جعفر خضور
عبر التاريخ ووفق ما يؤكّده الإيدولوجيون الصهاينة أنَّ “الدولة اليهودية لم تكن أبداً هدفاً للبرنامج الصهيوني”، هذا التأكيد يفسّر التوسّع الإسرائيلي منذ بداية نشوئه الإحلالي على أرض فلسطين وما تبعه من العدوان الثلاثي على مصر ونكسة حزيران، ليدخل المستوى العمليّ الذي تعدّى حدود الرغبة الصهيونية في التمدد، بمرحلة من المطبّات والتغيّرات الساخنة التي حتّمت على “إسرائيل” البحث عن مخارج تتماشى وتلك التغيرات أو بدائل قد تكون عاملَ نجاةٍ لها كحدٍ أدنى رغم إداركها بأنَّ هذه البدائل تشكّل نسبة مئوية ضعيفة، بعد التيقُّن الإسرائيلي بعدم جبي مشاريعه التفتيتية النتائج المرجوّة خلال العقدين الفائتين، فهي تواجه حركات مقاومة في فلسطين المحتلة أصبحت تُصنّع ٩٠٪ من أسلحتها وصواريخها يدوياً، علاوةً على وجود المقاومة الإسلامية اللبنانية حزب الله التي دخلت في جيل صناعة الصواريخ الدقيقة بل وتطويرها أيضاً، إضافةً لسورية التي خرجت من تحت أنقاض العدوان المُدار صهيونياً والذي كان هدفه منذ البداية تعطيل القدرات العسكرية ومنع وصول الدعم للمقاومة. والأهمّ العمليات الفدائية النوعيّة في الداخل المحتل والتي كان لها الفضل في إسقاط القناع عن المنظومتين العسكرية والأمنية في “إسرائيل”، كلّ هذه التغيّرات والتطورات المتنامية تدفع بالإسرائيلي اليوم لإعادة النظر بأوراقه الخاسرة ولعب أوراق أخرى.
يبدو واضحاً أنّ “إسرائيل” تحاول نسج واقع جديد تكون جزءاً مهماً منه أولاً، وأن يكون بديلاً لواقع تبدو ملامحه تتغير بعد الإشارات الموحية بهشاشة القطب الواحد الذي يدعمها ويوفّر لها الغطاء، كحد أدنى، أو أن يكون متماهياً مع القادم، الواقع الذي بدأت بالعمل عليه من خلال اتفاقياتها مع بعض الأنظمة العربية سواء تلك التي وقعت معها اتفاقيات سابقة تحت تسميات “كامب ديفيد” أو “وادي عربة” مثلاً، أو التي انبثقت مؤخراً عبر ما يُعرف “بالتطبيع” الذي استبدلت تسميته إدارة بايدن وروجت له لتخفي ما هو أعظم وهو اتفاقات “إبراهام” العامل المسهّل لضمان تغلغل الاحتلال وشرعنه وجوده.
يأتي اجتماع النقب الذي حضره وزراء خارجية الدول العربية المطبّعة ووزراء خارجية الكيان المؤقت وأميركا والمضيف هو الصهيوني، كتكريس لما اتفقوا عليه ولاستكمال ما بدأؤو فيه، في توقيتٍ مُهمّ، في ظلّ تطورات دوليّة وإقليمية عاجلة يخشى فيها الإسرائيلي من تفاقم عجزهِ وبعد خيبة أمله بحلف الناتو الذي ترك أوكرانيا وحيدةً بعد إغراقها في الوحول، في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن الرغبة الصهيونية في بناء تحالف “عربي – صهيوني” في مواجهة إيران، ولتحويل الصّراع التاريخيّ “الإسرائيلي – العربي” إلى “عربي – فارسي”. وهذا بات معروفاً. ما بدا لافتاً أيضاً هو مكان الاجتماع بالقرب من قبر جزّار الفلسطينيين “بن غوريون” ما يدلل على الهدف الأكبر من الاجتماع الذي عبّروا فيه عن رغبتهم لتحويله إلى منتدى يرحّب بكل من يَودّ الانضمام له في المستقبل، وهو وضع اتفاق “إبراهام” المندرج تحت “الدبلوماسية الرّوحية” الأميركية قيد التنفيذ، والمقصود فيه: “مسار من مسارات التفاوض تستهدف حل النزاع أو منع حدوثه من أجل بناء سلام ديني عالمي عبر تقارب الديانات الإبراهيمية أو الدين العالمي الواحد”.
ولا نستبعد أن يكون قد نُوقش في الاجتماع كيفية احتواء العمليات البطولية ضد الاحتلال، وعلى وجه الخصوص بعد ما ورد في التقديرات الصهيّونيّة: “بأنَّ رمضان هذا العام سيكون حامياً”. ما يضعنا أمام تساؤل مهمّ، لا نملك إجابته الدقيقة الآن، هل نرى طائرات عربيّة للدول المطبّعة تشارك في قصف الفلسطينيين؟! كل شيء وارد.
بدأت النتائج تظهر على الساحتين الإماراتية والمغربية من خلال ما أعلنه كيان الاحتلال عن اختتام مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع الإمارات بعد أشهر من المداولات، وبموجب الاتفاق، ستعفى 95 بالمئة من المنتوجات التي سيتم تداولها بين الامارات والكيان المحتل من الضرائب بشكل فوري أو تدريجيا، ومن بين هذه المنتوجات: مواد غذائية، زراعية، مستحضرات تجميل وأدوية. ورحب وزير الخارجية الصهيوني يائير لابيد بالاتفاق، الذي زعم أنه “يأتي بروح اجتماع النقب”، داعيا إلى “تعاون مستمر واستمرار في الاتصالات”، على حد تعبيره.
وفي المغرب، من خلال عقد وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، لقاءات ثنائية مع وزراء ثقافة الإمارات ومملكة البحرين و”إسرائيل”، وذلك على هامش مشاركته في عدد من الأنشطة بدبي، أبرزها التوقيع على إعلان ل”الثقافة والرياضة من أجل السلام” بين البلدان الأربعة.
كل الدلالات تشير إلى المحاولات الجادّة في صهينة التاريخ من خلال إعادة كتابته وإدخال المكوّن اليهودي فيه وبمواضعٍ لم يكن له فيها وجود، من خلال إغفال الروايات المضادة لوجود الصهاينة، أي ولادة “إسرائيل” من جديد، وتحويل الصراع إلى جذوة من رماد تتطاير مع أوّل هبة ريح.
يتحتّم علينا في دول محور المقاومة والتي هي اليوم جزء أساسي من البنية الدّولية بعد العديد من التقدّمات الميدانيّة التي حققتها والتي دفعت بالأعداء للبحث عن وسائل أخرى للمواجهة، تطوير وسائل مواجهة العدو، ولا سيما على المستوى الثقافي، بالمحاججة ودحض التزييفات، من خلال:
– العناية بالمناهج الدراسية والتي تعزز الثقافة الوطنية والقومية.
– مقاطعة الكيان المؤقت وكل ما يصدر عنه.
– تفنيد رواياته وفق أسس علمية.
– إحباط كل ما يسعى لإغفال الروايات المضادة لوجود الصهيونية.
– تعزيز ثقافة المقاومة، عبر الندوات والإعلام الذي يلعب دوراً كبيراً في ذلك.
– قراءة التاريخ بشكل صحيح ومعرفة الموقع منه.
– جسر الهوّة التي أوجدها الاحتلال في أماكنٍ ما، عبر بثه النزاع والتفرقة.
– المثاقفة الصحيحة، لمعرفة العدو ومجابهته دون التعارف عليه.
– حشد الكلمة والإعلام والرأي العام، الذي يشكل الهاجس النفسيّ لدى العدو.
Discussion about this post