م. صالح الجرموزي
كان قدوم الامام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام إلى اليمن فاتحة خير ومطلع يمن وباب بركة على شعب الإيمان والحكمة وهو الشعب الذي ارتبط تاريخه بمواقف الحق ومواطن الخير , فكان في صدر المجتمعات استجابة وانقياداً للهدى والرشاد .
هذه الخيرية الجبلية التي عرف بها اليمنيون دفعت بهم في سنة280هـ ثم في سنة 284هـ لشد الرحال إلى جبال الرس بالحجاز إلى مقام الإمام الهادي طالبين منه المضي معهم إلى بلادهم ليقيم فيهم دولة الحق والعدل , بعد أن كانت الحالة السياسية والدينية والاجتماعية تنادي بضرورة الاصلاح والتغيير لما وصلت إليه من سقوط وانحدار و ومن كالإمام الهادي جدير بإخراج اليمن من ذلك النفق المظلم التي أدخلها فيه سلاطين الجور وأئمة الضلال
… ولكي نتعرف على ذلك الواقع ، ونقترب منه أكثر وخاصة في زمن كهذا الزمن الذي قلبت فيه الحقائق ، وحرفت فيه الوقائع وطمست فيه فضائل ومحاسن كبار العظماء كالهادي لكل ذلك وغيره يحق لنا أن نترك العنان لأجنحة التاريخ أن تحلق بنا لإلقاء الضوء على الواقع اليمني قبل خروج الامام الهادي عليه السلام ذلك الخروج الذي لا زال ثماره وخيره يرتع فيه أهل اليمن رغم كل ما أحيك ويحاك حولها .
وقبل أن نتكلم عن ذلك الواقع يحق لنا أن نسجل هنا تعجبنا المنبعث من مرارة الألم من الجهل والتحريف حول تاريخ اليمن وحول شخصية الامام الهادي الذي يمارس من قبل ابواق وأقلام يمنية معاصرة , ألم يعلم هؤلاء المشاغبون أنهم إنما يجنون على تاريخهم ويطعنون في ماضيهم الذي تغنى بعدله من أقصى المذاهب و البلدان منصفون وأشاد به وشهد له علماء كبار معتبرون ولنا أن نتعرض لبعض الشهادات ليعلم أن من تركه الأقارب سخر له الأباعد ولأن تنكر هؤلاء لعظمائهم فلقد أقبل عليه متعجباً ومنبهراً ومستعظماً غيرهم من أصقاع مختلفة
النسابة علي بن أبي الغنائم العمري – المتوفى سنة 441هـ -: “الهادي الجليل الفارس الدين الورع إمام الزيدية، وكان مصنفا شاعرا ظهر باليمن، مات سنة ثماني وتسعين ومائتين، وكان يتولى الجهاد بنفسه ويلبس جبة صوف وكان قشفا رحمه الله” [المجدي في انساب الطالبيين ص 231 ]
الإمام علي بن حزم الظاهري – المتوفى سنة 456هـ -: “ومنهم القائمون بصعدة من أرض اليمن ؛ فمنهم: جعفر الملقب بالرشيد، والحسن المنتخب، والقاسم المختار، ومحمّد المهدي، بنو أحمد الناصر بن يحيى الهادي بن الحسين بن القاسم الرسي ابن إبراهيم طباطبا؛ وليحيى هذا الملقّب بالهادى رأي في أحكام الفقه، قد رأيته، لم يبعد فيه عن الجماعة كل البعد” [جمهرة أنساب العرب ص 44 ]
المؤرخ النسابة أحمد بن محمد القرطبي – المتوفى نحو 600هـ -: “وكان قدوم الهادي يحيى بن الحسين إلى صعدة لستة خلت من صفر سنة أربع وثمانين ومائتي سنة وكان بين خولان فتنة عظيمة وربيعة فاصلح بينهم واتفقت كلمتهم فملكوه بلاد خولان، وساروا معه إلى اليمن حتى ملكها، وكانوا عمود أمره ونظام دولته، فأقاموا على ذلك حياة يحيى بن الحسين الهادي وحياة ابنه محمد بن يحيى وحياة ابنة الناصر بن يحيى”[ التعريف بالانساب والتنوية بذوي الاحساب ]
العلامة المؤرخ محمد بن أحمد الذهبي – المتوفى سنة 748هـ -: “يحيى بن الحسين بن القاسم بن طباطبا العلوي ، كان قد غلب على اليمن ، ودعي له بصنعاء وما والاها عنه ، وضربت السكة باسمه ، ثم خرج من صنعاء بعد غلبة القرامطة ، فصار إلى صعدة ، وتسمى بالهادي أبي الحسن ، وملك نجران وتلك النواحي ، وخطب له بأمير المؤمنين ، وكان حسن السيرة ، مات سنة ثمان وتسعين ، قام بعده ولده محمد ، ولقب المرضى”[ تاريخ الإسلام ج22ص321 ]
المؤرخ النسابة أحمد بن علي المعروف بابن عنبة – المتوفى سنة 828هـ -: “أما يحيى الهادي بن الحسين بن الرسي ويكنى أبا الحسين ، كان إماما من أئمة الزيدية جليلاً فارساً ورعاً مصنفاً شاعراً ، ظهر باليمن ويلقب بالهادي إلى الحق ، وكان يتولى الجهاد بنفسه ويلبس جبة صوف ، له تصانيف كبار في الفقه قريبة من مذهب أبى حنيفة”[. عمدة الطالب ص171]
العلامة المحدث يحيى بن أبي بكر العامري – المتوفى سنة 893هـ -: “وقد قاموا بالإمامة بشروطها قاهرين ظاهرين فقام منهم بنجد اليمن نحو بضع وعشرين إماماً ، أولهم وأولاهم بالذكر الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى ، كان مولده بالمدينة ، ومنشاؤه بالحجاز ، وتعلمه به وبالعراق ، وظهور سلطانه باليمن سنة ثمانين ومائتين ، وكان جاء إلى اليمن وقد عم بها مذهب القرامطة والباطنية ، فجاهدهم جهاداً شديداً ، وجرى له معهم نيف وثمانون وقعة لم ينهزم في شيء منها ، وكان له علم واسع ، وشجاعة مفرطة”[ الرياض المستطابة في معرفة من روى في الصحيحين من الصحابة ص307.]
العلامة أحمد بن محمد الأدنه – المتوفى في ق 11هـ -: “يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو الحسين .. ويلقب بالهادي ، ولد في المدينة في سنة خمس وأربعين ومائتين, وكان عالماً عاملاً وله مصنفات كالأحكام والمنتخب والتفسير في معاني القرآن، مات بصعدة في شهر ذي الحجَّة سنة ثمان وتسعين ومائتين”[ طبقات المفسرين ص45]
العلامة محمد بن أحمد أبو زهرة – المتوفي سنة ١٣٩٤هـ -: “هو الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي ، فهو حفيد الرسي كما أشرنا من قبل ، وقد ولد بالمدنية سنة 245 ، وعكف على الفقه يدرسه من كل نواحيه ، وفي كل مصادره ، وقام هادياً مرشداً يدعو إلى الله سبحانه وإلى صراط مستقيم ، وكان مرجعاً في الدين من كل الطوائف الإسلامية والأمصار المختلفة يسألونه ويستفتونه ، وهو يرد عليهم برسائل قيمة أثرت عنه ، يدافع فيها عن القرآن والسنة ، ويبين الحق الذي يرد زيغ الزائغين”[ الإمام زيد حياته وعصره – آراؤه وفقهه ص509]
القاضي عبدُالله عبد الوهاب الشمَاحي – المتوفي سنة 1406هـ -: “لقد كان الهَادِي مثلاً لصفات القائد والقدوة الحسنة لأتباعه، مترفعاً عن سفاسف الأمور، وعن المتع، شجاعاً في المعارك والأهوال، وفي تطبيق ما يؤمنُ به ويدعو إليه، معتدلاً حتى مع أعدائه”[اليمن الإنسان والحضارة ص١١٦]
الدكتور أحمد صبحي – أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الإسكندرية -: “ولم يكن في حربه يتبع هارباً ولا يجهز على جريح ، وإن طلب المهزومون الأمان أمنهم ورد إليهم أسلابهم ، وكان يتشدد على عسكره أن لا يدخلوا الزرع ولا يستحلوا لأنفسهم شيئاً من ثمار المزارعين ، وحينما اغتصب بعض جنده في ((أثافت)) شيئاً من الخوخ غضب وثار واحتجب عنهم وهمَّ بتركهم وقال : لا يحل لي أن أحارب بمثل هؤلاء، ولا أكون كالمصباح يحرق نفسه ويضي لغيره ، والله ما هي إلا سيرة محمد أو النار ، ولم يسكن غضبه حتى أبدوا ندمهم وتوبتهم عما فعلوا ” [في علم الكلام – الزيدية ص١١٤].
هذا الشهادات العلمائية صعقات تنب كل من يتجاهلون تاريخهم وحضارتهم وأهل الشح بالتعرف على ماضيهم وأمجادهم النابع من روح الإسلام.
شهدت اليمن في القرن الثالث متغيرات وأحداث متغيره ومرت بمرحلة من الضعف والتدهور طالت كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية كما أشرنا سابقاً وهنا نحاول أن نقف على بعض تلك الحقائق ونستقرأ بعض ذلك الواقع الذي عاشت اليمن في حقبة تاريخية كانت كل الأصقاع الإسلامية تعيش حالة التيه والضعف الذي انعكس على الحالة اليمنية قبل مجيء الإمام الهادي عليه السلام وهو ما نلخصه هنا .
الحالة الدينية قبل مجيء الهادي عليه السلام. يتبع……….(2)
Discussion about this post