*عدنان علامه*
*يخوض لبنان منذة فترة ليست بالقصيرة مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي وخاصة بعد إعلان لبنان عدم قدرته على تسديد ديونه المستحقة. والجميع يعرف حق المعرفة بأن صندوق النقد الدولي ليس جمعية خيرية. وهو يستغل وضع أي دولة متعثرة في سداد ديونها أو البلد الذي يعاني أوضاع إقتصادية صعبة ليفرض عليه شروطاً مذلة وقد تتعارض مع سيادة الدولة. فكيف الأمر مع لبنان والأوضاع السياسية متأزمة؛ وأخبار الفساد والأموال المنهوبة والموهوبة والسمسرات في معظم الصفقات تحتل الصفحات الأولى في معظم الصحف الورقية والإلكترونية وعناوين الأخبار الرئيسية في نشرات الأخبار في القنوات الفضائية المحلية والعالمية.*
*ومما يزيد الطين بلة هو تعثر المصارف وحجز أموال المودعين وارتفاع سعر صرف الدولار بشكل هستيري. فأمام هذا الواقع المرير سيزيد صندوق النقد الدولي شروطه التعجيزية حتى يوافق على منح لبنان بعض القروض ويقيناً ستتسلل الشركات المشبوهة لتنفيذ مشاريع مساهمة او إستثمار بنظام B. O. T. كشرط أساسي لمنح القروض.*
*وللأسف فقد عرض بعض “الجهابذة” أن تبيع الدولة أصولها المنقولة وغير المنقولة للخروج من الأزمة.*
*واحضرت من ذاكرتي تجربة عملية عاشتها البرازيل للنهوض من أزمتها الإقتصادية الخانقة وقد إستطاعت التغلب على الأزمة والإستغناء عن “خدمات” صندوق النقد الدولي وشروطة المذلة في عهد الرئيس لولا دا سيلفا آخذين بعين الإعتبار بأن عدد سكان البرازيل كان في عهده حوالي 204 ملايين شخص.*
*ويعتبر لبنان أصغر من معظم المدن البرازيلية ومشكلته ستحل إذا تمت محاكمة الفاسدين والمفسدين، واسترداد المال المنهوب والموهوب دون وجه حق. ونبقى مع التجربة البرازيلية ليتم أخذ العبر منها :-*
*في الثمانينات مرت البرازيل بأزمة اقتصادية طاحنة …فذهبت للاقتراض من صندوق النقد الدولى معتقدة إنه الحل لأزمتها الاقتصادية. وطبعاً طبقت حزمة الشروط المجحفة، مما أدى الى تسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين، والغاء الدعم ..!!*
*وانهار الاقتصاد البرازيلي ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية.*
*ورغم استجابة البرازيل لكل الشروط، تفاقمت الأزمة أكثر فأكثر، وأصبح 1% فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي ..!! وهبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار، معتقدين إنه الطريق للخروج من الأزمة ..!! فتدهورت الامور أكثر، وأصبحت البرازيل الدولة الأكثر فسادا وطردا للمهاجرين، والأكبر فى معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون فى العالم.*
*”الدين العام تضاعف 9 مرات فى 12 سنة”. حتى هدد صندوق النقد بإعلان إفلاس البرازيل إذا لم تسدد فوائد القروض، ورفض إقراضها أى مبلغ فى نهاية 2002 وانهارت العملة “الدولار وصل الى 11 الف كروزيرو”.*
*دولة كانت تحتضر بمعنى الكلمة حتى جاء عام 2003 ..وانتخب البرازيليون رئيسهم “لولا دا سيلفا” … الذى ولد فقيرا، وعانى بنفسه من الجوع، وظلم الاعتقال “كان يعمل ماسح أحذية” ..!!*
*أول ما مسك الحكم الكل خاف منه رجال الأعمال قالوا هذا سوف يأخذ أموالنا ويأممننا والفقراء قالوا هذا سوف يسرق كي يعوض الحرمان. لكنه لم يفعل ذلك؛ وإنما قال كلمته الشهيرة: “التقشف ليس أن أفقر الجميع بل هو أن تستغنى الدولة عن كثير من الرفاهيات لدعم الفقراء” ..!! وقال كلمته الشهيرة: “لم ينجح أبدا صندوق النقد إلا فى تدمير البلدان”.*
*واعتمد على أهل بلده. وضع بند في الموازنة العامة للدولة أسماه: “الإعانات الاجتماعية المباشرة” وقيمته 0.5% من الناتج القومي الإجمالي للدولة. ويصرف بصورة رواتب مالية مباشرة للأسر الفقيرة. يعنى بدل الدعم العينى بدعم نقدي.*
*وهذا الدعم كان يدفع الى 11 مليون أسرة تشمل 64 مليون برازيلى…!! هذا الدعم كان 735 دولارًا. طبعا السؤال من أين …؟؟ والبرازيل مفلسة ؟!!*
*لأنه رفع الضرايب على الكل ما عدا المدعومين ببرنامج الإعانات، يعنى رفع الضرائب على رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب. والسؤال هل وافق رجال الأعمال على ذلك ببساطة ؟؟!!*
*تخيل إنهم كانوا سعداء لأنه منحهم “تسهيلات” كبيرة في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم … و”منح” الاراضي مجانا وتسهيل التراخيص، وإعطاء قروض بفوائد صغيرة ساعدتهم فى فتح أسواق جديدة.بالإضافة إلى أن الفقراء دخلهم سوف يرتفع، و”تزيد” عملية شراء منتجات رجال الاعمال “فتضاعف” حجم مبيعاتهم. لذلك لم يشعروا انها “جباية”. بل يدفعون ضرائب مقابل “تسهيلات” أصبحوا يكسبون أكتر منها ..!!*
*بعد 3 سنين فقط عاد 2 مليون مهاجر برازيلي وجاء معهم 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل..!!؟؟ فى 4 سنوات (مدة رئاسية واحدة) سدد كل مديونية صندوق النقد ..!!؟؟*
*بل أن الصندوق “اقترض” من البرازيل 14 مليار دولار اثناء الأزمة العالمية فى 2008، أى بعد 5 سنين فقط من حكم “لولا دا سيلفا” ..!!*
*وهو نفس الصندوق الذي كان يريد أن يشهر “إفلاس” البرازيل فى 2002، ورفض إقراضها لتسدد فوائد القروض..!!*
*بفضل تركيز “دا سيلفا” على 4 أمور:*
*الصناعة …التعدين … الزراعة… والتعليم. البرازيل أصبحت تصنع الطائرات (اسطول طائرات الامبريار برازيلية الصنع). بعد انتهاء ولايتي حكم لولا ديسلفا فى 2011 (٨ سنوات) … وبعد كل هذه “الإنجازات” الحقيقية.*
*طلب منه الشعب أن يستمر و يعدل الدستور. رفض بشدة وقال كلمته الشهيرة: “البرازيل ستنجب مليون لولا .. ولكنها تملك دستورا واحدا “..و ترك الحكم ..!!؟؟*
*والبرازيل دشنت أول غواصة نووية (5 دول فقط فى العالم تصنع غواصات نووية هي: امريكا – روسيا – الصين – بريطانيا – فرنسا).أول غواصة كانت بالتعاون مع فرنسا … ولكنها ستدشن الغواصة الثانية فى 2020 والثالثة فى 2022 بصناعة برازيلية خالصة …!!*
*النهوض من التخلف ليس مستحيلا … إنها “إرادة” و”إدارة”. ويحدث فى سنوات “معدوده” فقط. والطريقة “معروفة” ومحددة: الصناعة … والزراعة … والاهتمام بالفئات الفقيرة المنتجة … و”جودة” التعليم.*
وهذا ما عملته ألمانيا واليابان فى الستينات …
وهذا ما عملته دول شرق أسيا فى الثمانينيات …
وهذا ما عملته الهند فى التسعينيات …
*وهذا ما عملته تركيا والبرازيل فى 2003. وهذا ما تعمله الآن اثيوبيا ورواندا منذ سنوات …!!*
*فماذا سيفعل لبنان؟ *
Discussion about this post