▪فلسطين قضية الأمة التي تسيل دماء اليمنيين من أجلها..
▪️عدنان الجنيد
إن من أهم الخصائص التي يمتاز بها الشعب اليمني منذ القدم وحتى اليوم أنه شعب متفاعل مع قضايا وهموم إخوانه في بقية الدول العربية والإسلامية، شعبٌ يشارك إخوانه أفراحهم وأتراحهم، مجسداً الأثر النبوي الذي تحدث فيه الحبيب -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الوضع الصحيح الذي ينبغي أن تكون عليه الأمة المحمدية كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
فما من قضية من القضايا التهي تهم الأمة الإسلامية إلا وتجد الشعب اليمني من أشد الشعوب تفاعلاً معها، باذلاً كل ما باستطاعته في سبيل نصرتها.
والقضية الفلسطينية باعتبارها قضية المسلمين الأولى، فقد كان الشعب اليمني حاضراً فيها منذ البداية.
ففي مقال بعنوان (بين فلسطين واليمن شهداء وذكريات) تم نشره في وكالة الأنباء الفلسطينية بتاريخ 28/3/2016 ذكر الكاتب “يامن نوباني” أن عدد الشهداء اليمنيين الذين استشهدوا خلال مرحلة الثورة الفلسطينية بلغ ألف شهيد، منهم 21 شهيداً سقطوا في حرب 1948 م بحسب مركز المعلومات الفلسطيني ، ومن أبرز أولئك الشهداء الذين استشهدوا خلال مرحلة الكفاح الفلسطيني الشهيدان: محمد حسين الشميري ، وعبدالرؤوف عبدالسلام بطلا عملية الساحل التي نفذتها حركة فتح في أذار 1978م .
وفي حرب أكتوبر 1973م كان الشعب اليمني حاضراً بعملية جهادية كسرت أسطورة الطيران الصهيوني، وذلك بما قام به الملازم طيار “عمر غيلان الشرجبي” الذي تطوع في الجيش السوري، فقام بقصف مصافي حيفا، والانقضاض على طائرة صهيونية نوع فانتوم وتحطيمها، ثم قصف موقع التموين العسكري في طبرية ليلقى الله شهيداً بعد قصفه له، وتكريماً له فقد تم منحه وسام الدرجة الأولى من قبل الرئيس الراحل حافظ الأسد، إضافة إلى إقامة نصب تذكاري تخليداً له في أحد أكبر شوارع دمشق.
وحينما اجتاحت القوات الصهيونية لبنان في عام 1982م، كانت اليمن من الدول التي أرسلت الآلاف من المتطوعين للجهاد في لبنان، و الدفاع عنه، واسترداد ما سلبه العدو من الأراضي الفلسطينية، ولقد منحت الدولة اليمنية في ذلك الحين الشهداء الذين سقطوا في تلكم المعارك امتيازات شهداء الوطن.
وحينما تم تهجير الفلسطينيين من لبنان عقب ذلك الاجتياح كانت عدن إحدى أهم المدن التي احتضنتهم، وفيها تم إنشاء معسكرات تدريب عسكرية تتولى تدريب أولئك القادمين من لبنان كي يتمكنوا من تحرير بلدهم.
هذا ولم تقتصر مشاركة الشعب اليمني على ما ذكرناه سلفاً من صور للمشاركة الجهادية فحسب؛ بل تعدى ذلك إلى صور أخرى كحسن استقبال اللاجئين القادمين من الأراضي الفلسطينية، وحسن التعامل معهم، والسماح لهم بمزاولة ما يرغبون من أعمال حرفية وتجارية دون قيد .
أضف إلى ذلك، فقد لعب اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين خلال مرحلة الثمانينيات دوراً بارزاً في التعريف بالقضية الفلسطينية وحشد طاقات المجتمع في سبيل خدمتها والتعريف بها.
كما أن الشعب اليمني كان من أسخى الشعوب وأكرمها تجاه إخوانه في فلسطين الحبيبة، فبالرغم من تدني حالته المادية وسوء معيشته، لكنه أبى إلا المشاركة وبقدر الاستطاعة في تقديم يد العون، والذي لم يكن من فائض مال لديه، حيث أبت شهامته إلا أن يقاسم إخوانه في فلسطين الحبيبة شطر رغيفه.
وها هو الشعب اليمني اليوم وهو يمرّ بمحنة عظيمة تكالبت عليه فيها قوى الشر العالمي، [أمريكا وإسرائيل والنظام السعودي والإماراتي] ناقمةً عليه تلكم المواقف المناصرة لقضايا الأمة والمساندة لمحور الجهاد والمقاومة، فبالرغم مما يعانيه من حصار خانق واعتداء غاشم أهلك الحرث والنسل إلا أنه يأبى أن ينسى قضيته الأم وهي قضية فلسطين.
فتراه ما بين فترةٍ وأخرى وفي هذا الظرف العصيب، وتحت تحليق طائرات العدوان وقصفه الأرعن، ينهض في مظاهرات حاشدة مناصرة للقضية الفلسطينية غير آبهٍ بالمخاطر؛ لأنه يدرك أنه لا يُعتدى عليه إلا من أجل مواراة هذه القضية بالتراب ودفنها إلى الأبد، لأن العدو يدرك علاقة اليمن بفلسطين التي هي أشبه بعلاقة القلب بالجسد، واليمن هو قلب القضية الفلسطينية وعلى أيدي رجالها الأشاوس سيكون خلاص الشعب الفلسطيني ممن يحتل أرضه، حيث يخشى ذلك اليوم، ولذا فقد وجَّه أذنابه لشنّ هذا العدوان كي لا تأتي اللحظة التي يرون فيه أسود اليمن على أبواب القدس الشريف يحملون رايات النصر المبين لهذه الأمة.
بل إنّ المشروع الوحيد في المنطقة والعالم الإسلامي الذي يمتلك حلاً ورؤية قرآنية في مواجهة أئمة الكفر والاستكبار – [أمريكا وإسرائيل] ومن دار في فلكهم – هو المشروع الذي تحرك من خلاله الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، والذي واجه المشروع الصهيوأمريكي في أخطر مراحله؛ وذلك بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي في حينها [جورج بوش الإبن] ما أسماها [حربًا صليبية] على الإسلام بعد تنفيذ عملية ضرب أبراج التجارة العالمي بنيويورك..
وكانت القضية الفلسطينية من أوائل القضايا الكبرى التي أعطاها الشهيد القائد أولوية، وكان شعار [الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام]، والمقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والإسرائيلية هما من أبرز معالم هذا المشروع الذي كان لليمنيين شرف السبق إليه؛ وسبق التضحية في سبيل الله من أجله ومن أجل فلسطين والأمة..
فكانَ [العدوان الأمريكي السعودي] هو التخوف الذي عبرَّ عنه الأمريكيون تجاه هذا المشروع القرآني، وكأنّ هذه الدماء اليمنية التي تُسفك كل يوم في جبهات القتال، وفي المحافظات والمدن والقرى، هي ضريبة تحرير القدس وفلسطين من دنس اليهود..
فكان اليمنيون زيدية وشافعية شركاء في تقاسم الهمّ الفلسطيني، فكانت فلسطين ولا تزال من المسلمات والأولويات التي اجتمع عليها اليمنيون؛ ولعل موقف الطرق الصوفية في اليمن من هذه القضية هو جزءٌ لا يتجزأ من ذلك الموقف المشرف للشعب اليمني بجيشه ولجانه الشعبية وبكافة نخبه ومكوناته؛ ففي الأربعينيات ذهب أحد الصوفية وهو الشيخ “عبدالحفيظ عقلان محمد” (من جبل صبر – مديرية الموادم – محافظة تعز ) إلى فلسطين ضمن فصيل يمني – خليط من الصوفية ومن غيرهم – يصل عددهم إلى اثنين وثلاثين شخصاً من أجل أن يشاركوا مع إخوانهم في فلسطين في معاركهم مع الصهاينة، كمعركة “التل الأحمر” وتسمى الجبل الأحمر، وغيرها من المعارك..
وهذا يدل على أن فلسطين حاضرةٌ في وجدان الصوفية المجاهدين الأحرار مثلهم مثل إخوانهم المجاهدين في فلسطين ، وفي سبيلها تُعنى زواياهم بإعداد وتربية الرجال الذين يُناط بهم مهمة تحرير فلسطين من تدنيس الصهاينة، وما من حضرة من حضراتهم ،أو اجتماع على مائدة ذكر الله والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى -صلى الله عليه واله وسلم- إلا وتجدهم يختتمونه بالدعاء لإخوانهم في فلسطين بأن ينصرهم ويؤيدهم على عدوهم، وما من مسيرة تخرج للتضامن مع هذا الشعب إلا وتجدهم في الصفوف الأولى، وإن تهيأت السبل وفُتح باب التطوع والجهاد، فلن يبخلوا بأنفسهم، وستجدونهم في طليعة الجيوش كما هو دأبهم من قيادة الأمة وحمل راية الجهاد منذ القدم ، شأنهم شأن شيخهم الصوفي الحبيب “إبراهيم بن عقيل” مفتي تعز الأسبق الذي التحق بالكلية الحربية في دولة العراق حتى يتم له التأهيل العسكري كي يتجه فيما بعد تخرجه للجهاد في فلسطين ، وحينما لم يُسمح له بالذهاب إلى فلسطين بسبب الأنظمة العربية المتخاذلة، عاد إلى اليمن مربياً ومعلماً ، يؤهل جيلاً تتحقق فيه معاني التربية الإسلامية الصحيحة ليكون تحرير القدس وفلسطين على يديه، لأنه لا تحرير للأرض المغتصبة إلا بعد تحرر الإنسان المسلم من أهواء نفسه وشهواته ، وتلك هي الخطوة الأولى في طريق تحرير فلسطين التي سار عليها من سبق من القادة الذين كان لهم فضل تحرير فلسطين خلال المراحل السابقة.
Discussion about this post