بقلم ناجي امهز
منذ تسعة سنوات كتبت “امريكا الشيطان تحاصر اوروبا وتعزل روسيا وسوريا وتستنزف ايران” وكان هذا المقال قد حفر بدقة في استراتيجية الشرق القادمة، وكل كلمة فيه تشكل معجم من الرؤية الذي طبق بحذافيره وكانه القدر.
ومن نفس العام بدأت امريكا بمحاصرة اوروبا وقد ظهر هذا الحصار جليا من خلال تدفق الالاف من السوريين بسبب الحرب التي اشعلت بسوريا، رافقه انكماش اقتصادي مرعب في الاسواق المالية الاوربية مما دفع بريطانيا للخروج بمحاولة لإنقاذ نفسها مما هو قادم على القارة الاوربية حيث كانت كلمات رامسفيلد تتردد مثل الصدى في عقول الاوروبيين “اوروبا عجوز اوروبا عجوز” والعجوز ايامه معدودة.
اخذت اتابع التصريحات البريطانية طيلة سنوات وانا انتظر ان تعلن بريطانيا موقفها مما يجري، لان عقلي كان دائما يتذكر كلمات رئيس وزراء بريطانيا جيمس كالاهان (1976- 1979) الذي قال لكيسنجر ابان الازمة القبرصية التركية.
” قال كيسنجر لم ينسى كالاهان ان يذكرني بمهارة بلاده، قائلا انتم تستخدمون العضلات ونحن نغسل الادمغة”
ومشكلتي اني افهم النظام العميق، وفهمت ان كالاهان نجح بغسل دماغ كيسنجر، لان تصريح كيسنجر بعد ممانعة طويلة لاي متغير بأوروبا قال في مذكراته رفضت عزل اليونان واذلالها لاني اعتبرها عمودا اساسيا في استراتيجية حلفنا “الناتو” ولكن من وجهة نظر جيوسياسية فأن تركيا اكثر اهمية، فمجاورتها للشرق الاوسط واسيا الوسطى والاتحاد السوفياتي واوروبا تجعلها لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للسياسة الامريكية في جميع هذه المناطق، لقد كانت تركيا حليفا قويا ووفيا طيلة الحرب الباردة، كما ان القوات التركية قاتلت الى جانبنا ببسالة في الحرب الكورية، ويوجد فيها 26 محطة الكترونية لرصد انشطة الصواريخ والنشاطات الفضائية السوفيتية ، وجميع هذه الامور تجعلني عازفا عن فرض اي عقوبات عليها.
ويقول كيسنجر كان الهم الاكبر لمجموعة واشنطن للعمليات الخاصة، ان تحول دون وقوع حرب بين دولتين حليفتين في الناتو، مما شانه ان يدمر الجناح الشرقي للتحالف ويفتح الطريق امام تسلل السوفيتي الى البحر الابيض المتوسط.
” اكتب هذه الفقرات لان الذي لا يقرا التاريخ سيكون ضريرا بالمستقبل وان كان فيه بصر، كما ان الدول الكبرى لا تغير سياستها الاستراتيجية مثل ما يظن بعض الاستراتيجيين الذين هم مثل تجار البورصة كل يوم براي وفكرة وخطاب، وخاصة ان صناعة الراي العام لا تقوم على نشر الغباء والتسطيح الفكري”.
وهذه اول خسارة منيت فيها اوروبا بسبب الجيوسياسية الامريكية، وظهر الدور التركي الذي من احد اهدافه منع الروس من الوصول الى البحر الابيض المتوسط.
هنا انتهى الشق الاول من المقال وحصار اوروبا
وبدا الشق الثاني المقال وهو عزل روسيا وسوريا…
ومع انتخاب اردوغان في عام 2014 ظهرت عودة الصورة الاسلامية بثوبها الاخواني، وبالرغم من سقوط حكم الاخوان بمصر الا ان وضوح المشهد دفعني بعام 2016 كتابة مقال عنوانه “خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي يعني عودة الاخوان المسلمين”، وقد اثار هذا المقال عاصفة من الردود في حينه، الا انه اليوم عنوان عريض لكبريات الصحف العالمية خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي يعني عودة الاخوان المسلمين.
وما تشاهدونه اليوم في سوريا حيث يشن الجيش التركي الحرب على الجيش العربي السوري وحلفائه ما هو الا محاولة لعزل روسيا وسوريا، بانتظار خروج امريكا التي وقعت اتفاق سلام مع حركة طالبان الاخوانية بأفغانستان.
لذلك ارفض مقولة ان الجيش العربي السوري وحزب الله يقاتلان على محور كذا وجبهة كذا، لان هذه المفردات التي يستخدمها اعلامنا تحديدا هي كلمات مؤذية في اللاوعي عند الانسان، وتجعلنا نخسر الكثير، لان الحقيقة ان الجيش العربي السوري وحلفائه منهم حزب الله وايران هم يدافعون عن وطن وامتداد طبيعي، بوجه من يعتدي عليهم.
وعلى روسيا ان تعلم انها بخطر اشد مما تتعرض له سوريا، وعليها ان تخرج من النصف قرار التي تتخذه دائما وهي ملزمة بالدفاع عن سوريا كل سوريا وان تواجه اي اعتداء اسرائيلي كان او غيره، وان تقف بقوة ودون استحياء الى جنب ايران، وتتقاسم معها ما يمكن ان تتقاسمه اقله الجانب الاقتصادي، وان تسارع قبل ان يشتعل القوقاز ضدها وتنشط الحركات الجهادية مرة ثانية وهنا سيكون انسحابها من البحر الابيض المتوسط ، اسرع من خروجها من افغانستان على يد حركة طالبان.
وفي القسم الثالث من المقال وهو استنزاف ايران،
ايران الجمهورية الاسلامية التي قدرها ان تدافع عن مكانة شعبها والحقوق العربية والاسلامية والمنطقة، بينما الرجعية العربية لم تترك سكينا الا وطعنت ايران فيه.
ايران التي تمتلك اعظم العقول تدرك انها وسط شرق اوسط ملتهب وان نيرانه ستلتهم المنطقة من القدس حتى موسكو، وهي ان توقفت عن المواجهة ستقع وان فاوضت ستضيع لان الصهيونية التي تسيطر على امريكا لن تتراجع عن مشروعها، وان السبيل الوحيد امام ايران لانقاذ المنطقة وانقاذ شعبها هو اقتلاع المشروع الصهيوني، والصهيونية العالمية تعلم بانها لن تحقق اهداف مشروعها طالما ايران قوية، وخاصة ان قتال ايران لن يوصل الى نتيجة لان الشعب الايراني العقائدي اظهر الكثير من البسالة والبطولة وقدم الكثير من التضحيات والفداء قل نظيرها حين دافع بشراسة عن دولته في الثمانينات، فكان المخطط استنزاف ايران باكثر من مكان، بدء من لبنان مرورا بسوريا حتى اليمن، وبعد ان تم التأكد بان ايران هي اكبر من مساحة الاستنزاف ان كان بالحرب السورية او اليمنية المباشرة، او حتى بالحرب الاقتصادية على بيئة المقاومة في لبنان ذهبت امريكا الى فرض عقوبات اقتصادية مباشرة عرفت بالأقسى على مر التاريخ منذ نشوء الكيانات.
وكنت كتبت في 15/10/2017 مقالا حمل عنوان : “نتنياهو يرد على السيد بوجود ترامب اثناء العشاء في القدس” شرحت فيه بالتفصيل الممل ماذا يحدث.
ان ما يحدث الان وما حدث طيلة السنوات التسع الماضية على خارطة جغرافيا المقاومة، ما هو الا مناوشات كانت تمهد الطريق لما هو قادم على المنطقة، والقادم لا يمكن وصفه وحجم تداعياته ومشهد دماره، وان لم يصغي اصحاب القرار لما ينشر من طروحات او يغير بأسلوبه الاعلامي وسلوكه السياسي، ويبدا بإحصاء عثراته وان كان يظنها هفوات صغيرة، فان غرق السفينة يبدا بثقب ابرة.
Discussion about this post