حديث الإثنين:
هل تصبح أمريكا كما توقع ترامب من دول العالم الثالث..؟
احمد ناصر الشريف
صحيفة 26سبتمبر العدد 2295
30 كانون2/يناير 2023
سنظل نؤكد لأمريكا وللنظام السعودي إلى ما لا نهاية بأن الوضع الذي يعيشه اليمنيون اليوم هو وضع مختلف تماماً عن الوضع الذي كان يعيشه خلال العقود السابقة وتحديداً مُنذ قيام ثورة 26سبتمبر عام 1962م فالوعي الوطني الذي أحدثته ثورة 21سبتمبر الشعبية عام 2014م في نفوس اليمنيين قد شكل ثورة في حد ذاته وهو ما جعل اليمنيين يتدافعون بشكل لم يسبق له مثيل وخاصة الشباب منهم لمواجهة العدوان على بلدهم اليمن والحفاظ على سيادته واستقلاله وتحرير قراره السياسي من الوصاية الخارجية فتصدى أبناء الشعب اليمني لهذا العدوان الذي تشارك فيه أكثر من سبعة عشر دولة من بينها دول كبرى للعام الثامن على التوالي، وأنا أكتب هذه الأسطر تذكرت ما كتبه الدكتور محمد علي الشهاري رحمه الله في كتابه: طريق الثورة اليمنية ، والذي أستعين ببعض مما ورد فيه من مفردات كونها تنطبق على وضع اليمن الحالي وهي أن أي ثورة أصيلة وطنية ديمقراطية لهي أحوج ما تكون إلى وضع منهاج ثوري يكشف طريق سيرها ويقود خطاها وينقذها من السير التلقائي والعفوي ومن التخبط العشوائي فالنظرية الثورية هي دليل العمل الثوري والثورات الوطنية الأصيلة ليس من طبيعتها أن تخفي عن الشعب أهدافها بحجج دبلوماسية أو خوفا من الرجعية الداخلية والاستعمار فالشعب صاحب المصلحة في الثورة وعندما يعي أهدافها يستطيع الدفاع عنها وحمايتها.
وثورة 21سبتمبر الشعبية اكتسبت هذه الأهمية مُنذ أول يوم لقيامها بعد أن برهنت بأنها ثورة وطنية قامت من أجل الشعب وإنقاذه ممن اختصروا أنفسهم في الشعب والوطن ورهنوا قراره السياسي للخارج مقابل ثمن بخس لدرجة أنهم رهنوا أنفسهم في فنادق الرياض وأبو ظبي وسمحوا للغزاة بأن يحتلوا أجزاءً من وطنهم بل ويدافعون عن هذا الاحتلال وقد وصف بعضهم اليمن على الهواء مباشرة في إحدى القنوات الفضائية بأن اليمن تشكل حديقة خلفية للسعودية ودول الخليج بدون حياء أو خجل ولذلك ليس من باب الصدفة ولا مما يدخل في قائمة الظواهر الغريبة أن تتعرض اليمن اليوم بعد اندلاع ثورتها الوطنية عام 2014م لكل هذا الحشد الاستعماري الذي يحيط بها مُنذ قيامها وأن يخوض الشعب اليمني ممثلا في جيشه ولجانه الشعبية المكونة من الشباب الصاعد غمار معركة وطنية لاهبة ضد تحالف العدوان استثارت وما تزال تستثير اهتمام العالم بأكمله ، فموقع اليمن الاستراتيجي والجغرافي الفريد وخصوبة أرضه وطبيعتها الخلابة، ومركزها الحضاري الذي تبوأته بين حضارات العالم القديم كانت وما تزال من العوامل الرئيسية التي أغرت القوى الطامعة فيها وحركت وما تزال تحرك نوازعها إليه.
إن خريطة اليمن الجغرافية والطبيعية التي عُرفت بها والتي أجمع المؤرخون والجغرافيون العرب والأجانب مُنذ العهد الروماني إلى العهد العثماني تمتد من عمان وعدن في الشرق والجنوب إلى الحدود الجنوبية لنجد والحجاز في الشمال وتشكل عسير ونجران أطرافها الشمالية ومن ضمن حدود اليمن يدخل ميناء الليث والقنفذة على البحر الأحمر من جهة الشمال، وكما تمسك اليمنيون إلى اليوم بحدود بلادهم الجغرافية ويرون فيها إطاراً تاريخياً لشخصيتهم الوطنية عبر التاريخ فإنهم ينظرون باعتزاز وفخر إلى حضارتهم القديمة اللامعة والمجيدة ، فهنا على الأرض العربية السعيدة نشأت وتطورت في وقت تاريخي مبكر دول ومؤسسات حسنة التنظيم كمملكة معين وسبأ وقتبان وحمير كما نهضت حضارة عالية معتمدة على مؤسسات للري مستحدثة كسد مأرب الذي يعد أعجوبة من أعاجيب العهد القديم وغيره من السدود العديدة والعظيمة وحتى لا تستعيد اليمن مكانتها التاريخية التي تبوأتها بين الأمم وتكون لها الريادة في المنطقة تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب وخاصة جارة السوء السعودية التي أفقدت شعبها هويته الوطنية ونسبته إلى الأسرة التي تحكمه وربطت تاريخه بتاريخها الذي لم يصل عمره بعد إلى مائة عام مُنذ أن أسست بريطانيا هذا الكيان الشيطاني في 23سبتمبر عام 1932م وأطلقت عليه مُسمى المملكة العربية السعودية كخنجر مسموم لطعن الأمتين العربية والإسلامية من الخلف وكم هو مؤسف أن تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة عظمى في العالم قيادة العدوان على اليمن تحت مبررات واهية لا يستسيغها عقل ولا منطق وهي التي ساهمت بشكل مباشر في إسقاط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي سابقا ودول أوروبا الشرقية بحجة الديكتاتورية وغزت شعوبا واحتلتها بنفس الحجة وهاهي نفسها اليوم تحمي الأنظمة المتخلفة في المنطقة بما فيها السعودية الدولة التي ليست لها أي علاقة بالحرية والديمقراطية وهذه إحدى المفارقات التي تبرهن على وجود ازدواج المعايير الأخلاقية بل إن هذا التوجه الأمريكي يعني محاولة الإدارة الأمريكية تمرير الشعارات وتغليب المصالح على القناعات الفكرية حتى لو كانت على حساب المبادئ وتناقض ذلك مع أخلاقيات الشعب الأمريكي، وهنا يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن لنا أن نفسر اختلاف المعايير التي تتعامل بها السياسة الأمريكية مع الأحداث العالمية وحقوق الإنسان في العالم كما هو حاصل حاليا في اليمن وبلدان أخرى؟ إن كثيراً من الدراسات تؤكد ارتفاع نسبة الفساد الحكومي والانحراف بالسلوك في أوساط المجتمع الأمريكي وخاصة بين صفوف الشباب لدرجة أن الرئيس بايدن صادق على قانون أقره مجلس الشيوخ يحمي حقوق المثليين والسبب تناقض الأخلاقيات والدور السلبي لوسائل الإعلام وبالذات التلفزيون والسينما التي افتقدت للتربية الأخلاقية في المجتمع الأمريكي وهذا ما دفع الحكومة الأمريكية ممثلة في وزارتي الخارجية والعدل إلى حجب بعض من المواقع الالكترونية التي تعودت قول الحقيقة وفضح أكاذيب السياسة الأمريكية وهو ما يؤكد أن الحرية والديمقراطية في أمريكا شكلية فقط وخير دليل على ذلك موقف الرئيس السابق دونالد ترامب الذي رفض تهنئة منافسه بايدن بالفوز بالرئاسة رغم مرور أكثر من عامين على إعلان نتيجة الانتخابات بحجة أن الانتخابات مزورة ولم يكتف بذلك فحسب وإنما وصف أمريكا بأنها أصبحت دولة من دول العالم الثالث .
Discussion about this post