د. يوسف الحاضري
(( لقد كان في قصصهم عبرة — لماذا ضل قوم ثمود رغم دروس قوم نوح وعاد من قبلهم )) —-9
– فالعقل والمنطق والفطرة البشرية السوية تستحقر وتأنف وتبتعد عن كل مسرف فاسد وتنجذب الى كل مصلح محب غير ان النفسية المشوهه بالفكر الشيطاني تكون عكس ذلك فتعشق الذل والخنوع للباطل والانكسار للمفسد
بقلم د. يوسف الحاضري
(كاتب وباحث في الشؤون الدينية والسياسية)
إيميل abo_raghad20112@hotmail.com
وهكذا تبقى تلك النفوس البشرية التي تضعف سريعا أمام إغواءات وإغراءات الشيطان تتوارث جيلا بعد جيل فبعد أن اورث الله قوم عاد الأرض من بعد طوفان قوم نوح لم تمض سوى مئات من السنين فيتناسى الجميع تلك الأحداث فيضلوا ضلالا بعيدا ليعذبهم الله بريح عقيم صرصرا عاتية استمرت 8 أيام بسبع لياليها فيورث الله الأرض من بعدهم قوم ثمود لتتكرر الدورة من جديد فيضلوا ضلالا كبيرا رغم انهم يعرفون ما حصل لأبيهم آدم في الجنة وأيضا ما حصل لقوم نوح والطوفان وما حصل لقوم عاد والريح العقيم واسباب هذه الأحداث إلى ان الشيطان بضعف كيده تفوق عليهم لأن ضلالهم جعلهم اضعف من ضعف الشيطان نفسه , ليتخذوا آلهة بجانب ايمانهم بأن الله هو الإله الخالق لذا نرى ان دعوة الأنبياء ليست لتقول ان هناك إله إسمه (الله) فهم في الأساس مقرون بذلك ومؤمنون بذلك لذا تقول الرسل (يا قوم إعبدوا الله ) فتنفي وجود آلهة اخرى بجانبه (مالكم من إله غيره أفلا تعقلون) ,عوضا عن ان عامل الخير المتمثل في التذكير ضعف بمرور الزمن لذا ضعف معه عامل تناقل ما حصل لقوم عاد ونوح للاجيال وبقيت تلك الأماني والوعود الشيطانية تغزو قلوب الاجيال جيلا بعد جيل حتى وصلت تلك الامة (قوم ثمود) إلى وضعية تغمدها الله برحمته وفضله عبر إرساله رسولا من عنده إسمه (صالح) ليخرجهم من الظلمات الى النور , وكما هي سنة الله في إصطفاء الرسل والأنبياء والأولياء من أعظم الأشخاص اخلاقا ورجاحة عقل وقبولا في المجتمع وحكيما وصبورا ومطيعا لله وايضا واهبا روحه ونفسه لله متوقعا في اي لحظة ان تنتزع روحه وغير ذلك من صفات ,فرسول الله هو من يتكلم عن الله ويحمل رسالة الله ويستقبل وحي الله .
بدأ نبي الله صالح عليه السلام في سعيه لتصحيح مسار قومه الخاطئ وإصلاح إعوجاجه لإعادته للصراط المستقيم فدعاهم جميعا دون إستثناء (كبيرهم وصغيرهم , رجالهم ونساءهم , غنيهم وفقيرهم , ساداتهم وعبيدهم ) بدعوة واحدة لا تمييز بين احد لأن الله هو العدل والاستخلاف في الأرض مسئولية الجميع والعذاب والجزاء معروض على الجميع , ولأن الرؤية الدينية ترتقي بأصحابها وتعزهم وترفعهم مكانا عليا وتدعو للعدالة وللحرية ولتحرير العقول من الإرتباطات الشاذة الشيطانية النفسية الدنيئة لذا تتقبلها بسهولة نفسية المستضعفين في الأرض فهم في سنين حياتهم السابقة لا يجدون إلا كلما يستحقرهم ويستنقصهم ويذلهم ويخضعهم لمطامع ورغبات الإكابر لذا عندما يجدون دعوة ترتقي بنفسياتهم وتحررهم من هذه الوضعية فهي تنجذب إليها وتسابق الرياح عكس المتكبرين في الأرض بمالهم او بمناصبهم او بمنزلتهم فهم في الغالب تكون نفسياتهم مغلفة بطابع الاستكفاء كونهم يرون انفسهم أعزاء وأحرار حتى وآن كانت مرتبطة بالشيطان والاستعلاء على الناس وليست عزة الله التي تدعوا صاحبها الى التراحم والتكافل والتعاطف عوضا عن ان هذه النفوس تظن ان اصحاب الرسالات هذه سيسحبون البساط من تحتهم فيتحولون إلى فقراء بعد ثراءهم ويتحولون إلى تابعين بعد ان كانوا سادة يقودون غيرهم لذا يستغل الشيطان هذه العوامل الأستعلائية فينفخ فيها من روحه الخبيثة لتكبر وتعظم فيصل بهم الامر إلى الرفض والعناد والبحث عن الأساليب والطرق والأعذار والجدال وغيرها للتصدي للحق ولدعوته لذا نجد حججهم دائما واهية مكسوة بعنصر التشوية الشكلي للرسول والإتهامات الباطلة والتسفية وغير ذلك .
استخدم نبي الله صالح أساليب التذكير لقومه في دعوته ووضح لهم حقيقتهم في كيفية انشاءهم ومن انشأهم لكي يبرر لهم احقيته بالعبادة دون غيره لا شريك له مقارنة بمن يتخذونها آلهه هي اساسا أنشئت بايديهم الذين لجئوا بعد ذلك لعبادة ما ينشئون فقال لهم صالح ( قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو انشأكم من الأرض وأستعمركم فيها ) وايضا وضح لهم ان الله هو من يمتلك الأرض فجعلكم مستخلفين فيما يملكه الله لتعمريها من قبلكم فأنتم ملك لله الذي خلقكم وايضا ما تظنون انكم تمتلكونه من الأرض هي لله ايضا وانتم لستم سواء خلفاء فيها لفترة زمنية فليكن عمارتكم لها كما يريدها هو جل وعلا وليس كما تريدها نفسياتكم التي تهاوت مع الشيطان , ثم يذكرهم بالنعم التي انعمها الله عليهم من جنات ونعيم وانهار ومقام كريم وقدرة جسدية وعقلية مكنتهم من النحت في الجبال بيوتا للترف والترفيه وليس للحاجة كما هو حال الكثير اليوم ممن وصل به الترف الى ان يبني فلل بمليارات بمواصفات تعكس مدى إرتباطه بالحياة الدنيا وظنه انه خالدا فيها في وقت ان الأصل ان يسعى ليبني المكان الذي سيخلد فيه للابد وهي دار الآخرة , مقابل ذلك أستغرب نبي الله صالح من هؤلاء كيف مازالوا
يتبعون اولئك المفسدين في الارض والذين يسعون في الأرض خرابا ودمارا وأستكبارا ويأخذون حقوقهم بالقوة ويتصرفون بكل تصرفات تؤدي للفساد لذا وضح الله ذلك بقوله ( ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) فالعقل والمنطق والفطرة البشرية السوية تستحقر وتأنف وتبتعد عن كل مسرف فاسد وتنجذب الى كل مصلح محب غير ان النفسية المشوهه بالفكر الشيطاني تكون عكس ذلك فتعشق الذل والخنوع للباطل والانكسار للمفسد ليصل به الامر ليبيع ذاته ونفسه وعرضه بدراهم معدودة وهو راضي عن هذا البيع فأي تشويه حصل لفطرته هذا !!
بدأ عمل الرفض للنبي بأمور يظنها هؤلاء المستكبرين انها ستكون ذات فائدة وهذا الاسلوب هو أسلوب المدح للنبي ظنا منهم ان نفسيته كنفسيتهم ستسقط في هذا الفخ وتعجب بنفسها فقالوا له ( يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا) اي انت يا صالح فينا ذلك الرجل الحكيم الرائع الذكي الذي كنا نؤمل فيك بأن تصبح من اكابرنا وكنا نرجو ان تسمو علينا جميعا ولكن ضمن نطاق عبوديتك لآلهة آباءنا الأولين وليس ضمن هذا الذي تدعوننا اليه لنعبد غير ما وجدنا عليه آباءنا من منطلق توارثهم للفكر الديني الروحي النفسي وفي هذا دروس ان أي عبادة لله تقوم على قاعدة (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) اي قاعدة التقليد الأعمى كما هو حالهم وجدوا آباءهم يعبدون اصناما فعبدوا اصناما من حجارة يشاهدونها وهي تصنع امامهم فقاعدة التقليد الأعمى غير مقبول عند الله حتى لو كنت تعبد الله ولكن ليس على بصيرة وتشغيل عقل والبحث وانما على قاعدة ما وجدت عليه اباك فهو غير مقبول عند الله فالله غني عن العالمين وعن هذه العبادات .
آمن لصالح عدد من الناس معظمهم من الطبقة الكادحة التي وصفها الله في القران ب(المستضعفين) وليس كل المستضعفين بل جزء منهم فقط وجزء مازال خاضعا للنفسية التي ربتها الأستكبار وجعلتها ميتة في الذل يعجز اي شيء في احياءها للعزة والحرية السوية , ومع ذلك سعى المستكبرين لإضلال الذين آمنوا من المستضعفين ولكن بأسلوب الإستكبار والاستعلاء وليس بأسلوب التقرب والتودد والتنازل قليلا عما كانوا عليه من اضطهاد لهم كما هو حال المرتزقة اليمنيين اليوم رغم انهم استضعفوا من الخليجيين عشرات السنين واهانوهم واذلوهم ومع ذلك تبعوهم في عدوانهم على اليمن ورغم تبعيتهم وتقديمهم لانفسهم وارواحهم فداء لهؤلاء المستكبرين بأبخس الأثمان الا انهم مازالوا يستكبرون عليهم ويذلونهم ويهينونهم ومع ذلك لا حياة في نفسياتهم التي اصبحت ميته تماما ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن ءامن منهم اتعلمون ان صالحا مرسل من ربه ) اي استهزاء بهم وبه ومن انتم ايها المستضعفون حتى تكونوا مع الحق وما ادراكم انه مرسل من الله وغير ذلك من اساليب الجدال المشبع بالاستعلاء والأستكبار , فبدأ الخصام بينهما مما يعكس مدى العزة التي امتلكها المستضعفون بعد ان آمنوا بصالح حتى تجرأوا ان يردوا على المستكبرين وهذه نتيجة عظيمة وايجابية وطبيعية ( فإذا هم فريقان يختصمون) عوضا عن ان ايمان المستضعفين بالحق جعله المسكتبرين علامة من انه غير حق فرأوا انفسهم ارفع من ان يؤمنوا بشيء آمن به هؤلاء العبيد الاذلة (حسب مقاييسهم) لذا قال الذين استضعفوا ردا على تساؤلات المستكبرين عن صالح وعن هل هو رسول من ربه ( قالوا انا بما ارسل به مؤمنون ) فهنا رد عليهم المستكبرون بقولهم ( انا بالذي آمنتم به كافرون) ليستمر الجدال والخصام فيزداد المستكبرون استكبارا وفي ذلك ايضا تمحيص لإيمان المؤمنين وهكذا تجري سنن الله في الأرض .
سنتكلم في المقال القادم بمشيئة الله عن الناقة كآية ولماذا اختارها الله لهم واختبارهم في اوج جيروتهم بها كما اختبر اصحاب السبت وحصول العقوبة للجميع رغم ان الذي انبعث لعقرها هو شخص واحد من بين آلاف الناس الذين عوقبوا ولماذا عوقبوا بالرجفة وغير ذلك من دروس يجب ان نستوعبها ونعيها بأذن واعية.
Discussion about this post