي يوضح للجميع انه اذا كان اصدق خبر يجب على النبي ألا يصدقه ليس تصديقا للخبر الحقيقي (والله يعلم انك لرسوله) ولكن لان مصدر الخبر خبيث وخطير وله أهدافا عدائية (والله يشهد ان المنافقين لكاذبون) تحدث عن (المنافقين) مصدر الخبر ولم يتحدث عن الخبر , مبررا ذلك ان لهم اهدافا خبيثة مفادها ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ومن هنا يبين لنا أن اخبارهم خطيرة على المجتمع لذا يجب ألا نستمع إليها حتى لو كانت صادقة وهذا اهم وأقوى تحرك واعي للتصدي لهؤلاء ولسعيهم للتضليل الاعلامي من خلال تجنب هذا السلاح كما يتجنب المقاتل اسلحة العدو وان نرمي عرض الحائط تلك التسويفات او التبريرات باننا فقط ننظر ماذا يقول العدو مع علمنا انه كاذب فالله لم يطلب مننا ان نقوم بذلك بل ان نمتنع تماما عن الاستماع اليهم فاسماها في القرآن بقوله (سماعون للكذب) ولم يسميها (قائلون او مصدقون للكذب) فحصن سمعك من الكذب ومن مصادر الكذب حتى لو بثوا اخبارا صادقة والا فستسقط في اهدافهم وتصبح ضحية نقص وعيك وبصيرتك.
من الطرق الهامة لتحصين النفس والعقل من تضليل وتلاعب العدو بالعقول هو ان نرتبط بالقضية ثم بالقيادة وأن يكون ارتباطنا بالقضية مقدم على القيادة لان القيادة مهما طال عمرها فمآلها الى الموت او الشهادة فضرب الله مثلا في ذلك في احب من خلق وهو محمد صلى الله عليه واله وسلم ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) موضحا ان القضية هي التي يجب ان نرتبط بها وان القيادة وان ماتت او قتلت فسوف يهيأ الله قيادة أخرى تمضي بالمجتمع حتى لو كانت القيادة هي نبي الله محمد (افأين مات او قتل انقلبتم على اعقابكم) اي لا تربطوا تحرككم بالإرتباط بالأشخاص بل بالمنهجية ولا نظن انها نهاية قضيتنا بنهاية القيادة بل القضية مستمرة ومن يجد نفسه في هذا الجانب سيضر نفسه فقط (فلن يضر الله شيئا) وسيستبدله الله وسيوجد من يواصل المسيرة كما اوجد من يقودها لذا يجب ان نصل الى مرحلة من الوعي بأن السيد سلام الله عليه وحفظه قد يستشهد او يموت في أي لحظة مثله مثل اي انسان مخلوق ومثله مثل الأنبياء (قد خلت من قبله الرسل) اي ماتوا وقتلوا ولم يخلد منهم احد وان علينا ان نتعامل مع اي متغيرات قادمة بإيمان وثيق وصبر اوثق .
ما لم تمتلك الوعي والبصيرة فلا تفكر مجرد تفكير انك ستنتصر على عدوك مهما بلغ اعدادك التسليحي فالجيش العراقي كان اقوى واكثر اعدادا من الجيش واللجان اليمنية غير انه لم يصمد امام الجيش الامريكي والبريطاني سوى ثماني عشرة يوما ونحن صبرنا امام امريكا والسعودية وبريطانيا والامارات والصهاينة وعشرين دولة اخرى والامم المتحدة ومجلس الامن وعشرات المنظمات الاخرى سبع سنوات بل وصلنا الى مرحلة الإنتصار عليهم حتى سمع صراخهم وعويلهم من الارض ومن في السماء (خاصة عويل وصراخ الأمم المتحدة) فهل كانت اسلحتنا اقوى واشد من اسلحتهم ام ان وعي القيادة ووعي الجيش واللجان ووعي الكثير من الشعب هو السلاح الأقوى والأشد والاكثر نجاعة من اسلحتهم الكثيرة والمتنوعة , لذا فضعف هذا السلاح سيؤدي الى ضعفنا امام عدونا وسينتصر علينا من منطلق تفوقه في بقية الاسلحة المادية والعسكرية والإعلامية والأممية وارتفاع منسوب وعينا وفهمنا سيؤدي الى استمرار انتصاراتنا وفتوحاتنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين .
نحن نمتلك قيادة قرانية عظيمة بل هي الاعظم في الارض وهذه القيادة تدرك انها قد تستشهد او تموت في اي لحظة وبطبيعة الحال فقد اعدت العدة لما بعدها سواء في القيادة الوارثة لها او في الصمود المجتمعي فلا يجب ان نضع انفسنا في زاوية القلق والخوف من ان يحصل لها شيء دون ان نغفل عن النتائج البشرية التي قد تعترينا نتيجة الفقد من حزن واسى ولكن ليكون ذلك في المسار السليم خاصة في الاستمرارية لما بداه , كما ان هذه القيادة تدرك ايضا كيف تدير الوضع التضليلي الذي يمارسه العدو لذا ليس علينا الا ان نواصل التحرك والتركيز على جرائم العدو وعلى الحشد والانفاق والنفير والتزود المستمر بالتقوى والذي من اساسيات التقوى (التذكير والتذكر المستمر ) وايضا (التسليم المطلق للقيادة ) بعيدا عن التساؤلات والتحليلات التي لا فائدة منها فقد ضرب الله مثلا للنتائج السلبية للتساؤلات والتحليلات بنبي عظيم اخر هو موسى عليه السلام وتساؤلاته وتحليلاته مع العبد الصالح (الذي يقال انه الخضر) والذي كانت نتيجة تلك الحالة (هذا فراق بيني وبينك) بل التسليم ثم التسليم ثم التسليم النابع من بصيرتنا ووعينا القوي والقويم وألا نجعل لمشاعرنا وعواطفنا ابوابا يسهل على العدو التلاعب بها من وقت لاخر وتعليبها ثم توجيهها حسب اهدافه وأغراضه فتصبح سلاحا في يد العدو ينتصر بها علينا .
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post