كتب رياض الفرطوسي
في زاويةٍ معتمةٍ من العقل، حيث تتراكم ظلال الخوف والانكسار، يولد الفكر المنكسر، متشبثاً بفكرة أن الحدث الأخير هو المصير المحتوم. يرى الحياة وكأنها مشهدٌ وحيدٌ لا يتكرر، والنهايات كأنها أحكامٌ لا رجعة فيها، متجاهلًا أن الزمن نهرٌ متدفق، لا يتوقف عند عقبةٍ واحدةٍ، بل يمضي في دورانه اللامتناهي كما يظن الطائر الذي يعلق في شباك الصياد أن السماء لن تفتح له أفقها مرة أخرى، كذلك يعتقد المنكسر أن كل خسارةٍ هي سقوطٌ أبدي، وأن العثرات مجرد قبورٍ تحفرها الأيام. ينظر إلى انعكاسه في مرآةٍ غائمة، فلا يرى إلا كدماتٍ متخيلة، متجاهلًا أن الغيوم نفسها التي تحجب الشمس قد تكون سبباً في هطول المطر، حيث تنبت الأرض من جديد إنه عقلٌ تشكَّلَ عبر الزمن وفق معايير حادةٍ للفشل والنجاح، فبات أسيراً لنظرةٍ أحادية، يرى بها لحظة الانهزام وكأنها فصل الختام، والنصر وكأنه تاجٌ لا يناله إلا المحظوظون. يراقب الحياة من بعيد، كما لو كان رهينةً في سجن أفكاره، ينتظر حكماً لا يصدر إلا من ظلال الماضي، غير مدركٍ أن الأيام كتابٌ لا تنتهي صفحاته بمعركةٍ عابرة الهزيمة ليست سقطةً نهائية، بل درسٌ يتعلمه المرء ليعيد ترتيب خطواته، كما أن النصر ليس رايةً تُرفع لمرةٍ واحدة، بل مسيرةٌ طويلةٌ من الصبر والتطور. وحده من يدرك أن الألوان تمتزج لتشكّل لوحةً متكاملة، وليس مجرد ثنائية قاتمة من الأبيض والأسود، يستطيع أن يرى في كل سقوطٍ فرصةً جديدة، وفي كل خسارةٍ نقطة انطلاقٍ أقوى مثل زهرةٍ تسقط أوراقها في الخريف، لكنها تعد نفسها للربيع القادم، كذلك يمكن للإنسان أن يعيد بناء نفسه، متجاوزاً أحكام اللحظة الواحدة. أما من استسلم لصوت الهزيمة، فسيظل في متاهة الخوف، يفسر كل نسمة ريحٍ على أنها عاصفةٌ هوجاء فهل آن الأوان لنكسر مرآة الهزيمة، وننظر إلى الحياة بعينٍ ترى ما وراء اللحظة، بعيداً عن قيود الذكريات المثقلة بالانكسارات؟.
Discussion about this post