12 عاما على ثورة محمد بوعزيزي
احمد ناصر الشريف
صحيفة 26سبتمبر العدد 2290
26 كانون1/ديسمبر 2022م
في أواخر شهر ديسمبر من عام 2010م وفي مثل هذه الأيام تحديدا تفجرت الأوضاع في تونس تزامنا مع إحراق محمد بوعزيزي نفسه احتجاجا على الإهانة التي وجهتها إليه شرطية في البلديةحسب الرواية المتداولة ولم يكن أحد يتوقع بأن هذه الحادثة ستكون سبباً في سقوط الرئيس زين العابدين بن علي ونظامه ومن ثم امتداد شرارة هذه الاحتجاجات إلى مصر واليمن وليبيا وهي الدول التي كان حكامها يعدون لمشروع توريث الحكم في عائلاتهم وجعله حكراً عليهم، سنتحدث هنا حول ما جرى في اليمن آنذاك فقد كان الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وقيادة المؤتمر الشعبي العام مشغولين بما أسماه سلطان البركاني: تصفير العداد وإرسال المندوبين إلى المحافظات تحضيراً لإجراء الانتخابات البرلمانية والتي لم تكن أحزاب اللقاء المشترك مستعدة للمشاركة فيها فاستغل الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح الفرصة لخوض الانتخابات البرلمانية مع حلفاء المؤتمر الشعبي من الأحزاب والتنظيمات السياسية لإحراج أحزاب اللقاء المشترك التي كانت قد تقدمت بطلب يكاد يكون عاديا تمثل في تكرار التمديد عامين أخرين لمجلس النواب ولكن قيادة المؤتمر الشعبي العام رفضت هذا الطلب وأصرت على إجراء الانتخابات البرلمانية فوجدت أحزاب اللقاء المشترك نفسها في مأزق فإن شاركت في الانتخابات لن تحصل على مقاعد كافية تسمح لها بأن تشكل معارضة قوية داخل مجلس النواب وإن امتنعت عن المشاركة ستفقد شعبيتها فظلت ترقب الأحداث عن بعد ولم تجد محاولاتها في إقناع الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح بالتراجع عن إجراء الانتخابات والموافقة على التمديد مرة أخرى لمجلس النواب صدى يذكر فجاء الفرج بالنسبة لها من حيث لا تحتسب فقد تسارعت الأحداث في تونس فسقط النظام وسقط رئيسه يوم 25 يناير 2011م وانتقلت بسرعة البرق إلى مصر فوجدت أحزاب اللقاء المشترك بارقة أمل للخروج من مأزقها من خلال الضغط على نظام علي عبد الله صالح ولم يكن يهمها إلا التراجع عن إجراء الانتخابات بينما كان الإعلام الرسمي يسخر مما يجري في تونس وانتقاله إلى مصر معتقدا أن النظام في اليمن محصنا ولن تمتد إليه هذه الأحداث ولكن دعوات بعض الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي للخروج إلى ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء للمطالبة بإسقاط النظام وإسقاط مشروع التوريث قد أزعج السلطة في صنعاء فتعاملت مع هذه الدعوات بمحمل الجد حيث سارع أمين العاصمة ومدير دائرة التوجيه المعنوي حينها بتوجيهات عليا بحجز ميدان التحرير ونصب الخيام داخله بحجة تحويله إلى معرض للحرف التقليدية وكان الهدف الأساس من ذلك هو قطع الطريق على الشباب للحيلولة دون وصولهم إليه والاعتصام فيه.
فكانت المفاجأة كبيرة بالنسبة للنظام عندما اتجه الشباب إلى ساحة الجامعة وقاموا باحتلالها وكانت أعدادهم حينها بالعشرات وكان بالإمكان السيطرة عليهم وتخديرهم بمجموعة من الوظائف لأن أغلبهم كانوا من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل ولكن الغرور والتعالي الذي أصاب أركان النظام واعتقادهم بأن ما حدث في تونس ومصر لن يتكرر في اليمن حيث كانت ثقتهم زائدة إلى حد الاحتقار لمن يطالبون في ساحة الجامعة بإسقاط النظام، وهنا وجدت أحزاب اللقاء المشترك التي كانت في البداية مكتفية بمراقبة ما يجري نفسها مضطرة لدعم الساحة بعد أن رأت أن هناك توجه جدي من قبل الشباب لتغيير الأوضاع فدفعت بأنصارها للمشاركة في الاحتجاجات حيث تزعمت شباب اللقاء المشترك توكل كرمان وتكفل الشيخ حميد الأحمر بتوفير الوجبات الغذائية للمتواجدين في ساحة الجامعة فأنضم إليهم العمال العاطلين الذين كانوا يأتون ليأكلون مجاناً ظهراً وبعد العصر يخرجون في مسيرات إلى الشوارع منددين بالنظام ورئيسه، وحين أصبحت الأمور خارج نطاق سيطرة النظام لاسيما بعد سقوط النظام في مصر وتنازل رئيسه عن السلطة لم يكن أمام نظام علي عبدالله صالح إلا حشد أنصاره في ميدان السبعين كل جمعة لعل وعسى يتم التوصل إلى حل وسط لكن أحداث جمعة الكرامة الدموية قصمت ظهر البعير وجعلت الشباب أكثر عتواً ونفوراً وكانوا فعلا سيسقطون نظام صالح بالكامل لو لم ينضم الجنرال علي محسن صالح إلى ثورة الشباب بحجة حمايتها فتمكن من الالتفاف على الثورة وأفقدها بريقها وحولها إلى حزبية فضعفت وخمدت جذوتها، فأتى بعد ذلك حادث جامع دار الرئاسة الذي أصيب فيه صالح ليزيد الطين بلة فتوقفت المظاهرات وبقي كل طرف متخندق في عرينه حتى تماثل صالح للشفاء فطلب من السعودية التدخل عبر المبادرة الخليجية التي صاغها المؤتمر الشعبي العام وتم بموجبها إنتاج النظام السابق بثوب مختلف حيث تم التنازل عن الرئاسة للنائب واقتسام المناصب الحكومية بين المؤتمر الشعبي العام ومعارضيه فحرقت الطبخة وظن كل فريق انه كان مظلوما في الماضي فبدأ بالانتقام من غريمه وتمت المتاجرة بالوظيفة العامة وتوزيعها على المقربين وصارت أمريكا والسعودية هما من يتحكمان في مقاليد الأمور عبر سفيريهما في اليمن ليصل الحال إلى هيكلة الجيش وتقسيمه وتدمير منظومة الدفاع الصاروخي الجوي بإشراف السفير الأمريكي تمهيدا لاحتلال اليمن وتجزئته وكان كل ذلك سيتحقق بسهولة مطلقة لولا قيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014م التي حمت اليمن من الأقلمة ورهنها للخارج من جديد فكانت ردة الفعل عنيفة حيث تم شن عدوان كوني بربري على اليمن وشعبها العظيم مضى عليه ما يقارب ثمانية أعوام وما يزال حتى الآن مستمراً ولم يحقق أهدافه بفضل صمود أبناء الشعب اليمني ومقاومتهم له وسيتحقق النصر عما قريب بإذن الله تعالى لتستعيد اليمن مكانتها التاريخية وريادتها في المنطقة.
Discussion about this post