بقلم : الشيخ اسد محمد قصير.
منذ أن ظهرت أزمة ” كورونا ” في أوروبا هممت بكتابة هذه المقالة ، ولحاجة في نفس يعقوب أخرتها ، لعلّي أجد تحليلاً – موضوعيا – لمفكرغربي هنا أو هناك ، يبين فيه حقيقة هذه الظاهرة وتداعياتها الإجتماعية .
وكان إنتظاري دون جدوى ، فأخذت قلمي وبادرت – مستعينا بالله تعالى – بذكرنقاطٍ مهمة في تحليل المشاهد الإجتماعية ، والمواقف المشينة واللا إنسانية لقادة الدول الغربية ، فما شاهدناه وسمعناه كان كافيا لكشف زيف تلك الحضارة إنسانيا، التّي طالما تغنّى بها الغرب ،وهذه النقاط هي:
١– أن ” كورونا “هي كاشفة وليست مولدة – أي : أنّها كـ الأعراض التي تظهر على المريض فتكشف ضعف بنيته وعلله –، حيث كشفت وأظهرت ضعف البنية الإجتماعية في المجتمعات الغربية من خلال ماشاهدناه من تصرفات – سواء من الساسة الغربيين ،أم من أبناء مجتمعاتهم – أظهرت أنّها لا يمكن أن تكون وليدة الساعة .
٢ – إنّ هذه السلوكيات والمواقف تعبر عن طبيعة مترسخة وثقافة وعقلية توارثها الإجيال جيلاً بعد جيل.
٣ – لقد شاهد الجميع خشية الساسة الغربيين على شركات رأس المال الحاكمة ، وعدم مبالا تهم بمجتمعاتهم ، مما خلق الهلع والخوف لدى أبناء المجتمع – حرمان كبار العمر من الخدمات الصحية ، وخوف كل فرد على نفسه ، ونهب المراكز التجارية – فـ هذه التصرفات عرت الغرب من شعاراته الزائفة ، وكشفت عن مجتمعات وأمة متفككة إجتماعيا وأسريا ، أسر لاتربطها أي وشيجة من وشائج الأسرة وعلاقاتها ببعضها البعض.
فالمشهد ينطق عن مجتمع مفكك الأعضاء ، بحيث انّك لاتشاهد إلا ” الأنا ” ، فلا تراحم ، ولا تضامن ، بل لا قيمة لأي فرد، بل المحورية للمال ورأس المال وليس للإنسان ، فمصلحه الفرد حاجته ، وهي تعلو ولايعلى عليها .
٤ –هذا الخلل الإجتماعي – عبارة عن إهتراء بنيوي – عند الغرب وصل إلى حد أن الإحترام والقداسة هي للمال والاقتصاد ؛ فهو الذي يُحترم دون الإنسان ، بل نستطيع القول : أن المال صنم يعبد من دون الله .
فقيمة كل إنسان بما يملكه وما ينتجه، فالحرية والحقوق المدنية والعدالة ، هي فداء للمال وللاقتصاد .
فالنظام الرأسمالي تحول إلى وحش متغول سلب من الإنسان العقل والخير والمبادئ والقيم والمثل والغاية من حياته ووجوده ، وجعل له مُثُل وقيم وغاية ، هي : “المادة القاسية ” .
ومن هنا نلاحظ أنّ الأسرة – في الغرب التي هي أساس المجتمع – تحولت إلى مؤسسة حقوقية ، أو شركة إقتصادية ، لا مودة ولا رحمة فيها ولا إحسان ولاتضحية ولا إحترام ،إلابمقدار ماينفع أحد أفرادها الآخرمادياً ، وهذا خلاف مايجده المنصف في المنظومة الأسرية الإسلامية ، فلكل فرد من أفرادها إحترامه الخاص ، وفيها الإحترام والمودة والوئام والتضحية والإيثار– هذا مع مابين المؤمنين من تراحم ومودة وإحسان – ، فالحقوق محفوظة ولا يُرجع لها إلاّعند الإختلاف ، فالأسرة الإسلامية قائمة على ما هو أسمى وأورقى من الحقوق ، وهو الإحسان والمودة والتفضل…
وهناك مرجعية حاكمة قائمة على أسس متينة من العدل والإحسان أمر بها الله تعالى :{ وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} .
٥ – إنّ ما شاهدناه في تلك المجتمعات – من سلب وغصب ونهب دولة لحق أخرى – غيّب ما صاغوه وتعاهدوا عليه من قوانين تنظم العلاقة في مجتمعاتهم ، أوقوانين تنيظم العلاقة بين الدول – رغم أن هذه القوانين كانت كـ “عصا ” تسلط بوجه من يخالف رأيهم أو يطالب بحقوقه – ، وهوما أسموه بالقانون الدولي ، والسلم العالمي ، والأمم المتحدة ، وحقوق الإنسان، فبسبب ” كورونا “حل محلها قانون الغاب ، وظهرأنّ القوانين ما كانت إلاوسيلة الكبار لتسخير الصغار والمستضعفين وبه تحكم الغرب بخيرات الشرق؛ فـ ” لكورونا ” الفضل في كشف ماتعانيه مجتمعات الغرب الرأسمالية .
علماً أن الباحث الإجتماعي المنصف لم يكن بحاجة لـ ” كورونا ” ؛ ليرى من خلال سلوكيات الغرب المتوحشة مع الشرق أنّ المنظومة الفكرية للراسمالية الغربية تخفي في ثناياها إحتقاراً للإنسان بشكل عام ، وللإنسان الشرقي بشكل خاص – فهدف هذه المنظومة هو تقديس المال – ، ومراجعة قليلة للتاريخ ، سيجد أنّه خلال قرن من الزمان مارس الغرب الرأسمالي في بلداننا الشرقية والإفريقية ما يندى له الجبين – إبتداءً من إحتلال الأرض ونهب ثرواتها ، وقتل رجالها وأطفالها ، وهتك كرامة الإنسان فيها – ، وهوخير دليل على الإشكالية الفكرية عند الغرب الرأسمالي .
6– يتضح مما سبق أنّه لاقيمة للإنسانية في قواميسهم ، حتى في تعاملهم مع الإنسان الابيض – سياسة مناعة القطيع شاهدة – فضلاً عن الإنسان الشرقي ، فالخلل الإجتماعي له جذوره في البنية الفلسفية والفكرية عند الغرب ، وقد وضعت ” كورونا ” المفكرين الغربيين في موقف لايحسدون عليه ، وهم الآن أمام عالم جديد وتداعيات تفرض عليهم إعادة النظر في مبادئهم ومبانيهم الفكرية لما بعد ” كورونا ” فقد كشفت لهم عوار فكرهم وضحالته، وبينت أنّ ثقافتهم الفكرية كانت قائمة على شفا جرف هار .
الخلاصة
على أصحاب الفكر الرأسمالي المادي أن يقوموا بمراجعة شاملة للقيم التي بنوا حضارتهم عليها ، فهي قيم ومبادئ لا أفق لها ، فـ فصل الدين عن السياسة والحياة الإجتماعية أصبح من الماضي ، وفشلهم في التعاطي المهين مع ضحايا وباء ” كورونا ” كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
فعليهم أن يعرفوا حقيقة الإنسان بابعاده وبكمالاته وعقله وروحه ؛ ليستطيعوا أن يخرجوا من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه ، وأنّ لاينخدعوا ويخدعوا غيرهم بما أسموه الحضارة الغربية وتقدمها وتكنلوجيتها .
هذه الحضارة وهذا التقدم – الزائف – كشفه فايروس أصغر من الخلية – حجمه (0.125ميكرون) أي : مايعادل ( 125نانومتر) تم تكبيره آلاف المرات لتتم مشاهدته ، وهو ما يسمى بـ ” كورونا ” ، وأثبت عجز هذا التقدم التكنلوجي .
فعلى مفكري الغرب الرجوع إلى الشرق وقيمه، التي عرفت الإنسان وحفظته وكرّمته { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } وجعلت منه محور الوجود ، وعززت الروح الإنسانية فيه بلاتمييز – بين لون ولون ، ذكر وأنثى – فـ ” كلكم لآدم وآدم من تراب “، و “الناس صنفان, إما أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ” ؛ ليخرجوا بما يعيد فيهم بث الروح الإنسانية ، وبهذا يمكن بناء مجتمعات متماسكة قائمة على الخير، والكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية.
هذا والله ولي التوفيق.
Discussion about this post