إشكالية النقل في المعرفة الإنسانية
د عماد فوزي شعيبي
لايمكن قطع الثبوت في أي معرفة فكل ما ينقل خاضع للتأويل والنقص والازادة. و ابستمولوجيا لايوجد علم للتاريخ لأن التاريخ مادة المنتصر و هنالك إشكاليات علمية جمة بالرواية
لا أود أن تمر قصة النقل دون الإشارة إلى المشكلة الإبيستمولوجية التي تقف وراءها ولا يتلفت إليها الموالون لها وهي التي ابزرها نسيم طالب في كتابه البجعة السوداء وهي إشكالية الرواية في النقل
يرى طالب أن ثمة مبالغة شدية في ثنائية السبب والنتيجة؛ أي في منهج السببية. وهذا المنهج يقود بدوره إلى القصصية أو الروائية في المعرفة حيث أن الإنسان يحب القصص، كما يحب التلخيص والتبسيط، ويعني ذلك أننا نميل إلى تقليص أبعاد الأحداث. فثمة مغالطات ترافق كل حالة قصصية وهي مرتبطة بضعفنا إزاء المبالغة في التفسيرات والرغبة في الانقياد إليها مثلما هي مرتبطة بميل إلى نسج روايات محكمة الحبك على قاعدة من الحقائق الأولية الخاصة، وهذا ما يشوه مفاهيمنا عن هذا العالم بشدة. وهذه الآفة تصبح حادة على نحو شديد عندما يتعلق الأمر بشكل خاص بالأحداث نادرة الحدوث.
تتوجه المغالطات القصصية إلى قدراتنا المحدودة على النظر في عواقب الأحداث دونما إقامة حبكة تفسيرية لها أو حولها، أو ما يعادل ذلك من إقحام رابط منطقي لها يقوم بتبريرها. فالتفسيرات تعقد رباطاً بين الوقائع وتجعلها جميعاً سهلة الاستذكار. وهذا الرباط يساعد في جعلها أكثر قبولاً ومنطقية.
في الحالة القصصية ثمة ميل إلى السردية وهي تتأتى – حسب رأيه – من حاجة بيولوجية مغروسة فينا تنزع إلى تقليص الأبعاد والاختصار، وفي هذا إشارة إلى نصف المخ الأيسر الذي يميل إلى التجريد والاختزال.والخطورة هنا تتمثل في أن البشر يكتنفهم العامل الشخصي والذاتي في أي نقل ما يعني انتفاء الموضوعية إضافة إلى الاعتبار النفسي ما يعني أن لا ثقاة ولا نقل صريح إنما نقل إنسي أي antropic ما يعني أن اضفاء الرغبات ونزع الممنوعات ومحاباة المرغوبات أمور من فعل النقل
وهنا فإن التبسيطية الروائية والتقليصية والتجريدية تؤثر على قدرتنا على رؤية الأحداث أو الوقائع غر القابلة للتنبؤ.
إن التشكيك والتمنع عن ممارسة فعل (الحكم) مرهق للإنسان، وقد يكون معاكساً للطبيعة البشرية، أي لما اعتاد عليه – برأينا – الإنسان من استخدام للنصف الأيسر المستعجل على القيام بالتجريد والأحكام في وقت يكون فيه النصف الأيمن الأقدر على التمهل.
وثمة – عند نسيم طالب – سبب آخر أكثر عمقاً يقف خلف ميلنا إلى الرواية، وهو ليس محض سبب نفسي، بل هو سبب متعقل بتأثير ترتيب اختزان المعلومات واسترجاعها في كل نظام، وهو يكمن في مشكلتين: الأولى في أن الحصول على المعلومات مضنٍ، والثانية أن اختزان المعلومات هو أمر مكلف. وأخيراً، فإن المعلومات تقع بين ثنائية أنها مكلفة الاستعمال ومكلفة الاسترجاع بآن.
إن أفراد الجنس البشري وهو على رأس هرم الرئيسيات (الثدييات) لديهم جوع شديد إلى القواعد والنظم لأنهم يريدون (تقليص) أبعاد المسائل بحيث يمكنهم إدخالها في رؤوسهم واستكمالها. إذ كلما كانت المعلومات عشوائية كلما اتسعت أبعادها وباتت بالتالي أصعب على التلخيص والتداول وربما (الإعقال). وهذا الميل إلى التبسيط يدفع البشر إلى التفكير في أن العالم هو أقل عشوائية مما هو عليه الحال في حقيقة الأمر، والبجعة السوداء هي ما نجد أنفسنا في مواجهتها مفاجأة بعد هذه النزعة التبسيطية (أي حجم التعقيد) وما يتأتى منه من ظواهر خارج سياق التبسيط.
ويذهب نسيم طالب إلى التأكيد على أن العلم نفسه فيه الكثيرمن الإثارة والروائية والعناوين التوكيدية؛ أي أن العلم جزء مما اعتاد عليه الإنسان.
وثمة آفة أخرى مرتبطة بالعامل الروائي وهي الكرونولوجية (التسلسل الزمني) التي تقود بدورها إلى التكرار وتضخيم آثر التكرار في السلوك البشري أو في الوقائع. فأن يحدث أمر جلل في شهر ما من السنة يجعل العلماء يتحسبون من تكراره في نفس الوقت من كل سنة (كانهيار البورصات مثلاً). وهنا، فإن المنظومة السردية من شأنها أن تفرض علينا خريطة خاطئة حول أرجحية الأحداث. ولهذا، فإن ثمة فساداً في القياس القائم على الرواية والنقل ولهذا فهو غير ممكن قبوله مرجعا في المعرفة
Discussion about this post