“جدل النظرية والتطبيق -سؤال الأولوية “
“شبعنا من التنظير -نريد عملا في الواقع ” هذا ماسيقوله معظم الناس عندما تطرح مشروعا أو فكرة ما.
يشير هذا القول إلى جنبة الحماسة والرغبة في التغيير التي تتجلى في شكوى وأنين المجتمع من أوضاعه في شتى أنواع الأصعدة .
لكن لو تسأل :من سيقوم بهذا العمل ؟ وكيف سيقوم به ؟ فهل تلقى لذلك جوابا ؟
إن جدل النظرية والتطبيق قد يأخذ بذاته طابعا واقعيا-مفيدا- عندما نبحث عن حالة التوازن ،وضرورة إعطاء كل من الجانب النظري والعملي حقوقهما من الوقت والجهد .
لكنه أيضا قد يأخذ طابعا جدليا-عقيما -عندما نحاول الهروب من المسؤولية وإلقاء الأعباء على الغير .
فلا مريةأن لكل منهما ضرورته وأهميته التي يكتسبها من طبيعة التركيب الإنساني ،المتمثلة بالعقل (الذي هو محل النظر ) والجسد الذي هو أداة الفعل والحركة ،وأن إلغاء أو تهميش أي منهما سيؤدي حتما إلى تعطيل الفاعلية الإنسانية أو إلى تشوه نتائجها ،ولهذا تكلم القرآن الكريم عن (أولي الأيدي والأبصار) ،فأصحاب العزائم والهمم لن يستطيعوا وحدهم صنع الغايات الإنسانية الكبرى ،بمعزل عن أولي البصائر ،والفكر ،والتعقل ،الذين يشكلون المرشد والمصباح لذلك السير التكاملي ،ودونهم تصبح الحركة غير محددة الجهة وقد تنتهي بالهاوية .
إن المطالبة بالاستغناء عن النظري والاكتفاء بالعملي -إن لم نقل أنها هروب من المسؤولية -بناءا على حسن الظن ،فهي على الأقل خطأ منهجي ،وجبت الإشارة إليه إذ أن الإنسان لايستغني عن التفكير على أي مستوى من مستويات المسؤولية،وهو يحتاج إلى المعرفة في كل شؤونه ،وغالبا ماتكون الأفعال المسبوقة بالتفكر أكثر رشدا وإنتاجية .
فالسؤال مفتاح أسرار المعرفة ،والمعرفة نور السالكين في دروب الحياة ۗ (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)…
حسام خلف
Discussion about this post