القدس المحتلة في سياق القانون الدولي
ملحق فلسطين
عدنان الصباح
30 مايو 2021
FacebookTwitterWhatsAppانشر
نموذج عن الهيكل المزعوم الذي ترغب الجماعات المتطرفة ببنائه في الحرم (Getty)
+الخط-
في هذه المقالة المقصود بالقدس هو القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل مع باقي الأراضي الفلسطينية في 5 حزيران/يونيو 1967 وهي ما تعرف اليوم بالضفة الغربية وقطاع غزة.
رغم أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين 181 لسنة 1947 حدد أن القدس تبقى تحت الوصاية الدولية، إلا أن إسرائيل قامت باحتلال الجزء الغربي من المدينة عام 1948، والثابت أن الأردن سابقاً وفلسطين لاحقاً، والمنظومة الدولية بما فيها الأمم المتحدة، جميعها قبلت ضمنياً بحكم إسرائيل في القدس الغربية وبالتالي سيادتها عليها، بدليل المطالبة الآن بأن تكون القدس الشرقية فقط عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة. يمكن اعتبار هذا التصرف والقبول به دوليا بأنه ملزم على الأطراف تحت القانون الدولي تحت عرف المعاهدات الدولية رغم أنه لا توجد حتى الآن اتفاقية لإنهاء النزاع رسميا بين إسرائيل وفلسطين وهي تعرف باتفاقية الحل الدائم.
يعتبر الوضع القانوني للقدس المصدر الأساسي لتحديد مشروعية المطالب التي تدعيها سلطات الاحتلال في القدس والممارسات التي تقوم بها والتي تهدف إلى فرض وقائع على الأرض استباقا منها لأي مفاوضات في المستقبل مع الفلسطينيين على المستوى السياسي ضمن جهود تسوية النزاع العربي الإسرائيلي.
مصادر القانون الدولي
من أهم مصادر القانون الدولي هي المعاهدات الدولية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وأجهزتها ومنظماتها المختلفة والتي ترجع إليها المحاكم الدولية في تفسيرها وتطبيقها للقانون الدولي في النزاعات الدولية. ثم هناك القرارات القضائية للمحاكم الدولية والمحلية والتي تعتبر أكثر سلطة في هيكليتها وإلزاما في النظام الدولي.
أي أن المصدر الأساسي لتحديد الوضع القانوني للقدس هو القانون الدولي وليس الممارسات الإسرائيلية على الأرض سواء الاستيطان والبناء أو تغيير المنظر المعماري أو السكاني العام للمدينة أو فرض القانون الإسرائيلي وتطبيق منظومة إدارية جديدة في المدينة.
القرارات الدولية الخاصة بالقدس
صدرت عن الأمم المتحدة قرارات عديدة خاصة بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وكل تلك القرارات تؤكد على أن الأراضي وهي ما تعرف اليوم بقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية هي أراض محتلة وكل الإجراءات والممارسات التي تقوم بها الدولة المحتلة، إسرائيل، في تلك الأراضي خاضعة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني الخاص بمعاملة الشعب المحتل.
لم يتغير هذا الموقف من قبل الأمم المتحدة منذ العام 1967 حتى الآن. بعد احتلال الجزء الشرقي من القدس (القدس الشرقية) في 5 حزيران/ يونيو 1967 أصدرت الحكومة الإسرائيلية أمرا عسكريا يفرض القانون والقضاء الإسرائيليين على أراضي بلدية القدس الشرقية. وفي عام 1980 أصدرت قانون أساس جدياد باعتبار القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. مع تنفيذ هذين القانونين في القدس بدأت عملية تغيير المعالم الإدارية والعمرانية للمدينة بأساليب واضحة المعالم في النص والتنفيذ والتي تهدف إلى تقييد الوجود العربي وتوسيع وترسيخ الوجود اليهودي في المدينة.
منذ العام 1967 أصدر مجلس الأمن والجمعية العام للأمم المتحدة عدة قرارات تؤكد على موقف المجموعة الدولية من الممارسات الإسرائيلية في القدس خصوصا وباقي الأراضي المحتلة عامة. بإيجاز يمكن القول إنه من منظور القانون الدولي تعتبر كل الممارسات الإسرائيلية بدون استثناء غير شرعية وليس لها وجود ولا يعترف بها من أي جهة دولية وخاصة الأمم المتحدة وأجهزتها ومنظماتها المختلفة وخاصة اليونسكو ومحكمة العدل الدولية وأخيرا المحكمة الجنائية الدولية.
جل تلك القرارات تؤكد على توصيف الأراضي الفلسطينية التي سيطرت عليها إسرائيل بالقوة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، على أنها أراض محتلة، وتنطبق عليها أحكام اتفاقيات جنيف لعام 1949.
في 4 تموز/ يوليو 1967 أصدرت الجمعية العامة قرارها 2253، الذي طالبت فيه إسرائيل بإلغاء كل الإجراءات والامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه تغيير وضع القدس. في 14 تموز/ يوليو 1967 أصدرت الجمعية العامة قرارها 2254، أعلنت فيه أسفها الشديد لعدم تطبيق إسرائيل للقرار 2253 وأعادت تأكيد القرار السابق.
بين الأعوام 1956 و2017 أصدرت اليونسكو عدة قرارات تخص مدينة القدس تؤكد جملتها على رفض الممارسات الإسرائيلية في القدس وخاصة الحفريات ونقل الممتلكات أو تغيير معالمها أو ميزاتها الثقافية، تثبت أن القدس مدينة عربية ولا علاقة لليهود بها. القرار الأخير كان في تشرين الأول/أكتوبر 2017 حين صوّت المجلس التنفيذي لليونسكو على قرار يؤكد قرارات المنظمة السابقة باعتبار القدس مدينة محتلة ويرفض السيادة الإسرائيلية عليها.
من أهم القرارات الدولية بهذا الشأن كان القرار رقم 2334 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر 2016، الذي يعتبر إعادة تأكيد على كل القرارات الصادرة عن المجلس منذ العام 1967، والتي تؤكد على الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، بأنها أراض محتلة وأن إسرائيل هي الدولة المحتلة ويجب عليها “إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، أن تتقيد تقيدا صارما بالالتزامات والمسؤوليات القانونية الملقاة على عاتقها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة 1949 المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب”، “ويدين جميع التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي وطابع ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، والتي تشمل إلى جانب تدابير أخرى بناء المستوطنات وتوسيعها ونقل المستوطنين الإسرائيليين ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتشريد المدنيين الفلسطينيين، في انتهاك للقانون الدولي الإنساني ذات الصلة”.
عدد القرار قرارات سابقة للمجلس ذات الصلة وهي 242، 338، 446، 452، 465، 476، 478، 1397، 1515، والقرار 1850 وأكد عليها وعلى إلزاميتها لإسرائيل. كما أكد القرار أن الممارسات والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية هي باطلة وليست لها أي شرعية قانونية وتشكل انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي. وفي تحذير صريح لإسرائيل أكد المجلس “أنه لن يعترف بأي تغييرات في خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967 بما في ذلك ما يتعلق بالقدس”.
بالإضافة لتلك القائمة هناك أيضا القرار رقم 252 الصادر بتاريخ 21 أيار/ مايو 1968 والذي أكد على فحوى قرارات سابقة منها 2253 و2254.
القرار رقم 298 الذي صدر عن مجلس الأمن في 25 أيلول/سبتمبر 1971 بخصوص القدس يقرر أن “جميع الأعمال التشريعية والإدارية التي قامت بها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس، ومن ضمنها مصادرة الأراضي والممتلكات ونقل السكان والتشريع الذي يهدف إلى ضمّ القطاع المحتل في القدس، لاغية ولا يمكن أن تغير ذلك الوضع”.
في 14 أيلول/سبتمبر 1967 قام المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية ثيودور ميرون برفع مذكرة “سرية جدا” إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها ليفي إشكول كتب فيها: “استنتاجي هو أن الاستيطان المدني في الأراضي المقبوضة [المحتلة] يناقض اتفاقية جنيف الرابعة”. بين أمور أخرى يفصلها ميرون ويؤكد على أن الضفة الغربية أراض محتلة وأن إسرائيل هي دولة الاحتلال، يذكر في المذكرة أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على الأراضي المحتلة. المادة 49 تنص على أنه “يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه”.
لم يكشف عن تلك المذكرة حتى عام 2006 وهي تؤكد بما لا يدعو للشك أن الحكومة الإسرائيلية كانت وما زالت تدرك منذ اليوم الأول للاحتلال أنها قوة قائمة بالاحتلال في الأراضي المحتلة وأن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والتي تخص معاملة المدنيين وقت الحرب تنطبق على الأراضي المحتلة منذ العام 1967 وبالتالي فهي تدرك تماما أن كل الإجراءات التي اتخذتها تعتبر حسب قرارات واتفاقيات دولية ملزمة عليها، إسرائيل، مخالفة للقانون الدولي.
قرارات المحاكم الدولية
تبقى القوانين والاتفاقيات والقرارات الصادرة عن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن قابلة للتجاهل والجدال العقيم غالبا حولها وإلزاميتها على الأطراف المعنية حتى تصدر فيها قرارات قضائية من المحاكم الدولية أو المحلية في دول مختلفة. من أهم هذه القرارات القضائية التي صدرت عن المحاكم الدولية في ما يخص القدس والأراضي المحتلة منذ العام 1967 نذكر قرارين.
الأول، الرأي الاستشاري الذي صدر عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 9 تموز/يوليو 2004 بشأن الجدار الذي أقامته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في أعقاب حرب حزيران/ يونيو 1967. في ديباجة القرار ذكرت المحكمة “بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي تؤكد أن الإجراءات التي تقوم بها “إسرائيل”، بصفتها سلطة الاحتلال، لتغيير وضع القدس الشرقية المحتلة وتركيبتها الديموغرافية ليست لها شرعية قانونية وتعد باطلة ولاغية”.
أهمية رأي المحكمة تكمن في أنه ليس فقط صادرا عن أعلى سلطة قضائية في العالم، ولكن أيضا لأنه ثبت الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وأنها تخضع لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949. القرار أكد أيضا على القاعدة الثابتة في القانون الدولي وفقاً لأحكام الشرعية الدولية أنه لا يجوز تغيير الوضع القانوني لهذه الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
الثاني، القرار الصادر بالأغلبية عن الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية في 5 شباط/ فبراير 2021 والذي ينص على أن قانون المحكمة ينطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية. يأتي ذلك القرار ضمن التحقيق التي بدأته المدعية العامة للمحكمة في 16 كانون الثاني/ يناير 2015 في إمكانية ارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعروف بميثاق روما 1998. وكانت دولة فلسطين قد تقدمت في 1 كانون الثاني/ يناير 2015 بطلب إلى المدعية العامة لفتح تحقيق في جرائم حرب ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية.
كنت قد تقدمت بمذكرة صديقة للمحكمة في هذه القضية ومن اطلاعي على وثائق ومذكرات قدمت للمحكمة من أطراف أخرى، يمكن القول إن قرار المدعية العامة بفتح التحقيق له ما يبرره وتدعمه إثباتات قوية قدمت للمحكمة بارتكاب جرائم حرب في الأراضي المحتلة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي. أهم هذه الجرائم الواقعة على الأرض الاستيطان وتهجير السكان الأصليين من ممتلكاتهم.
في رأيه المذكور أعلاه يحدد المستشار ميرون أن اتفاقية جنيف الرابعة بالذات المادة 49 تنطبق على الأراضي المحتلة عام 1967.
المادة 1.8 من ميثاق روما التي تخص جرائم الحرب تنص على أنه “يكون للمحكمة اختصاص في ما يتعلق بجرائم الحرب، ولا سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم”. المادة 2.8 تعرف “جرائم الحرب” بـ: الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف”.
المادة 1.7 من ميثاق روما تشمل تهجير السكان الأصليين من ممتلكاتهم وتعدها ضمن الجرائم ضد الإنسانية. وكانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أصدرت القرار 10 في 23 شباط/فبرابر 1970 أكدت فيه أن اتفاقية جنيف الرابعة ملزمة لإسرائيل وذكرت أنها ارتكبت “جرائم ضد الإنسانية”.
ليس هناك شك أن محاولات سلطات الاحتلال لتغيير معالم مدينة القدس هي باطلة قطعيا وليس لها أي أثر قانوني لأن الوضع القانوني للمدينة كمدينة تحت الاحتلال لا يتغير بأي إجراءات أو ممارسات تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي هناك. القانون الدولي ثابت في قراره أن الاحتلال هو حالة مؤقتة وأن السيادة على الأراضي المحتلة تبقى ملكا حصريا للشعب الواقع تحت الاحتلال.
Discussion about this post