بسم الله الرحمن الرحيم
*”الإسلام السياسي”- “النفاق السياسي”-“الكفر السياسي”*
✍🏻 محمد حسن زيد
١٧ صفر ١٤٤٤
بحضور رؤساء وزراء بريطانيا ليز تروس وبوريس جونسون وتوني بلير أقسم الملك تشارلز الثالث وهو يرفع الانجيل بيده اليُمنى أن يُحافظ على الدين البروتستانتي وعلى قوانين الله والانجيل واستقرار كنيسة اسكتلندا وما يتبعها من عقيدة وعبادات…
فإذا كانت هذه هي بريطانيا العظمى أعرق الديمقراطيات في العالم التي تتنوع فيها الأديان والأفكار والثقافات والأعراق واستلهم المنبهرون من عنفوانها معيار الصواب من الخطأ والحق من الباطل حتى وصل الحال برئيس عربي كرس حياته للاهتداء بالغرب والتطلع إليه ان يقول صراحة بلا مواربة في معرض تبريره لسن قانون ميراث يتعارض مع أحكام القرآن *”لا علاقة لنا بالقرآن، نحن دولة مدنية مرجعها الدستور ولسنا دولة إسلامية مرجعها القرآن”* الرئيس الباجي السبسي صاحب النزعة القومية التونسية الذي ينتمي لنفس الأيديولوجية السياسية الدستورية التي انتمى إليها الرئيس بورقيبه ذلك الرئيس الذي دعا العمال للإفطار في رمضان وخَلَع بيده حجاب النساء وكلف المخابرات بتتبع المصلين المواظبين في المساجد!
أتصور انه عندما كان يُسأل المنتمون لهذا التيار الرائج في ذلك الوقت عما يقصدونه بالشعارات التي كانوا يرددونها وهل كانوا يُدركون أن ذلك قد يعني إسقاط الشريعة وطمس مظاهر الإسلام فستختلف الإجابات من شخص لآخر كُلّاً حسب ارتباطه الشخصي بالدين وحسب استيعابه لمعنى وخلفية ما يُردَّد! لكن ومع افتراض سلامة نيتهم جميعا وصدق حرصهم على الإسلام وانتمائهم إليه بماذا يبرر هؤلاء موقفهم المناهض للإسلام ولرموزه وشعاراته؟
هل السبب هو أنهم يفهمون ان الاعتزاء السياسي إلى الإسلام يعني تفريطا ما بسيادة القانون أوتضييعا ما لوجود الدولة؟
هل السبب هو خيبة أملهم من تجارب “الإسلام السياسي” الفاشلة المستأثرة ضيقة الأفق؟!
ام السبب هو استهجانهم لصراعات “الإسلام السياسي” الحادة المضمخة بالدماء والدموع والتكفير والتفسيق؟
أم السبب هو رفضهم لاستغلال الإسلام سياسيا للوصول إلى السلطة ثم استخدامها لاضطهاد المخالفين وتصفيتهم ماديا ومعنويا؟
قبل أن نخوض في الإجابات عما سبق لنتفق على التالي:
1- أن من يستخدم الإسلام للوصول إلى السلطة هو منافق أصلا لأن الإسلام لا يُستخدم! الإسلام ليس أداة للانتهازيين ولا أداة لأولياء الله وأصفيائه.
2- أن من يستغل شعارات الإسلام للحصول على مكاسب سياسية أو شخصية ويُدغدغ مشاعر الجماهير ليتفوق على منافسيه بالكذب والمزايدة فهو منافق أصلا لأن هذه الأفعال الماكرة هي استهانة بالإسلام وبمضمونه
3- أن من يمارس الظلم مُتلبّسا بعباءة الدين ويتحدث باسم الله غير مكترث بوعيد الله للظالمين فهو منافق أصلا لأن المؤمن لا يتجرأ على ما حذر الله منه فهو يعرف معنى ذلك وخطورته في الدنيا والآخرة.
إذا اتفقنا حول قُبْح ما سبق مع التشديد على إدانته، فإننا حين نحاول توصيفه سنجد أن مصطلح *”الانتهازية السياسية”* أو *”النفاق السياسي”* أقرب له وأدق من المصطلح المُستخدم في الأدبيات المعاصرة ألا وهو *”الإسلام السياسي”* !
فمن ينتمي للإسلام ويخشى الله حق خشيته لا يمكن أن يتجرأ على استخدام الإسلام أو استغلاله أو الخداع به للوصول لأي مصلحة دنيوية لأنه بذلك يجترح جريمة مركّبة فهو كاذب ماكر أولاً ثم هو يسيء إلى الإسلام ويصدُّ عن سبيل الله ثانيا!
ونحتار جدا لماذا اختار البعضُ مصطلحَ “الإسلام السياسي” لوصف أولئك المنافقين الذين يستغلون الإسلام ثم يسيئون إليه بتجاوزاتهم؟ لماذا يُقحم البعضُ لفظ “الإسلام” في صراعاته السياسية مع أشخاص يعتبرهم انتهازيين وأشرارا؟
ففي مجتمعنا اليمني بالذات – أليس الإسلام هو دين الجميع؟ أليس مقدسا لدى الجميع؟ فإذا اتفقنا أن الانتهازيين يستخدمون الإسلام زورا فلماذا نعترف لهم انهم يُجسّدون الإسلام أو يمثلونه؟
وحتى في المجتمع اليمني لا يُستبعد وجود أشخاص يحملون مشاعر باردة تجاه الإسلام وهؤلاء عندما يرددون مصطلح “الإسلام السياسي” فغرضهم هو إقحام الإسلام واستهدافه عمدا لأنهم يظنّون انهم خسروا معركة سياسية بسبب الإسلام أو يتوقعون خسارة مادية أو معنوية بسببه لذا فهم يوجّهون ضربات استباقية غريزية دفاعا عن مصالحهم ورغبة في تغيير قواعد اللعبة التي خسروا بسببها، لذا فمثل هؤلاء متلهفون لظهور إسلام بديل لا يتعارض مع طموحاتهم ومصالحهم، بل قد يعملون هم على صناعة هذا الإسلام البديل وترويجه وتغليفه بأجمل العناوين ليصبح ربما “إسلام الحب” أو”إسلام التسامح” أو”إسلام المساواة” أو”إسلام الحقوق والحريات” أو غيرها من العناوين السياسية الجذابة التي تستخدم اسم الإسلام مع تحريفه والصد عن سبيل الله لترتكب بذلك جريمة مثلثة!
وأبعد من ذلك قد يوجد أشخاص أكثر تطرفا من الفئة السابقة يرددون مصطلح “الإسلام السياسي” لأنهم يعادون الإسلام فعلا إما لأنهم حاقدون على الدين لسبب ما أو لأنهم ينفذون أجندة خارجية تستهدف الإسلام! وهذا يقودنا للتعرف على مصطلح جديد ألا وهو *”الكفر السياسي”* ومثاله أن يصرّح أحدُ الساسة علنا بأنه لا يريد حكم الله ولا ينوي أن يلتزم بأمره ولا ينتهي عن نهيه ثم نسمعه يتناول بعض الاختيارات الإلهية كالاصطفاء الثابت في كتاب الله بطريقة ناقدة ساخرة معتبرا انها مجافية للعدالة والحكمة ومُلمحا إلى أن الزمن قد عفى عليها ويوحي في كل ذلك انه يتعامل مع الإسلام باعتباره صناعة بشرية ويتعامل مع الله وكأنه ند له أو شريك في المُلك والرأي والحكمة! فإذا لم يكن هذا كفرا سياسيا صريحا فما هو الكفر السياسي؟ أترك الإجابة للقارئ الكريم…
لكن حتى لا نسترسل في توصيف الآراء المتطرفة ونختزل فيها كل من يستخدم مصطلح “الإسلام السياسي” نؤكد أن هناك من يردد هذا المصطلح ويروّجه بحسن نية ومن منطلق الاقتناع به بل والحرص به على الإسلام وفقا لأحد الاحتمالين التاليين:
*الاحتمال الأول:* اقتناعه بأن الإسلام ليست له علاقة بالسياسة
*الاحتمال الثاني:* اقتناعه بأن الإسلام لا ينبغي أن تكون له علاقة بالسياسة
الاحتمال الأول:*الإسلام ليست له علاقة بالسياسة:*
هذه القناعة مستقاة من المقولة الغربية الشهيرة “لا علاقة للدين بالسياسة” لكن هذه المقولة ليست ثابتة فطرية ولا وحيا إلهيا ولا حقيقة علمية بل هي مجرد أيديولوجيا سياسية تحتمل الصحة والخطأ ولا يجوز أن تكون حاكما على الإسلام سيما والدول الغربية نفسها والتي هي القدوة التي تهتدي بها هذه الفئة لا تتورع من ذلك الخلط، فأعلام أهم الدول المترفة في العالم تحمل رمزا دينيا صريحا كسويسرا والسويد والنرويج والدنمارك وفنلندا وايسلندا… ثم ما هي قيمة هذه المقولة وغيرها عندما نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من أسس دولة الإسلام ومارس الحكم بنفسه، كما أن الخلفاء من بعده مارسوا الحكم، وإن كانوا قد اختلفوا في التفاصيل لكنهم لم يختلفوا حول مشروعية قيادة الدولة بالإسلام، ثم إن الآيات القرآنية المتظافرة تشير بوضوح إلى ضرورة أن يكون الحكم لله وأن من لم يحكم بما أنزل الله ظالم وفاسق وكافر (عدة آيات) والآيات الدالة على حصر وقصر الولاية لله ولرسوله وللذين آمنوا في قوله تعالى *”إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون”* كما أن القرآن ذكر قصة نبي الله سليمان الذي مارس الحكم… وغير هذا من الأدلة والبراهين الساطعة، الواضحة القاطعة.
الاحتمال الثاني:*الإسلام لا ينبغي أن تكون له علاقة بالسياسة:*
من يقتنع بذلك فغرضه هو حماية الإسلام من أن يتلوث بالسياسة (فالسياسة في نظره لعبة قذرة) وأن يدخل في تجاذبات السياسيين التي تسمم كل ما تلمس، فهؤلاء يريدون أن يبقى الإسلام نقيا محايدا ومرجعا للجميع حتى لا يضطر أحد لاستهدافه دفاعا عن مصلحته كما اضطر عبدالله بن أبي بن سلول عندما خسر سيادة يثرب بعد وصول النبي وتأسيس دولة الإسلام!
لذا هؤلاء يرون أنه يجب تحييد الإسلام وحصره في المسجد وإبقائه على مسافة واحدة من الجميع من الظالم والمظلوم من القاتل والمقتول من العميل والمناضل من العاهرة والراهب من الديوث والغيور…
*”وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”*
*”ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا”*
Discussion about this post