كيفية التشبّث بالهوية في عصر العولمة
حسام خلف
نبدو عاجزين أمام مانسميه “الغزو الثقافي ” ” الحرب الناعمة ” ” تدميرالهويات ” ” تخريب القيم ” في الوقت الذي ندافع فيه دفاعا مستميتا عما تبقى من قيمنا الخاصة .
تبدو المعضلة أكثر من كونها معضلة محلية إنها أزمة عالمية؛حيث يشتكي العالم من غزو الثقافة الأمريكية التي يتم تصديرها بشكل ممنهج ومؤدلج ، والفرنسيون يدقون ناقوس الخطر لأجل الحفاظ على التقاليد والخصوصية الثقافية ، إنه التحدي الأكبرالذي نشأت على إثره العلوم الإنسانية وبالخصوص الحقل الإنثروبولوجي الذي يحاول الإجابة عن كيفية تقبل وحدة الجنس البشري وتنوعه في آن واحد؟ .
كان المفهوم السائد عن الثقافة يحمل طابعا حتميا بمعنى أن الثقافة هي التي تصنع أفراد المجتمع لكن تبدل هذا المفهوم على وقع تقدم الدراسات الأنثروبولوجية ( علم الإنسان ) ليغدو أكثر جدلية وتفاعلية أي أن الثقافة متغيرة ومتبدلة تتأثر بتصورات الأفراد أنفسهم إذ يمتلك كل فرد تأويله الخاص عن الثقافة _والذي لايكون ظاهرا في الحالة الفردية- إنما مجموع التأويلات والتنويعات الفردية يؤدى إلى تبدلات دينماكية في ثقافة المجتمع ، بالإضافة إلى عامل التثاقف والتبادل الثقافي مع الأمم .
ونحن كأمة تمتلك حدودا لثقافتها وهوية خاصة وتبحث عن سبل المحافظة على هويتها الذاتية علينا أن ندرك كخطوة أولى أن المحافظة الكاملة على الهوية من المستحيلات، خصوصا في عصر تحول فيه العالم إلى لوحة مفتوحة ومعرض متاح للجميع على شاشة اللابتوب أو الجوال أو حديقة كبيرةمن خلال المواصلات السريعة.
لكن يمكن الدفاع عن الخصوصية بشكل آخرأكثر واقعية بعد الكف عن الشكوى والتباكي على القيم ، والانطلاق للعمل على تمييز الثابت من المتغير من عناصر هويتنا الثقافية، وتمتين الثابت بطرحه على ساحة البحث المفهومي الفلسفي ، وتشييد بناء معرفي لكل واحد من المفاهيم الأساسية لقيمنا الثابتة ولنأخذ الكرامة الإنسانية الواردة في القرآن الكريم أنموذجا .
يحتاج هذا المفهوم إلى الكثير من الجهد الفلسفي للإجابة على أسألة مثل : ماذا تعني الكرامة الإنسانية؟وهل ينبغي تبنيها كمبدأ للحياة أم قراءتها للتمدح وكسب الثواب ؟ ومالمسوغ لتبنيها ؟ مالإجراءات التي ينبغي تطبيقها لتحقيق القدر الأكبر من الكرامة في الواقع المعاش ؟مالإجراءات المتبعة عندما يحاول شخص ماانتهاك مبدأ الكرامة ؟..الخ
إن جهدا كهذا كفيل بتثبيت القيم الأساسية وتحويلها إلى عناصر فاعلة في الحياة بل يتيح الفرصة لتصديرها على أنها قيم كونية ومنتج ثقافي وميزة تنافسية وبالتالي التحول من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم على ساحة الحرب الناعمة .
Discussion about this post