حديث الإثنين:
فعل ثوري يفشل مخطط لإلغاء النظام الجمهوري
احمد ناصر الشريف
صحيفة 26سبتمبر العدد 2298
20 شباط/فبراير 2023م
استكمالاً لما تحدثنا عنه في مقال الأسبوع الماضي حول دخول الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح في صراع خفي مع حلفائه، وفي مقدمتهم الجنرال علي محسن صالح
الذي كان يدعي سراً وجهراً بأنه الرجل الأول في الحكم وليس الثاني وأنه من أعاد الرئيس الأسبق إلى السلطة ثلاث مرات ,حاول صالح التخلص من محسن أثناء حروب صعدة الست ولكن الأخير كان حذرا جداً فحمى نفسه رغم ما تعرض له من كمائن مدبرة كان أخطرها تزويد الطيران السعودي الذي كان يقصف صعدة أثناء الحرب السادسة بإحداثية لقصف موقعه على أساس أنه موقع تتمركز فيه قيادات حوثية مهمة حسب زعمهم لولا أن الطيار تنبه وعرف أن في الأمر خدعة ومُنذ ذلك الحادث فُقدت الثقة تماما ما بين صالح ومحسن وأصبح كل منهما يخشى على نفسه من الآخر، وقد أعلن الجنرال علي محسن طلاقه لنظام صالح بعد أحداث جمعة الكرامة المأساوية متخذاً منها حجة فأنضم إلى ثورة الشباب يوم 21 مارس عام 2011م بذريعة حمايتها من بطش السلطة .
وكانت أهم الفترات التي واجهها الرئيس الأسبق علي صالح وشعر خلالها بأنه قد أصبح وحيداً هي فترة انتخابات عام 2006م الرئاسية التي رشحت فيها المعارضة بقيادة الشيخ حميد الأحمر لمنافسته الشخصية الوطنية والمحبوبة فيصل بن شملان وهنا انزعجت السعودية من هذا التوجه فأوعزت للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي كان يتلقى العلاج في إحدى مستشفياتها بأن يعلن دعمه ودعم القبائل للمرشح علي عبدالله صالح وقال الشيخ عبدالله حينها كلمته المشهورة: (جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفه) وكان لدعم الشيخ عبدالله أثره الكبير في ترجيح كفة صالح الذي فاز بالرئاسة بفارق كبير عن منافسه فيصل بن شملان ورغم هذا الفوز فإن المعارضة المتمثلة في أحزاب اللقاء المشترك لم تُسلم به فطعنت في نتيجة الانتخابات وشددت من ضغطها على السلطة بحجة مكافحة الفساد والمطالبة بإبعاد النافذين في المصالح الحكومية وخاصة من عائلة وأقارب صالح بمن فيهم نجله أحمد الذي كان يُعده لوراثة الحكم من بعده الأمر الذي جعل صالح يستنجد بالملك عبدالله بن عبدالعزيز للوقوف إلى جانبه ودعمه مع أنه كان يعلم جيدا بأن السعودية لا تثق بمن يخضع لها خضوعاً مطلقاً لأنها تعتقد أن من يخدم مصالحها يستلم مقابل ذلك ثمناً وليس حباً فيها وقد ينقلب عليها في أي وقت ولذلك لم تكن ثقتها قوية بعلي عبدالله صالح لاسيما بعد تدني شعبيته واشتداد خلافه مع حلفائه رغم أنه الحاكم اليمني الوحيد الذي تجرأ ووافق رسميا على تبعية المناطق اليمنية جيزان وعسير ونجران للسعودية وهذا لم يحدث من قبل لا في العهد الجمهوري قبل مجيء صالح إلى الحكم ولا في العهد الملكي وهنا تقدم علي عبدالله صالح بمقترح مغر جداً للملك عبدالله وللنظام السعودي في مقابل قبول اليمن عضواً في مجلس التعاون الخليجي وبقاء الحكم في الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وعائلته، هذا المقترح حسب معلومات حصلتُ عليها من مصادر موثوقة جداً في السعودية أثناء جلسة خاصة مع مسؤولين مهمين يتمثل في إلغاء النظام الجمهوري ويحل محله اسم دولة اليمن كما هو الحال في التسميات المعتمدة لعدد من الدول الخليجية مثل: دولة الكويت, دولة الإمارات, دولة قطر …إلخ.. هذا حدث بعد انتهاء الحرب السادسة في صعدة وبعد رحيل الشيخ عبدالله الأحمر الذي كان يُشكل شوكة ميزان لنظام صالح ويعمل على تهدئة الأمور عندما تتفاقم بهدف السيطرة عليها، وذلك بعكس تصرفات أولاده وفي مقدمتهم حميد الطامح للوصول إلى الحكم.
مقترح صالح وجد قبولاً سعودياً بشرط دراسته وعرضه على أعضاء مجلس التعاون الخليجي فشعر صالح بالاطمئنان على بقاء حكم اليمن في شخصه وعائلته وعادت الثقة إلى نفسه ولم تكن المعارضة التي تزداد قوة ضد نظامه تهمه طالما وقد أصبح ظهره مسنوداً إلى السعودية التي ستكون لها الكلمة الفصل، لكن ما عُرفت بثورة الشباب عام 2011م قد خلطت الأوراق مما جعل مصير نظامه في مهب الريح ووجدت السعودية في ذلك فرصة لتكون هي المتحكمة في القرار السياسي اليمني فأمسكت بالعصا من وسطها لتوازن ما بين النظام والمعارضة ليلتقي الجميع في الرياض تحت رعاية الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان همه الأول هو إفشال ثورة الشباب في اليمن حتى لا يتأثر بها الشعب السعودي وتحجيم نفوذ الإخوان المسلمين فرع اليمن المتمثل بحزب الإصلاح ومن ثم يمكن إنتاج نظام يشارك فيه الجميع تكون السعودية هي مرجعيته وهذا ما حدث فعلا بموجب ما تضمنته المبادرة الخليجية من بنود وافقت عليها السلطة والمعارضة وتم التوقيع عليها في الرياض فأزيح علي عبدالله صالح من رأس السلطة واختير نائبه عبدربه منصور هادي بدلاً عنه لتدخل اليمن في مرحلة اللادولة فاشتد الصراع بين الفرقاء ونشطت الجماعات المتطرفة في مختلف المدن اليمنية التي كانت تشهد تفجيرات واغتيالات لدرجة أن الأمن اختفى تماما وكان الحكام لا يفكرون إلا في خدمة مصالحهم وتحقيق مكاسب مادية فعم الفساد الإداري والمالي أكثر من ذي قبل على أيدي من كانوا يطالبون ببناء دولة نظام وقانون ومكافحة الفساد وأكدت حكومة باسندوه بأنها لم تعد تستطيع دفع المرتبات الأمر الذي جعل باسندوه يعلن عن جرعة سعرية لمشتقات الوقود كانت القشة التي قصمت ظهر البعير فقد عارضها الشعب وتظاهر ضدها لتنتهي الأمور بقيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014م التي تصدرت مشهدها القوى الوطنية بقيادة مكون أنصار الله فأنهت حكم السفيرين الأمريكي والسعودي ولكن أمريكا ردت على إنهاء نفوذها ونفوذ السعودية في اليمن بشن عدوان غادر على الشعب اليمني أعلن من واشنطن يوم 26 مارس عام 2015م وما يزال قائما إلى اليوم مُنذ ثمانية أعوام وأوعزت إلى أدواتها في المنطقة للمشاركة فيه بقيادة السعودية والإمارات في محاولة منها لاستعادة نفوذها من جديد والسيطرة على القرار السياسي اليمني مستعينة بالعملاء والمرتزقة الذين أضفت عليهم شرعية زائفة فتصدى الشعب اليمني ممثلا في جيشه ولجانه الشعبية لعدوانها البربري واستطاع بالتوكل على الله وبما يمتلكه من إرادة حرة إفشال كل مخططاتها والحيلولة دون عودتها لتحكم اليمن من جديد، ومن المصادفات الجيدة أن نستذكر في شهر فبراير الحالي هروب آخر دفعة من قوات المارينز الأمريكية في الحادي عشر من فبراير عام 2015م من العاصمة صنعاء إلى غير رجعة.
Discussion about this post