القرآن كاملا من أول آية إلى آخرها وما فيه من قصص وتوجيهات وتعليمات وأطروحات وتحذيرات وتنبيهات وتخويف وغيرها عبارة عن رحمة للإنسان والبسملة بداية كل سورة وأيضا سورة الفاتحة تؤكد ذلك (الرحمن الرحيم) لذا نستشف أن هدف القرآن والأنبياء والمرسلين والأولياء رحمة للعالمين ، لذا علينا ونحن نتثقف بالقرآن ونتلوه ونتدبره ان يكون على هذا الأساس .
بقلم د.يوسف الحاضري
abo_raghad20112@hotmail.com
رغم أن محاضرة السيد الرمضانية السادسة كانت موجزة ولم تتجاوز ربما ال25 دقيقة الا أنها كانت عميقة ومركزة وممتلأة من الدروس الهامة جدا لتصحيح أختلالات نفوسنا وتعديل تصرفاتنا وأعمالنا ، وكان السيد يتكلم برحمة وخوف علينا من أن نضل في الدنيا فنخسر في الآخرة ، فهذه هي منهجية الأنبياء والمرسلين والأولياء أن يحملوا دائما نفسية الخوف على الناس خاصة اولئك الجاحدين الرافضين المستكبرين المجرمين لمعرفتهم أي حال سيكونون فيه اذا رفضوا الحق والصراط المستقيم ، لذا نجد هذه الروحية مكرره في القرآن الكريم بكثرة ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) وقوله تعالى ( وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وغيرها من الآيات على لسان كل الأنبياء ومنهم نبي الله محمد صلوات الله عليه وآله وسلم والذي وصل حاله من الخوف عليهم انه بخع نفسه غما وحزنا عميقا لعدم إيمان قومه بالدين الإسلامي ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَـمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ) ،إذا نحن نتكلم عن مسيرة واحدة لدين ونفسية واحدة وروحية واحدة يجب على الجميع ان يحملها في مسيرة دعوته للناس وهدايتهم وتصحيح كل إختلالاتهم وزلاتهم لينجو من تبعات المعاصي في الدنيا والمصير المحتوم في الآخرة ، لذا نحمد الله حمدا كثيرا أن هيأ لنا هذا العلم من أعلام الهدى والذي لا يكل ولا يمل يوميا وبإستمرار في التوعية الدينية عبر المحاضرات والتوجيهات والنصح وغيرها وبطرق متعددة (سرا وجهارا) وفي جميع الأوقات (ليلا ونهارا) ، فإن أعظم النعم التي يهبها الله للإنسان وللبشرية هي نعمة الهداية فهي البصر والسمع والوعي وهي التي تزكي النفوس ومنها يعيش الإنسان والمجتمع حياة مستقرة بعزة ورقي وحرية وكرامة ، ويكون مصيرة الأخروي واضح وجلي وبين أن ينجو من تلك الوضعية المذلة في لحظات الجزاء وعند العذاب ، لذا نسأل الله دائما وابدا ان يحفظه بحفظه ويلهمنا ان نكون من اولياءه ومن اعداء اعداءه ، فنادرا ما وجدنا قيادة جل همها هدايتنا وتنبيهنا وايقاظنا من غفلتنا وسعيها لأن نكون من اصحاب الجنة .
المعاصي جانبان ، معاصي من خلال رفض الإنسان القيام بالواجبات والمسئوليات التي فرضها الله عليه في القرآن بما تنعكس نتائجها على الإنسان نفسه وليست هذه المسئوليات ذات مردود نفعي لله ولا تركنا لها ذات مردود سلبي على الله ، فهي أوامر وتوجيهات مسئوليات وواجبات لفائدتنا وحفاظا علينا في الدنيا قبل الآخرة وسنناقش بعض الامور لتقريب الفهم في هذا الجانب .
عندما يأمرنا الله بأن نقيم الصلاة (ِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنْكَرَِ ) فالصلاة لها فوائد عديدة على نفسية وروحية الإنسان ثم على صحته الجسدية والبدنية ثم على أخلاقياته (والتفصيل في الأمور هذه يطول) ومن جهة أخرى لن يفيد الله هذه الصلوات ولن يضره عدم إقامتها فالله غني عن العالمين ، فأي نعمة عظيمة ان يكون الإنسان ممتنعا عن الفحشاء وتبعاتها والمنكر ونتائجها ، ان يكون الإنسان زكي النفس طاهر السريرة وصحيح الفكر والبدن ، والنتائج لا تنعكس فقط على الفرد فقط بل تتوسع لتصل الى المجتمع كاملا والذي يكون غالبية افراده بعيدين عن الفحشاء والمنكر ومتقين لله فتقل الجرائم بجميع انواعها واشكالها ، هذه الجرائم التي الفرد هذا هو أول المتضررين منها فالسرقة اذا انتشرت في مجتمع فإن افراده وممتلكاتهم هم المستهدفون ، والانحلال الأخلاقي إذا إجتاح مجتمع فإن هذا الفرد وأسرته وعرضه وعاره هم الضحية ، لذا فالمستفيد هو الفرد ومجتمعه من هذه الأعمال الصالحة ، فعندما يحرم الله عليك أن تسرق حق الآخرين ويحرم عليك ان تزني يحرمات الآخرين ويحرم عليك ان تؤذي الآخرين فهو جل وعلا يأمر بقية الناس بأن لا يسرقوا حقك وألا ينتهكوا عرضك وألا يؤذوك ، وهنا تتضح لنا عمق التشريعات العظيمة التي جاء بها الله في القرآن الكريم .
الفوائد لا تقتصر فقط على الجوانب الأخلاقية والمادية بل تصل للسياسية والأقتصادية والعسكرية وغيرها لأنه هي هذه النفوس الزكية الطاهرة بطهر الإيمان والتوجيهات الربانية هي من ستدير السياسة والأقتصاد والجيوش والأمن وعندها ستكون قيادة طاهرة وهنا يتضح لنا فوائد الإلتزام بتشاريع الله وتوجيهاته ، عوضا عن رضا الله الذي سيشمل المتقين في الدنيا فيغمرهم بألطافه ورزقه وعونه وتأييده ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض)ِ فينتفي هنا رؤية خاطئة بأن الألتزام بتعاليم الدين والإنضباط من خلال إتباع التوجيهات والوصول إلى حالة مجتمعية متدينة يعني ان يضل الفرد والمجتمع ذلك في حالة ضنك وشقى بالعكس فالله وضح ان القرآن للسعادة في الدنيا والآخرة (طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى) .
وبالعكس فإن الابتعاد عن الحق وعن الصراط المستقيم من خلال إرتكاب المعاصي او التقصير في الواجبات والمسئوليات لها نتائج على جميع المستويات بدء بنفسية العاصي ثم قلبه ثم تصرفاته ثم حياته ثم محيطه ثم مجتمعه ، فعندما مثلا يقصر أحدهم في مسئولية الجهاد والإنفاق في سبيل الله فإن ذلك يجعله يبحث عما يبرر له هذا التقصير ويحاول ان يقنع نفسه من خلال أطروحات كاذبة نسبت للنبي فيؤمن بهذه الاطروحات فتتراكم في قلبه ونفسيته نتائج وآثار هذه المعصية حتى يقسو قلبه فلا يعد.يهتم بمقارعة الباطل وأهله والتصدي لهم بل يصل الأمر للخضوع لهم حبا للدنيا حتى أنهم لما يصلون إليه لا يجد حرجا في الإنحناء لهم ولا يرى في إنتهاك الاعراض والارض اي مانع بعد ان تشوهت فطرته السوية بسبب هذه المعصية فيذل ويكسر شرفه وينزع حياءه ويسلب أغلى ماقد يمتلكه اي إنسان وفي النهاية قد يجدون في بقاءه حيا عبئا عليهم فيتخلصون منه فيخسر بخزي الدنيا والآخرة ، وهكذا قس على ذلك. عوضا عن حرمان العصاة من ألطاف الله ورعايته وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) لاحظوا كيف حدد الله السبب (بما كانوا يصنعون) أي من المعاصي والجرائم وغيرها .
سنن الله التي سنها للصالحين وللعصاة ثابتة لا تتغير ولا تتأثر بالزمان ولا بالمكان ولا تخضع لأعتبارات خاصة كالمجاملات والوساطات وغيرها ، فهي ثابتة تحل على نبي ورسول وولي وحاكم وقائد وأي إنسان بسيط كان او ذا مكانة مرموقة ، فمن سنن الله ان المعصية في الدنيا لها تبعات وآثار على الفرد حتى ولو تاب وغفر الله له لكن تبقى التبعات مستحق له ان ينالها سواء كنت نبيا بل حتى لو كنت أول مخلوق بشري من جعل ملائكته يسجدون لك ومن خلقه بيديه وقال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، فآدم بعد كل هذا التكريم زاده تكريما بإسكانه جنة ليستعد لمهمته في الدنيا ( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ) وأيضا أحل له كل شجرها الكثيرة العدد والمختلفة الاشكال والأحجام والألوان وأستثنى الله واحدة فقط وعندما عصى آدم ربه فغوى هل جامله الله او تغاضى عنه أم ان سنة الله في نتائج المعاصي حلت به رغم ان ادم تاب وتاب الله عليه ومع ذلك أخرجه الله من الجنة عاريا ولا شيء عليه ، كذلك نبي الله يونس عليه السلام لما تجاوز سنة من سنن الله وأستعجل على قومه وخرج من عندهم غضبان أسفا كانت النتيجة انه رمي للبحر وألتقمه الحوت ، فهل شفع له منزلته الرفيعة عند الله كونه نبيا او تلك العشرات من السنين من العمل والدعوة لله والأجتهاد في ذلك أم ان غلطة كهذه استحق بها تبعاتها رغم انه سبح لله منزها له عن كل نقائص معيدا الجرم والخطأ الى نفسه (لا إله الا انت سبحانك إني كنت من الظالمين) وايضا وضح الله لخير البشر والخلق والأنبياء محمد هذه السنة بعدة آيات ومنها ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، وهكذا هي السنن الإلهية تجري على الكل كائنا دون ان تفرق بين احد ممن خلق الله ، فهل لنا ان نعي رحمة الله في سننه وقوانينه وأوامره ونواهيه والتي هي يسرا ويريد لنا اليسر وليست عسرا أبدا.
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post