حديث الإثنين :
لا أمل في تغيير الحكام العرب لمواقفهم
احمد ناصر الشريف
صحيفة 26سبتمبر العدد 2341
1 كانون2/يناير 2023م
تزامناً مع حلول رأس السنة الميلادية الجديدة 2024م – الذي يصادف اليوم الاثنين – تفصلنا ثلاثة أيام عن اكتمال الشهر الثالث للعدوان الصهيوني على قطاع غزة وعلى صمود المقاومة الفلسطينية في وجه هذا العدوان البربري والتي تحقق المقاومة من خلاله المعجزات وتخوض معارك عنيفة في مختلف محاور القتال والحكام العرب ما يزالون ساكتين ومتفرجين ولم تهتز لهم شعرة واحدة تحرك ضمائرهم الميتة لعلها تستيقظ رغم أن الفرصة المتاحة أمامهم اليوم لو تم استغلالها لحققوا نصراً يخرجهم من عقدة الخوف لأنها لن تتكرر أبداً وسيندمون على تفويتها بل إنهم منتظرون متى يزف إليهم جيش الكيان الصهيوني خبر انتصاره على المقاومة الفلسطينية والقضاء عليها ليرتاحوا من الصداع الذي سببته لهم ولجيوشهم الجرارة التي يستخدمونها للاستعراضات وقمع التمردات ضد أنظمتهم وليس للدفاع عن الأوطان وقضايا الأمة العربية وفي مقدمتها القضية المركزية فلسطين التي تعتبر قضية قومية وإسلامية بامتياز، قد يقول البعض إن هؤلاء الحكام معذورون لأن تنصيبهم على كراسي الحكم لم يكن بإرادة شعوبهم وإنما بإرادة خارجية تشترط عليهم من أجل بقائهم في الحكم تنفيذ كل ما يطلب منهم، وعليه فإنهم ملتزمون الصمت وعدم الرد على ما تفرضه عليهم سيدتهم أمريكا وربيبها الكيان الصهيوني لدرجة أنهم عاجزون عن فتح معبر رفح لإدخال الغذاء والدواء للمحاصرين في غزة هاشم وهو معبر عربي إلا بإذن من الكيان الصهيوني الذي لا يسمح سوى بدخول نسبة ضئيلة جداً من المساعدات المكدسة خارج معبر رفح المقدمة من مختلف دول العالم فهل يعني ذلك أن العرب قد كتبت عليهم الذلة والمسكنة بدلا عن اليهود الذين خصهم الله بهذه الصفة في القرآن الكريم وجعلها مرتبطة بهم إلى يوم القيامة.
كنا نعتقد أن إقدام اليمن المعتدى عليه من ذوي القربى والمحاصر مُنذ تسعة أعوام على كسر حاجز الخوف أمام الحُكام العرب من خلال دخوله شعباً وقيادة في مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني عسكريا واقتصاديا نصرة للإخوة الفلسطينيين الذين يخوضون معركة الشرف والكرامة في قطاع غزة بمفردهم قد يشجع هؤلاء الحكام الخانعين على التحرك ولو بالشيء اليسير على الأقل أن يتم الإصرار من قبلهم على فتح معبر رفح بالكامل لدخول المساعدات الإنسانية المكدسة وهذا أضعف الإيمان ولم يُطلب منهم الدخول في مواجهة عسكرية والضغط على إسرائيل كما يفعل اليمن ولكنهم أثبتوا طيلة ما يقارب ثلاثة أشهر من عدوان الكيان الصهيوني وارتكابه المجازر الجماعية بحق النساء والأطفال وتدمير أحياء بأكملها على رؤوس ساكنيها في قطاع غزة أنهم أعجز من أن يقولوا لأمريكا التي تسيرهم كلمة لا، فكيف أن يقوموا بخطوات عملية من أي نوع كان على المستويين العسكري أو الاقتصادي، ومن المؤسف أن الأمور وصلت في بعض الدول العربية خاصة السعودية والإمارات الخليجية أن يتم منع الشعوب من التحرك في مظاهرات استنكاراً لما يحدث في قطاع غزة وتم تسخير الكثير من الإعلاميين والسياسيين رسميا في هذه الدول لمهاجمة المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها وتحديداً حركة حماس وتحميلها المسؤولية وبأنها هي من أعتدت على الكيان الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين، ومن يتابع قنواتهم الفضائية سيجد العجب العُجاب، قد يستغرب الجيل الجديد من الشباب من موقف الحكام العرب إزاء ما يجري في فلسطين دون معرفة الأسباب وراء تخاذلهم وخوفهم الملازم لهم، لكن بالنسبة لي وبحكم أني قد قرأت عن تاريخهم السياسي مُنذ نشأة الكيان الصهيوني في 15 مايو عام 1948م بموجب قرار التقسيم الأممي الذي صدر من مجلس الأمن الدولي عام 1947م استطيع القول وبكل ثقة بأن الحكام العرب هم من أضاعوا فلسطين وأجبروا معظم أهلها على الهجرة القسرية إلى الشتات ويريدون اليوم أن يلحقوا بهم من تبقى منهم في الداخل الفلسطيني.
على سبيل المثال ولمعلومات الجيل الجديد وإن كنا قد تطرقنا إليه في مقالات سابقة أن أرض فلسطين التي يطالب بها العرب اليوم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها وعاصمتها القدس الشرقية كانت في متناول اليد ولم تكن محتلة من قبل إسرائيل مُنذ العام 1948م وحتى العام 1967م وإنما كانت محررة ومحتلة عربياً وليس إسرائيليا، حيث كانت القدس بما فيها المسجد الأقصى والضفة الغربية تحت إدارة الأردن وكان قطاع غزة تحت إدارة مصر ومع ذلك لم يُسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة عليها كما يطالبون حالياً بحل الدولتين وكانت حُجة الحُكام العرب التقدميين آنذاك بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بأنهم سيرمون إسرائيل في البحر ويسترجعون ما أخذته إسرائيل بقوة بريطانيا وأمريكا والدول المساندة لهما من أرض فلسطين ويسلمونها للفلسطينيين ولأن سقف مزايدة الحُكام التقدميين كان مرتفعاً فقد جرت الرياح بما لا تشتهيه السفن فبدلا من أن يسلموا للفلسطينيين النصف المسلوب منهم سلموا لإسرائيل النصف الآخر الذي كان تحت سيطرتهم في 5 يونيو عام 1967م إلى جانب أراض عربية أخرى منها صحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية ووادي عربة في الأردن وأرض لبنانية ومن يومها أطلق العرب على الجيش الصهيوني أسطورة الجيش الذي لا يقهر فعشعش الخوف منه في نفوسهم، وعندما حاول الجيش المصري إعادة الاعتبار للعرب من خلال النصر الذي حققه يوم 6 أكتوبر عام 1973م عندما تمكن من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الشهير وكان قادراً خلال أسبوع واحد الوصول إلى المضايق في سيناء لكن الرئيس أنور السادات آنذاك أجهض هذا النصر الكبير عندما سارع بإعلان وقف إطلاق النار بحجة أنه أصبح يحارب أمريكا وليس إسرائيل بالإضافة إلى أن القائد الصهيوني شارون استطاع أن يعبر بقواته عبر ثغرة الدفرسوار إلى غرب القناة فحاصر الجيشين المصريين الثاني والثالث ووصل إلى الكيلو 101 من القاهرة وهنا وفي هذا المكان نصبت خيمة للتفاوض قادها وزير خارجية أمريكا الشهير هنري كيسنجر لتنتهي تلك المفاوضات بإخراج مصر من معادلة الصراع العربي- الإسرائيلي وتحييد الجيش المصري وتكون مصر هي أول دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل وتعترفٍ بكيانها اللقيط وتقيم معه علاقات دبلوماسية وقد دفع الرئيس السادات الثمن غاليا نتيجة لموقفه هذا حيث تم اغتياله فيما عُرف بحادث المنصة الشهير وأصبحت مصر بعد ذلك عبارة عن مقاطعة أمريكية وتابعة للسعودية ودول الخليج بعد أن كانت متبوعة وتشكل قلعة العروبة وقلبها النابض ،كما تم تقييد حركتها بالديون التي وصلت الآن إلى أكثر من مائة مليار دولار وعليه فإن دورها قد أصبح سلبياً ولا يعول عليه لأن من يرهن قراره السياسي للخارج لا أمل في أن يخدم قضايا أمته وتحديدا قضية فلسطين، وما يفعله اليوم الحكام العرب حيث لا يملكون من أمورهم شيئا يسير في نفس الاتجاه إلا من رحم ربي وعليه لا بد ما يأتي يوم تكون فيه لكل ظالم ومتخاذل نهاية مخزية .
Discussion about this post