تغطية خاصة لآخر تطور الأحداث وتداعياتها محلياً وإقليمياً ودولياً بتاريخ 18/3/2023 على شاشة الفضائية السورية.
قراءة في زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى موسكو: التوقيت ـ الدلالات ـ الرسائل ـ النتائج..
الموقف التركي ومستقبل العلاقات التركية ـ السورية.
الانفتاح على سورية، والاتفاق السعودي ـ الإيراني برعاية صينية.
إدارة الحوار: الإعلامية المتألقة سهير مخلوف
ضيفا البرنامج:
الكاتب والباحث السياسي د. حسن أحمد حسن في الأستوديو.
عبر السكايب من بيروت الكاتب والباحث في العلاقات الدولية د. عبدو اللقيس
ـ الإعلامية سهير: أبدأ مع الدكتور حسن والعنوان الأبرز الذي كان على وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية هو الزيارة التاريخية الهامة للرئيس الأسد إلى موسكو، وكل ما رافقها من صور ولقاءات ونتائج.. أبرز ما لفت نظر حضرتك د. حسن في هذه الزيارة .. نسمع رأيك..
د. حسن: الاهتمام بالزيارة لم يستأثر بالاهتمام في الأيام السابقة فقط، بل وعلى مسؤوليتي الشخصية ستبقى هذه الزيارة، والقراءات المتعددة في مضامينها، والبناء على ما قد يتمخض عنها من نتائج ـ ستبقى ـ الشغل الشاغل لمراكز البحث والدراسات الإستراتيجية لفترة طويلة.. من أراد أن يعرف حقيقة ما حدث في السابق، وما يحدث اليوم وما قد يحدث لاحقاً فليعد إلى ما تم نشره من أخبار عن الزيارة،.. ليعد إلى مضامين اللقاءات التي أجراها السيد الرئيس، والأجوبة التي قدمها على التساؤلات، ومن المهم هنا التوقف عند مجموعة من النقاط ولو سريعاً، ومنها:
ـ أشار السيد الرئيس إلى أن هناك تغيرات في العلاقات الدولية ـ تغير في الاصطفافات ـ وبالتالي كان لابد في مناقشة تلك المتغيرات الكونية والاستمرار ببناء تحالفات مع الدول التي تجمعها المبادئ والمصالح المشتركة لتشكيل قوة فاعلة تعمل لتحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في مواجهة السياسات الغربية القائمة على نشر الفوضى.. إذن هناك قسم أساسي خاص بمن يدور في الفلك الأمريكي، حيث تقوم العلاقات البينية على المصالح فقط، وقد تبين أن هذه المصالح توجه دائماً باتجاه الأقوى، وقد أشار سيدته في معرض بعض إجاباته إلى أن العالم محكوم بقانون القوة، وبالتالي لمواجهة أنصار هذا القانون لابد من تحالف المتضررين منه، وهذا يتطلب بحثاً ودراسة ومناقشة التداعيات المحتملة من قبل الأطراف الأخرى..
ـ هذه الزيارة واللقاءات والمباحثات التي أجراها السيد الرئيس، وما نتج عنها يعطينا مؤشراً إلى أن تلك الهيمنة والاستمرار بالتضليل الاستراتيجي الأمريكي بخاصة والأوربي بعامة لا يمكنه الاستمرار، ويجب إيقافه عند حد، وهذا يتطلب إعادة النظر في آليات المواجهة، ومن خلال جلوس بقية الأطراف المتضررة من هذا النهج العدواني القائم على مبدأ القوة، وليس على مبدأ القيم.. أنا أفهم كمتابع أن المصالح جزء أساسي لأية علاقات دولية، وإذا انطلقت العلاقات الدولية من المصالح فقط فهذا يعني أن كل طرف سيسعى ليكسب أكثر ما يمكن، وهذا يعني انتفاء أسباب التعاون والتواصل الخلاق، ومن خلال حديث السيد الرئيس يتبين أن العلاقات الدولية ليست مستندة إلى المصالح فقط، بل هناك مبادئ وقيم.. عندما يتم العمل على توحيد الجهود بمواجهة القوى الشريرة.. بمواجهة من يعتمدون القانون الدولي منصة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.. بمواجهة من يفصلون المصطلحات، وأعطى سيادته أمثلة دقيقة: الحرية كمصطلح رائع، لكن عندما ينتقل من المعنى العام للمصطلح ليقتصر على حرية القتل والتخريب والاعتداء يفقد جوهره، وبالتالي من المهم كثيرا التوقف عند العديد من النقاط بمزيد من الإحساس بالمسؤولية.
ـ الإعلامية سهير: دكتور حسن! من خلال الكلام الذي قيل واستمعنا إليه والتحليلات التي قيلت أيضا بناء على كلام الرئيس الأسد لأكثر من وسيلة إعلام روسية بأن هناك انقساماً عالمياً واضحاً اليوم ما بين محورين.. يعني عندما يقول الرئيس الأسد المنطق الروسي في العلاقات الدولية مغاير تماما للمفهوم الغربي، خاصة أن الغرب يعتمد دائما على منطق التبعية والاستعمار، بينما الروس يتعاملون بندية مع أطراف الحلفاء، وليس بحالة الفوقية مع الدول الأخرى، وكان هنالك إشارات عديدة، فهل نشهد اليوم في العالم ترتيبات جديدة وفق هذه الانقسامات.. يعني هل أدركت عدد من الدول أنه بالفعل مصلحتها يجب أن توقف الأمريكي عند حده بهذه الحالة من التبعية، وإذلال الدول التي تتحالف معه، والأمثلة كثيرة.. ما رأي حضرتك بهذا الأمر؟.
ـ د. حسن: كثيرة هي الأفكار التي تضمنها جوابي ومنها باختصار:
• أنا لست متشائماً، لكني لست على هذا القدر الكبير من التفاؤل المفرط.. نحن نتحدث عن تغير في اتجاه بوصلة العلاقات الدولية، وتوازن القوى على المستوى الدولي.
• من المهم التميز بين رغباتنا الشخصية وتمنياتنا وبين الممكن.. شخصياً أتمنى أن يُسْحَقَ الناتو على الجغرافيا الأوكرانية، وأن تُسْحَق كل عوامل الهيمنة والجبروت والغطرسة الأمريكية والصهيونية، وكل من يدور في هذا الفلك في المنطقة وخارجها.
• هذا الكلام يبقى أقرب الأحلام والأمنيات، وهذا لا يعني أنه لا يوجد قوى جديدة صاعدة استطاعت أن تشق عصا الطاعة الأمريكية..
• السؤال الأهم لمن يعود الفضل في تبلور مثل هذه الظاهرة؟. بعد غزو لعراق واحتلاله رغم أنف المجتمع الدولي.. غالبية الدول خفضت رأسها تحت الطاولة، وفي ذروة الهيمنة والجبروت الأمريكية سورية بشار الأسد قالت لا للإملاءات الأمريكية التي أحضرها كولن باول بعد الإطباق على العراق، وعلى تلك “اللا” السورية استندت كل “لا” أخرى تبلورت بعد ذلك التاريخ، والسؤال المشروع الموجه إلى كل متابع يريد أن يعمل الذهن: ماذا لو تصمد سورية في مواجهة الإرهاب التكفيري المسلح المدعوم عالمياً…وهل كنا سنسمع عن عودة لتحكيم العقل لو أن الناتو استطاع أن يفرض شروطه على روسيا في أوربا الشرقية؟.. ماذا لو لم تستطع إيران التمسك بمواقفها والدفاع عن حقها المشروع في امتلاك تقانة الطاقة لنووية؟…ماذا لو لم تقم روسيا بعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا لوقف تمدد الناتو وزحفه واقترابه من حدودها؟. ماذا عن الصعود الصيني غير المسبوق اقتصادياً؟.. نعم العالم بكليته يمور، وهذا ما أشار إليه السيد الرئيس في حديثه عن أن التغير في الاصطفافات يتطلب أن يجلس الشركاء والحلفاء ويناقشوا كيف يمكن توزيع الجهود وتقسيم الأدوار لمواجهة ما تبقى من مخططات الهيمنة والسيطرة على القرار الدولي برمته.
• يجب ، ألا نغتر كثيراً عندما يتراجع عدونا خطوة إلى الخلف يكون يفكر في الخطوة بعد التالية قبل أن يتراجع..
• هناك عوامل قوة وعوامل ضعف، وبالمحصلة إذا أردنا الاحتكام إلى كفتي التكلفة والمردودية في الميزان الاستراتيجي تكون النتيجة: نقاط القوة لروسيا ومحور المقاومة ومن معهم في ازدياد، ونقاط الضعف لدى أطراف المحور الآخر في ازدياد أيضاً.
ـ الإعلامية سهير: هل تريد التعليق على ما تفضل به الدكتور عبدو، وأضيف إليها أيضاً جولة على أبرز السياسات التركية، وكيف يمكن أن نفهم الموقف التركي اليوم من سورية، وما الذي نتوقعه من السياسة التركية مع هذه التطورات؟
ـ د. حسن: ما يتعلق بالموقف التركي… أمد الله بعمر السيد الرئيس فقد أراح المحللين من عناء التفكير وتقديم الرؤى الخاصة المقنعة، حيث أعطى سيادته التوجه العام للسياسة السورية تجاه المواقف التركية، وقدم القراءة الدقيقة بوضوح وعلمية ومنطقية: واحد زائد واحد يساوي تنين، وهنا أشير إلى بعض الأفكار المهمة، ومنها: .
ـ أبناء الزمن هم الذين يصنعونه ويهندسون معالمه. من يقبل أن يرتهن لتطورات الزمن ما لم يكن قادراً على التعامل مع المستجدات فسيتجاوزه الزمن ويخلفه وراءه.
ـ أنا كمواطن سوري لا يعنيني إن نجح أردوغان في الانتخابات القادمة أم لا، وما يعنيني كمواطن سوري محتلة أرضه وسياسة التتريك تمارس علناً منذ 12عاماً أن لا يستمر هذا الواقع… تركيا قوة احتلال، فعن أي لقاء يمكن الحديث في ظل أعلى وأقسى الجرائم الإنسانية وهي جريمة الاحتلال.
ـ السيد الرئيس كان واضحاً في مواقفه التي تؤكد أن سورية مع أي حوار يؤدي إلى نتائج، وليس الحور للحوار.
ـ الحديث عن موقف تركي من انضمام فنلندا إلى الناتو كان عكس ذلك، وهذا يؤكد صحة عدم المراهنة على ما يعلن من مواقف تركية لأن التراجع عما يتم إعلانه والتعهد به أمر يجيده أردوغان، وهذه الموافقة تشير إلى غزل أمريكي تركي من جديد.
ـ كل ما يتم الإعلان عنه من مواقف تركية أنا أفهمه كجزء من الذبذبة التي تميز السلوك الإخواني المرتكز إلى الانتهازية والتسويف.
ـ إذا كان الأتراك يحتجون بوجود فصيل كردي يشكل خطراً على أمنهم القومي، فأصحاب النزعة الانفصالية أولئك يشكلون خطراً على الأمن الوطني السوري قبل أن يشكلوا خطراً على الأمن القومي التركي، وأكثر عامل اطمئنان للأتراك لتلافي أية أخطار من تلك النزعة الانفصالية تكون بانتشار الجيش العربي السوري على امتداد الحدود التركية السورية، وليس باستمرار الاحتلال التركي لجزء من الجغرافيا السورية.
ـ اتخاذ أي قرار استراتيجي ليس ترفاً قيادياً ولا عملية عصف ذهني، بل نتيجة ترتكز إلى مجموعة من السيناريوهات المحتملة: 1 ـ2 ـ 3 ـ 4.. الخ وما هي إيجابيات وسلبيات كل سيناريو، وما هي تكلفته و مردوديته، وإذا قام الطرف الآخر باعتماد هذا السيناريو أو ذاك فما هو البديل عند متخذ القرار.
ـ لو لم تكن سورية ومعها حلف المقاومة يحسبون بهذه الطريقة العلمية المنطقية القائمة على المحاكمة العقلية لا العاطفية لكانت أمريكا انتصرت من زمان، ولما كان هناك تآكل في المحور الأمريكي، ولما كان هناك انحسار في الهيبة الأمريكية والأطلسية، ولما كن هناك تمدد وارتفاع بالآمل عند مجتمع المقاومة، وكل من يحلم أن يعيش بكرامة بعيداً عن العصا الأمريكية التي ترفع فوق رؤوس الجميع.
ـ الأستاذة سهير مخلوف: الأخبار اللبنانية تشير إلى زيارة علي شمخاني في الإمارات ، وتتحدث عن موجة التهدئة الإقليمية التي تتوسع، وسنبدأ بلمس الكثير من هذه الزيارات والتصريحات بين الجانبين بعد الرعاية الصينية لهذا لاتفاق.. لاشك أنه حدث ليس عاديا على الأقل في الفترة التي بدأنا نتابع فيها، وبدأ فيها وعينا للأمور السياسية والإخبارية.. حدث مهم جدا في العلاقات الدولية أن تقوم الصين بجمع إيران والسعودية بعد الكثير من الأمور التي شابت العلاقة بين البلدين، والتي يفترض أن تكون على أفضل حال كأشقاء وكأخوة وكدول جوار.. ما الذي ننتظره في الفترة القادمة على صعيد هذه العلاقات، وكيف ستتطور؟ كيف ستنعكس على الأزمات الكثيرة.. هنالك نقاط اشتباك عديدة .. هنالك في اليمن، في سورية وفي العراق ولبنان شهدت حالات اشتباك مباشرة أحيانا بين الطرفين.. اليوم كيف ستنعكس على كل هذه الملفات المفتوحة؟.
د. حسن: الحقيقة لدينا الكثير من النقاط المهمة التي يجب التوقف عندها، ومنها:
ـ أنتِ قلت” إسرائيل” منزعجة، والسؤال ما هو السلوك الموضوعي الذي يخدم الأمن والاستقرار إلا ويزعج “إسرائيل” لأنها كيان نشاز متناقض مع كل ما هو طبيعي، ولا يستطيع البقاء في أجواء طبيعية؟
ـ نستطيع أن نتحدث الكثير مما نتمناه، ومن ضمنه ألا يكون لدى ذاك الكيان ما لديه من مخالب وأنياب، لكن بالتحليل أنا لاستطيع الذهاب بهذا الاتجاه، فالكيان الإسرائيلي جبروت عسكري مدعوم من قبل عظمى، وبقدر ما يتم الانطلاق من حساب ما لديه من عوامل قوة وتدمير واتخاذ الاحتياطات المناسبة بقدر ما تكون النتيجة مضمونة.. أنا لا أستطيع أن أنظر إلى هذا الحدث الاستراتيجي المهم فيما يتعلق بإعلان الاتفاق بين السعودية وإيران برعاية صينية بعيداً عن علم أمريكا.. أنا هنا أتحدث بالتحليل وليس بالمعلومات.. بالمنطق أنا لا أراه بعيداً عن غض نظر أمريكي.. لابد من أخذ اللوحة بكليتها حتى نفهم الحدث.. الجميع يدرك بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم بحركة الكرسي من مكان إلى آخر في مكاتب المسؤولين ضمن دول الخليج، وبالتالي أن يكون تم كل ما تم الإعلان عنه من وراء ظهرها لا يمكن الركون إلى التسليم بصحته، ومن المهم النظر إلى الصورة من زاوية أخرى.
ـ واضح الآن أن الاستمرار بلغة التصعيد قد يؤدي إلى الذهاب نحو حافة الهاوية التي قد تؤدي إلى احتراق المنطقة، ولا أحد يستطيع تحمل مسؤولية ذلك وتداعياته.
ـ تدرك واشنطن أن حكومة نتنياهو هي الأكثر تطرفاً ـ وجميع حكوماتهم متطرفة ـ والسؤال ما المتوقع عندما تصل الأمور إلى قناعة مطلقة بأنه ما لم يتم تصدير أزمة الداخل المنقسم والمشتبك فهذا يعني نهاية الكيان الإسرائيلي، وليس فقط نهاية نتنياهو، وهذا ما صرح به رئيس الكيان ” هرتسوغ” ورئس الوزراء ورئيس الأركان السابقين وكثير من المسؤولين الإسرائيليين.
ـ أمام هذا الواقع ما هو المخرج الممكن؟ أمريكا لا تستطيع أن تؤمن للكيان الإسرائيلي ما يريد من حماية بالرغم من وجودها المباشر وأساطيلها، ولا تستطيع أن تسير وراء عدوانيته لأنها تعني اشتعال المنطقة أي ضرب مصالحها.
ـ الاختراق الذي حصل لإيصال نتنياهو وغيره إلى قناعة بأن الاستمرار بالتصعيد غير ممكن، وهذا لا يعني أن الأجواء الخليجية أصبحت مغلقة تماماً أمام الإسرائيلي، وإن كنا نأمل أن يحدث ذلك.. هناك الكثير مما يمكن أن يبنى عليه، العنوان الأبرز اليوم: تبريد الملفات.
ـ عندما نتحدث عن زيارة السيد شمخاني إلى الإمارات نتحدث عن متغير لا يمكن تجاهله، فإذا كنتم تقولون أن المشكلة مع إيران تتصل باحتلال جزر إماراتية، فالزيارة اليوم إيرنية للدولة المعنية.
ـ أحد أهم ما يمكن أن تسفر عنه كل هذه التحركات يتجه نحو وقف تسعير حمى التطبيع، فنار التطبيع تم تأجيجها بذريعة حماية دول الخليج من خطر العدو الإيراني، وتم الحديث عن تشكيل ناتو خليجي أمريكي إسرائيلي في موجهة إيران، فإذا عادت العلاقات الثنائية فهذا يعني سقوط وهم العدو الإيراني، وهذا يذكرني بالتخويف والتهويل من خطر العدو السوفييتي والجيش الأحمر الذي يمكن أن يقتحم العواصم الغربية، وتم اللعب على هذا الوتر على امتداد الحرب الباردة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وبغياب العدو المفترض و المتخيل والموهوم تسقط بقية الذرائع التي تشرعن التطبيع واحدة تلو الأخرى.
ـ موجات التطبيع الأولى الأساسية: كامب ديفد ـ وادي عربة ـ أوسلو تم تسويقها تحت عنوان “حماية القضية الفلسطينية” فإلى أين أوصلت هذه الاتفاقيات القضية الفلسطينية؟ كادت أن تنحر القضية الفلسطينية.
ـ موضوع ما أسموه “العقيدة الإبراهيمية” وحمى التطبيع الجديدة، والاختراق الصيني الإيراني في هذا التوقيت، وعودة الأمور باتجاه المسار الصحيح يعني الكثير.. لو يتم فقط فتح كوريدور يرى منه الخليجيون إيران وتراهم فهذا يعني إفقاد أمريكا والكيان الإسرائيلي ومن يقف معهم أهم ورقة وهي ورقة العدو المتوهم، أي فشل كل ما له علاقة بخلق عدو افتراضي للتغطية على الأعداء الحقيقيين… البعبع الذي تريدون الاستمرار بتخويف دول الخليج به لم يعد موجوداً، وهذا يعني أن تتجه دول المنطقة إلى ما يخدم مصالحها.
ـ من حق أي متابع أن يتساءل عن سر حمى الحركة التطبيعية مع حكام تل أبيب التي تكثف العمل عليها في السنتين الماضيتين، فهل السر في إعجاب حكام الخليج وغيرهم بالنموذج الإسرائيلي؟. هم يدركون بأنه يهدد كراسيهم.. لا أريد الحديث على مستوى دول ومؤسسات، بل على المستوى الشخصي للحكام أنفسهم.. إطلاق الحريات التي يتحدثون عنها يهدد كراسيهم.. نموذج الحياة المعتمد يهدد وجودهم حاضراً ومستقبلاً، وبالتالي هم ملزمون على التطبيع لأنه الأمل في بقائهم على كراسي عروشهم فترات أطول ليس إلا.. عندما يفتح هكذا كوردور مع إيران، فهذا يعني انسداد الكوردور الآخر الذي أريد له تصوير أن تبقى إيران البعبع الذي يخوفون به حكام المنطقة، والشماعة التي يعلقون عليها ما يريدون، وبالتالي إيران والصين بهذه الخطوة سحبتا الورقة الأهم من أيدي أطراف المعسكر الآخر عبر التخويف بعدو وهمي غير موجود على الإطلاق.
ـ الأستذة سهير مخلوف: ليس فقط سؤالي كان معقداً وفيه كذا نقطة، كمان جواب حضرتك شعَّبنا وأخذنا لمناطق عديدة، أود الرجوع لسؤالك: أنت قلت إن الاستمرار بالتصعيد اليوم غير ممكن، ولمَّحت إلى أن الأمريكي غير مبسوط أو مرتاح لهذا الاتفاق، لكنه غض الطرف كيلا تذهب الأمور إلى اشتعال أكبر لأنه لا أحد يحتمل هذا الاشتعال.. “سبوتنك” الروسية تنقل عن خبراء وتقول: واشنطن تسعى لعرقلة هذا المسار اليوم بما في ذلك استخدام العديد من الأوراق ضد الرياض بشكل خاص، فما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة كي تحاول ربما في الظاهر أن تشد الرياض مجدداً وتبعدها عن هذا لاتفاق؟.
ـ د. حسن: لا أود الحديث بخصوص ما ينشر في وسائل الإعلام.. أنا قلت هذه وجهة نظر تحليلية، لكن بالجوب المباشر على سؤال ما الذي تستطيع أن تفعله الولايات المتحدة الأمريكية أقول: تستطيع واشنطن إذا كانت جادة بغضون 24 ساعة أن لا يبقى نظام حكم واحد كم هو عليه لا في السعودية ولا في الخليج.. نحن نتحدث عن أكبر قواعد وقوى عسكرية ضاربة ومتمركزة في المنطقة وهي قادرة على خوض عمليات عسكرية على مستوى حرب كونية وليس فقط على مستوى دول المنطقة.. نتحدث عن التدخل الأمريكي المباشر في جميع مفاصل صنع القرار داخل كل إمارات ومشيخات وسلطنات ومملكات الخليج دونما استثناء.. ارتهان كامل، وبالتالي هي تستطيع أن تفعل الكثير، لكن السؤل هل التصعيد بهذا التوقيت يخدم الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل يساعدها في تحقيق أهدافها.. أتمنى على من يتابع ألا ينسى أن المشتغلين في السياسة في القوى المتنفذة لا يزعجهم أن يقال عنهم إنهم يكذبون.. الأمريكي لا يعنيه على الإطلاق أن يقول كل الناس إنه يكذب، بل على العكس يشعر بالسرور بينه وبين نفسه لأنه استطاع أن يمرر كذبه حتى على من يعرفون إنه يكذب، وبالتالي هذا يعني استمرار القدرة على الخداع والتضليل وتسويق المطلوب.
الإعلامية سهير مخلوف: هذه الفكرة قاتلة بالنسبة لنا نحن المتابعين للشأن السياسي..ففي وقت من الأوقات خرج جورج بوش الابن وقال: إن لديه تفويضاً إلهياً وسيدخل إلى العراق، والعالم بكليته سكت.. لم يخرج أحد ليحاججه ويسأله : ما الذي تفعله.. سكت العالم كله.. يوم أمس يصدرون بياناً يتضمن أن الرئيس بوتين مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، لم يقل لهم أحد: أنتم كم مليوناً قتلتم؟.
د. حسن: هذا هو المهم الذي يجب التوقف عنده والذي أشار إليه السيد الرئيس أكثر من مرة تحت عنوان: التدقيق بمضمون المصطلحات.. اسمحي لي هنا أن أبين أمراً مهماً أنت أشرت إليه: عام 2003 عندما غزت أمريكا العراق خارج مجلس الأمن وبما يتناقض مع القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة، وفرضت هذا الغزو أمراً واقعاً، ولم يعد بعد استكمال الغزو أي صوت مسموعاً.. الجميع التزم الصمت بما في ذلك بقية القوى العظمى والقوى الإقليمية الكبرى.. أتى كولن باول إلى سورية وكان وزير خارجية أمريكا منفوش الريش كالطاووس ومعه صك إذعان كامل “إنذار غورو جديد”.. الوحيد الذي استطاع أن يقول لا هو سورية السيد الرئيس بشار الأسد، وقيلت تلك “اللا” في زمن ذروة الهيمنة الأمريكية، وبالتالي على كل من يرى تغييراً يطرأ على النظام العالمي أن يعيد الفضل إلى مصدره وأهله.
الأستاذة سهير: أعود إليك دكتور حسن، وقد قدم لنا الدكتور عبدو مجموعة من الأفكار المهمة: قال إن هذا الاتفاق برعاية صينية سيحقق أمناً جماعياً للمنطقة، وسنترقب تطورات كثيرة..لدي أكثر من تصريح للشيخ طحنون بن زايد يقول: الاتفاق بين السعودية وإيران له دور بناء لنشر السلام والاستقرار في المنطقة، ويسأل : هل ينهي الاتفاق السعودي ـ الإيراني الخلافات العالقة؟ لاشك سنكون أمام حالة مفصلية.. ما هي الأمور المتوقعة أو المرتقبة برأيك، خاصة أن الصين لها دور مهم جداً، ونسمع عن خطة سلام صينية أيضاً تتعلق بالملف الأوكراني.. يعني هنالك نقاط اشتباك عديدة في العالم، ولعل من أبرزها كان هذه العلاقة مابين إيران والسعودية، وكذلك الحدث الأوكراني ما يجري هناك من صراع كبير بين روسيا والناتو، فكيف يمكن لهذه الملفات أن تصل إلى التهدئة إذا صح التعبير؟.
د. حسن: لا يمكن الفصل ما بين الملفات المتشابكة، فليست فقط الساحات في المنطقة أصبحت متصلة، بل الملفات الساخنة و المهمة و الجيوستراتيجية هي متصلة بالضرورة .. متصل بقنوات، وهنا يحكم مبدأ الأواني المستطرقة المتضمن انزياح السائل وتمدده إلى جميع الساحات المتصلة، وبالتالي امتلاك مفتاح حل أي منها يترك آثاره المباشرة على غيرها.
ـ لو كان بإمكان أمريكا استمرار الهيمنة على القرار الدولي أبد الآبدين لما ترددت في ذلك، ولو كان باستطاعتها تحقيق أهدافها مع الإبقاء على التوتر لما ترددت أيضا، لكن حتى تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تستمر بتنفيذ هذه السياسة العدوانية التي تعتمد على تهميش الآخر كائناً من يكون، فما يميز أمريكا كونها لا تعترف لا بحلفاء ولا بشركاء، ولا حتى بأتباع.. هي تنظر للجميع على أنهم أصحاب أدوار وظيفية، وعندما ينتهي الدور الوظيفي لأي منهم يتم التخلي عنه.. أمام المتغيرات الجديدة المفروضة إقليمياً ودولياً ما هو القرار الأنسب لأمريكا أمام هذا الصعود الصيني الجديد.. أمام هذا الوقع العسكري الروسي الجديد… أمام انتشار محور المقاومة وازدياد عوامل قوته أفقياً وعمودياً، وكل هذه المتغيرات ستترك أثرها.
ـ دعيني هنا أتناول الموضوع من زاوية أخرى: ماذا لو كان أمام صانع القرار الأمريكي بمفاصله المتعددة الوصول إلى قناعة بأن الاستمرار في هذه السياسة لا يخدم مصالحهم، وتغيير هذه السياسة بشكل جوهري لا يخدم مصالحهم أيضاً، فما هو الحل؟ .. الحل يكون بتدوير الزوايا، والعودة إلى ما يسمى سياسة الاحتواء.. غض الطرف لتمرير هذا الاتفاق الإيراني السعودي الصيني يعني تغييب إمكانية اشتعال المنطقة..
الأستاذة سهير: دكتور من يحتوي من؟.. عندي موقع “المودرن دبلوماسي” يقول: كيف تتحدى الصين الهيمنة الأمريكية، وتعيد تشكيل الشرق الأوسط؟..من وقت رعاية هذا الاتفاق الكل قال وأجمع على أنه خطوة إيجابية لصالح الصين أمام انكفاء الدور الأمريكي..
ـ د. حسن: لا أحد ينكر بأن هناك تقدماً صينياً غير مسبوق.. لا أحد ينكر بأن الصين هي المنافس رقم واحد اقتصادياً، وأن روسيا هي المنافس الأول عسكرياً وتتفوق عليها.. أمريكا تعمل على إزعاج روسيا في أوكرانيا، وتحاول إزعاج الصين في تايوان.. تحاول إزعاج الجميع… والسؤال الملح: لماذا لا يكون هذا الاصطفاف العلني الروسي الصيني مع دول البركس ومجموعة شنغهاي ومحور المقاومة؟ أي تحالف المتضررين من الهيمنة والعدوانية الأمريكية.. قناعتي الشخصية أنهم لو كانوا يدركون أن إمكانية الإعلان قد تمر بدون عقبات وعقابيل لأعلنوه.. أتمنى على الجميع ألا ينظر إلى أمريكا على أنها أصبحت وحشاً بلا أنياب، ما يزال لدى واشنطن هامشاً كبيراً من القدرة على التدخل والإساءة وعلى الإيلام والتهديم والتخريب.. أهم نقطة قوة تمتلكها أمريكا ولا يمتلكها الآخرون تتعلق بوجود قواعد ومرتكزات لها في داخل جميع الدول المتضررة من عدوانيتها.. يعني لديها من تحركهم في الصين وروسيا وإيران وفي كل الدول الأخرى، ولا تملك تلك الأطراف أو غيرها مثل هذه القدرة على التأثير في الداخل الأمريكي، وهي تسعى قدر الإمكان إلى عدم الذهاب إلى حافة الهاوية لتحافظ على تواصلها مع أدواتها ومرتكزاتها وتبقى قادرة على ضبط إيقاع تحركهم وفق توقيت واشنطن.. اليوم بغض نظر أمريكا عما حدث وتمريره من دون رفع مستوى الغضب يخدم أمريكا فهي: ضمنت عدم تهور تل أبيب لانتفاء القدرة على ذلك في ظل الواقع الجديد، وبالتالي ضمنت عدم اشتعال المنطقة، وضمنت عدم تصعيد إيراني غير متوقع ولا يمكن التنبؤ به بخصوص الملف النووي، فقد يقول قائل: مهما قدم الإيراني ومهما فعل هو غير مقبول أطلسياً، ولن يوافقوا معه على الملف النووي، وعندها من حقه أن يفكر في الذهاب إلى أبعد مما هو معروف، وهذا يزعج واشنطن وغيرها، وبالتالي ضمنت تحييد التصعيد بالملف النووي الإيراني، واحتوت إمكانية التصعيد غير مضبوط الإيقاع في الخليج في ظل وجود قواعد عسكرية أمريكية كثيفة في المنطقة، وهذا يعني احتمال ازدياد عداد الخسائر البشرية مع أي تصعيد ميداني يخرج عن السيطرة ، وفي ظل تقدم صناعي عسكري حربي ثقيل إيراني، وثبت أن شعاع القدرة الصاروخية الإيرانية يمتد إلى كامل المنطقة، وتستطيع أن تطال القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في كل دول المنطقة، ومن الواضح أن أمريكا لا تريد المواجهة العسكرية المباشرة لأنها لا تستطيع تحمل الخسائر البشرية، وفي الوقت ذاته ضمنت احتواء الصين مبدئياً بعدم الذهاب نحو الاصطفاف التام مع روسيا .. وهذا لا يعني أن هذه الحسابات نهائية.. ما الذي ستفرزه نتائج الاشتباكات الميدانية هذا ما يبنى عليه.
ـ المعطيات تشير إلى نقطتين أساسيتين:
أ ـ محور الهيمنة الأمريكية القائم على العربدة وعلى تغييب القانون الدولي هو في تآكل.
ب ـ محور المقاومة ومن يدعم المقاومة والقانون الدولي، وتبادل قيام العلاقات على شيء من المصالح والقيم بآن معاً في توسع وانتشار وتجذر أفقياً وعمودياً، ولن تكون الغلبة مطلقاً إلا لأصحاب هذا التوجه.
الأستاذة سهير مخلوف: في الدقائق القليلة المتبقية لنا معك أنت أشرت إلى أنه من الخطأ النظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتعامل معها من زاوية أنها تضعف فقط، فهي ما زالت قادرة على التأثير.. الكثير من العناوين اليوم تساءلت: لماذا تلعب الصين دور الوسيط في أوكرانيا: كان فيه سؤال من “فورن بوليسي” يتضمن أن ما قامت به الصين بين السعودي والإيراني أحرج الولايات المتحدة الأمريكية.. إذن هناك مواقف سياسية بالنسبة للأمريكي يناقش البعض متسائلاً لماذا هذا الانكفاء؟.. كذلك المسألة الاقتصادية لاحظت في الأيام القليلة الماضية أن هناك خسائر كبيرة لعدد من البنوك الأمريكية الأساسية، وقيل إنه شبه انهيار مالي في تلك البنوك.. نحن أمام تحولات كبيرة ومنعطفات مهمة.. لا يمكن أن نقول هذه الأمور عادية أن تفلس كل هذه البنوك.. أن يكون للصيني كل هذا الدور.. أن يكون للروسي كل هذا التقدم.. لم نتحدث عن التقدم على الجبهة الأوكرانية فهناك تقدم روسي هام جداً.. طيب كيف ستكون ردة فعل الأمريكي برأي حضرتك؟.
ـ د. حسن: ما تفضلت به كتير مهم.. أكيد الولايات المتحدة تعاني من نقاط ضعف…أنا ما قلت عبارة أنهم سوبرمان.. هم يسعون لتسويق هذه الفكرة وأنهم ما يزالون كذلك.. هم لديهم طاقات تدميرية هائلة نعم، لكن ليسوا فوق طاقة البشر، وهذا لا يعني انتفاء إمكانية أن يقال لهم “لا” على الإطلاق، لكن ليكن كلامنا موضوعياً ومفهوماً.. عندما نتحدث مثلا عن اقتراب إفلاس عدد من البنوك في الداخل الأمريكي، فهذا مؤشر خطير، لكن من الذي قال إن الانهيار إذا بدأ سيتوقف جغرافياً داخل الحدود الأمريكية أو الأطلسية؟… وجهة نظري الشخصية: عندما تبدأ حركة إعلان إفلاس بنوك كبرى ستنتقل، وهناك مؤشرات على أنها فعلاً بدت تنتقل إلى أوربا، وهذا يعيدنا إلى موضوع أزمة الاقتصاد العالمي عم 2008، كما يعيدنا إلى مرحلة الكساد الكبير الذي ضرب العالم في نهاية عشرينات القرن الماضي.. العالم لم يعد على الإطلاق عبارة عن وحدات سياسية منفصلة.. الجانب الاقتصادي والآثار الاقتصادية التي تنعكس بشكل دراماتيكي في هذه الدولة أو تلك ستنتقل بشكل أو بآخر ولو بدرجات أقل إلى بقية الدول، وبالتالي لابد من التعامل بمزيد من الحذر والوعي، وبمزيد من الاعتداد بالذات وباليقين بالمستقبل.
Discussion about this post