الحاكم بأمره لا يزال يطبق مبدأ “التجربة والخطأ” والنتائج عكسية
عدنان علامه / عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
آخر إبداعات الحاكم كانت تعميم رفع سعر منصة صيرفة إلى 38000 ليرة التي أخترعها وإغراق السوق بالدولارات، والسماح لكل مواطن لبناني بتحويل مبلغ 100 مليون ليرة إلى دولارات لمواجهة إرتفاع سعر الدولار في السوق الموازية والذي تخطى 60 ألف ليرة. وسينتهي مفعول تعويم السوق اليوم.
فماذا حصل نتيجة هذا التعميم؟
في الأسبوع الأول من الشهر الحالي هبط سعر الدولار إلى حوالي 43,000 ليرة ومن ثم بدأ بسعر الدولار إلى التفلت من كل قيد وارتفع بشكل جنوني وتخطى حدود ال 60,000 ليرة حيث تم التداول بكميات تفوق حجم السوق الأمر الذي أدى إلى إنهيار سعر الدولار؛ ثم عاد إلى الإرتفاع حتى بلغ امس سقف ال 58,000 ليرة.
وقد فاق حجم التداول في يومين فقط ال600 مليون دولار وإجمالي الضخ خلال شهر واحد بلغ حوالي ملياري دولار. والملاحظ أن منصة صيرفة تسجل تداولًا خجولًا بشكل يومي بعد توقف العمل بصرف 100 مليون ليرة بقيمة وسطية مقدارها 40 مليون دولار. وقد حصل ذلك الإنهيار المالي تحت أبصار وأسماع الحكومة العتيدة دون أي إجراء.
وفي المقابل عانى الشعب ولا يزال من الإرتفاع الجنوني في أسعار المشتقات النفطية والمواد الغذائية والإستهلاكية في ظل إنعدام الرقابة على الأسواق؛ بينما الحد الأدنى للأجور بقي متجمدًا.
وللعلم فإن جداول حقوق الموظفين العامين لم تقر حتى اللحظة بإنتظار إجتهادات الحاكم بأمره الذي يفكر برفع سعر المنصة مجددًا لتقارب سعر السوق الموازية وبذلك يأكل رواتبهم المتآكلة أصلًا.
فهل ينفذ الحاكم بأمره الأجندات الامريكية بتنفيذ الفوضى وتحقيق التهديد ب “الفقر الدائم أو الإزدهار المحتمل”؟
فإجتهادات الحاكم بأمره فد تؤدي إلى الإنفجار الشعبي في كل لبنان في ظل غياب الحلول العلمية المنطقية. فتفلت سوق سعر صرف الدولار لا يخضع لأي معيار علمي أو إقتصادي. فتعاميم الحاكم بأمره كانت ولا تزال تخدم صالح المصارف وكبار الصرافين وأصحاب رؤوس الأموال فقط.
وأقترح أن تتدخل الحكومة بشكل فوري لتفرض على الحاكم بأمره إقرار قوانين مالية تخفف من عن كاهل المواطنين الأعباء المعيشية الضاغطة في ظل إرتفاع الدولار الجنوني وتضمن بعض الإستقرار في سعره ومن أهمها دفع الأموال إلى المودعين على سعر صيرفة فيحل أزمتين في آن؛ أزمة إحتجاز أموال المودعين وهي حق شرعي وقانوني لهم وأزمة توفير سيولة في السوق دون إستعمال إحتياط المصرف المركزي.
ويتمحور الطلب حاليًا على الدولار في السوق الموازية على شراء المشتقات النفطية والمواد الغذائية والإستهلاكية والأدوية وبالتالي أقترح أن يتم تأمين قيمة مشترياتهم من مصرف لبنان على سعر صيرفة بدلًا من إعطاء حوالي 40 مليون $ يوميا للمصارف وكبار الصرافين لتأمين أرباحًا خيالية في ظل الركود الإقتصادي وعدم الثقة بها. إن ذلك سيخفف من الأعباء والضغوط النفسية عن الشعب اللبناني؛كما سيخفف بشكل كبير الطلب على الدولار، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى خفض سعر الدولار في السوق الموازية. وبذلك يضرب عصفورين في حجر واحد؛ إمتصاص نقمة الشعب بإنخفاض أسعار المشتقات النفطية والمواد الغذائية والأدوية وإنخفاض سعر صرف الدولار. وهنا لا من الإشارة بأن كل بيت ابتداءً من إرتفاع 500 م بحاجة إلى حوالي 20 ليتر يوميًا أي أكثر من مليون ليرة يوميا وستزيد هذه الكمية نظرًا لإستمرار المنخفض الجوي حوالي ثلاثة أسابيع.
لقد جرّب الحاكم بأمره تعويم السوق بالدولار؛ فامتص السوق مليوني دولار وهو ما يفوق قدرته وحاجته بأضعاف مضاعفة. فبقاء سعر الدولار مرتفعًا بالرغم من تعويم السوق؛ يؤكد تهريبه إلى الخارج.
إن لجوء الحاكم بأمره إلى إعادة فكرة تعويم السوق بالدولارات هي بمثابة إطلاق الحاكم النار على نفسه. فهناك ملياري دولار بأيدي الناس ومستعدون للتحكم بالسوق أكثر من تحكم الحكم بأمره، وهو الذي فشل في لجم السوق.
وصدق المثل: “يللي جرَّب مجرَّب بيكون عقله مخرّب”، فلتجرب الحكومة ولو لمرة واحدة فقط تأمين إحتياجات الناس بأقل كلفة ممكنة لتفادي إنفجارًا شعبيًا واقع لا محالة؛ وحينئذ لا ينفع الندم.
وإن غدًا لناظره قريب
31 كانون الثاني/يناير 2023
Discussion about this post