مصباح_الهمداني
ملتقى الكتاب اليمنيين
————
الصحيح أن أقول معركة، لكنَّ ما حدَث يتجاوز المعركة بكثير، والمخرطة قد تكون الكلمة الصحيحة لهذه المعركة.
بدايتها في الرياض، حيثُ جَمعَ السعودي نعاله العتيقة الرابضة الهاربة في الرياض وفي مدينة مارب، ووجه لهُم أمرًا لا يقبلُ الجدَل:
-كفاية رقدة، إمَّا أن تتحركوا، وإلاَّ استبدلناكم بوجوه جديدة، وطارق عفاش موجود، وقد أدى الولاء والطاعة سرًا وجهرا، وأقسمَ الأيمان أنه على استعداد لفِعل ما عجزتم عنه.
يحك العجوز الهرِمْ أنفه، ويتنحنح:
-يا سيدي نحن لها لكن الجو برد، ونحتاج سلاح وزلط، وطيران وطارق لو فيه خير ما ترك عمه وهرب بالبالطو.
ويأتِ الجواب سريعًا:
-وأنتَ كيف هربتْ يا حرم السفير.
يتدخل السعودي بصوت حازم:
-كلمة واحدة زيادة، أكبسكم كلكم السجن وأسلط عليكم البنقال يجلدونكم جلد البغال.
ويُكمِلُ حديثه:
-شاحنات بطانيات وجواكت وسلاح وفلوس تخرج الآن بمعيتكم والطيران معكم، ولكم مهلة عشرة أيام.
وبصوتٍ حاد غاضب يختم حديثه:
-فضحتونا أمام العالم خمس سنوات، ونحن نعلفكم، ولا فيكم فايدة، والحوثي يهزمكم في كل معركة، هيا انصرفوا صرف الله هذه الوجوه الكالحة الجائعة التي لا تشبع ولا تقنع ولا تنفع.
يجر العجوز يديه ويزحف بقدميه ذليلًا، وخلفه البرميل الصامت البدين، وعدد من الضباط، ويبقى سعيد الحظ أبو بالطو.
في مارب يتم توزيع ربع البطانيات، وبيع ثلاثة أرباعها في السوق، ويتم صرف نصف راتب، وتخزين نصف السلاح في بدرومات لا يعلمها إلا المحافظ العرادة وحرم السفير، ويبدأ تجهيز المرتزقة، ووعدهم بالأموال الضخمة إن حققوا اختراقًا في جبهة نهم، وتكفلت الكتيبة السادسة في اللواء 29 بإحداث فجوة في جدار الحوثيين وبعدها تتوالى الكتائب، ويتم السيطرة بالكامل.
كانَ الجيش واللجان تصلهم كل الأخبار، والمعلومات المؤكدة من قلب الرياض، إلى قلب مدينة مارب، وتم إرسال رسالة واضحة، بأن أي تصعيد لن يقابله إلا الضرب من حديد…
كل مجاهدٍ يعرفُ عمله، وفي قدميه بأسُ الجبال، وفي برنامجه كل احتمال، ومع البرد القارس، والرياح الماطرة؛ إلَّا أن هُناك دفء رباني، وسكينةٌ إلهية، وأنسٌ لا حدود له، وبجوار كل رشاش، هناكَ مصحفٌ وملزمة، يقول أحد المجاهدين وهو يشير إلى ما بين يديه:
-نملأ قلوبنا بهذين، ونملأ رؤوسهم بهذا.
تشتعلُ الجبال بقذائفٍ كثيرة، ويقصف الطيران بغارات متعددة، وتبدأ كتيبة الاقتحام بالتقدم بالدبابات والمدرعات، ويسرح آلاف المرتزقة إلى الخطوط الحمراء كالغنم، وما إن امتلأت السهول بكامل الكتيبة، حتى أعطى القائدُ إشارة تنفيذ المخطط المُعد، وتبدأ البوازيك والصواريخ الموجهة والرشاشات الدقيقة في حصد العشرات ثم المئات، من ثلاث جهات، تشكِّلُ كماشةً مُحكمة، وبدأت أصوات العويل والبكاء؛ تزاحمُ أصوات السلاح، وتتفوق عليها، ويصدر الأمر من قائد الأبطال، بنداء المرتزقة من خلال مكبرات الصوت، ويصدحُ صوتٌ جهوري مزلزل:
-يا مرتزقة أنتم محاصرون، والموتُ أمامكم، ولا نريدكم أسرى، فقد مللنا إطعامكم وإلباسكم ولدينا الآلاف (حانبين بهم) ولكن أمامكم العودة من حيث أتيتم على أقدامكم وبسلاحكم الشخصي فقط.
يصلُ الصوت إليهم وترتفعُ أصواتهم بفرحة النجاة بعد الموت بالموافقة، وينسحبون وأقدامهم تدوس المئات من القتلى والجرحى من زملائهم…
يصدحُ الصوت ثانيةً:
-اسحبوا جثث قتلاكم وجرحاكم.
لكنَّ غبار أقدام الهاربين يبتلعَ الصوتَ بلا جواب.
ضاعتْ ضربات الطيران الكثيفة في الجبال الشامخة، وركعت المدرعات والآليات والسلاح السعودي الجديد تحت أقدام المجاهدين، وتم جمع العتاد وإيداعه بطون الجبال المُتخمة.
وفيما كانت الإمارات تُصر وتستعجل اللواء الرابع حماية على الالتحاق بالهجوم الواسع، لتُلقي به في فوهة البركان المشتعلة؛ كان ضباط اللواء يتعللون بأنهم في طور التدريب والتأهيل، لكنَّ نواميس العطاء الإلهي تعطي كل ذي حق حقه وإن كان بعيدًا، وينزل صاروخ مسدد في ذات المعسكر، ويشتت المشتتين، ويجعل منهم أثرًا بعد عين، ويعترفون حتى الآن بمقتل خمسين، ولكن العدد أضعاف ذلك بكثير.
كتيبة انتهت ولم يعُد منها إلاَّ القليل، ومعسكر يتحول إلى رماد، وجثث لا تجدُ من يدفنها، أو يلف شتاتها بأكياس زبالة، وحالة لا تشبهها في الكون حالة، وكلٌ منهم يُسابق الزمن لإيصال معلومة.
“تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى”
فلؤلئك المرابطون العظماء في رؤوس الجبال الشماء، وفي قلب هذا الشتاء؛
سلامُ الله عليكم، فأنتم الفخر والعز والمجد والكرم، أنتم الجبال على الجبال، والأسود في الأدغال، والفوارس والأقيال.
سلام الله عليكم، وأنتم تحطمون ترسانة دول العالم تحت أقدامكم الطاهرة.
“وما النصر إلا من عند الله”
Discussion about this post