(( لقد كان في قصصهم عبرة — الصفات والسمات القرآنية للدولة الإسلامية ولحكامها ” مملكة داوود انموذجا” )) — 95
أسس داوود مملكة الخير والصلاح والعمل الصالح وتعمير الأرض كما يريدها الله جل وعلا ، فلا علاقة لجنس ما بهذه المملكة ولا بهذه الشخصيات العظيمة فالإرتباط هو إرتباط إسلامي لله فمن أتبع هدى هذا النبي أو ذاك فهو في نفس المسار والصراط المستقيم ومن أعرض عنه فهو لا ينتمي لهم على الإطلاق وبهذا يتم نسف الربط السلالي الذي يسعى بنو إسرائيل لتثبيته سواء على مستوى الأرض أو على المستوى الشخصيات !!!
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
– أنعم الله بفضله وحكمته وعلمه على رجل ينتمي الى بني اسرائيل اسمه “داوود” بنعمتي النبوة والملك رغم أنه كان إنسانا بسيطا عاديا وفق مقاييسنا البشرية التي نصنف بها بعضنا البعض على إثرها ، ولم يكن تفضيل الله له من منطلق العشوائية أو الصدفة أو المجاملة أو المحاباة والعياذ بالله فجل الله وتعالى وتقدس وتنزه عن كل ذلك فليس كمثله شيئا حتى نصفه بصفات نتداولها بيننا البين ونحمل بعضها ونتعامل بها وهي صفات سيئة فكيف يمكن ان نصف المولى الخالق بهذا الأمر ، بل جاء إختيار داوود عليه السلام من منطلق تراكمات أمور واحداث إيجابية ترتقي بالإنسان يوما بعد يوم حتى يصل الى مرحلة يصيبه الله برحمته وفقا لسننه ، لذا نجد كل الأنبياء يذكر الله سبب اصطفاءه وإختياره بأنه كان من المحسنين وكان من الصالحين ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُحْسِنِينَ ) فهنا وصف عدد من الانبياء بأنهم من المحسنين ، فعلى الرغم ان ذرية نبي الله إبراهيم كثير جدا الا ان هؤلاء هم الذين أصطفاهم الله على رأس البشرية لأن إحسانهم فاق الآخرين كما رأينا كيف اصطفى الله يوسف على بقية إخوته الآخرين والسبب أيضا الإحسان الذي إتصف به يوسف ووضح الله جل وعلا ذلك في سورة يوسف أن الله بعلمه وبحكمته يكون الإصطفاء ( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) وهنا يجب أن يكون مكمن إجتهادنا وعملنا وتحركنا فيه وهو الإحسان للآخرين في تعبدنا الله وعندها سيشملنا خير الله وفضله ويرفعنا في الدنيا والآخرة ، فهل من مدكر ومستوعب وفاهم وواعي ليعتبر !
خلال مسيرة نبي الله داوود وملكه وحكمه ونبوته مده الله بكثير من المعونات والتي أستفاد منها فيما يعكس تعبده لله ومن هذه الأمور ما تحدث عنه القرآن الكريم وهي (تأويب الجبال والطير معه ) و (إلانة الحديد له) فقال تعالى في ذلك ( وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَديد) فعمق عبادة داوود لله وإختلاءه المتكرر مع الله في تسبيحه وتحميده في الجبال والسهول والهضاب حتى أنها أصبحت من العبادات المثالية لله فأنصهرت معه الجمادات والأحياء فجاءت الجبال الصماء كنموذج للجماد وبما تتميز من الصلابة والقسوة ولكنها في عبادة الله تخضع وتخشع وتتصدع وتتردد (تأوب) تسبيح داوود وأيضا بقية الجمادات الأخرى كالسهول والأرض والسحاب والمياه الجارية وكل شيء يتواجد في تلك المنطقة كانت تردد ما ينطقه داوود ، وايضا الكائنات الحية (والطير) جاء نموذجا لها من منطلق طيرانها وتحركها السريع فلم يمنعها ذلك من البقاء لتتعبد الله مع داوود ويأتي تحتها بقية الكائنات الحية كالزواحف والحشرات والحيوانات المتواجدة في تلك المنطقة أي ان كل شيء يسبح بحمد الله بعد داوود ( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ، وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ) ، بيد ان هناك كثير من البشر لا تقارن قوتهم وأعمارهم وثباتهم وضخامتهم بالجبال مثلا الا انهم أشد قسوة من حجارة هذه الجبال فلم تتأثر ولم تتفاعل بآيات الله كما تتفاعل الجبال وحجارها والحيوانات والحشرات وبقية المخلوقات ، فيا أيها الناس أوبوا مع النبي محمد بالقرآن الكريم وسبحوا الله ولا تكونوا أدنى من الحجارة والحشرات والحيوانات والطيور ، وعندها سيلين لكم كل شيء حتى لو كان أشد صلادة من الحديد (وألنا له الحديد).
مثلت عبادة داوود عليه السلام نموذجا عظيما لتسبيح الإنسان مع ما سخره الله له في الأرض لتسهيل عملية إستخلافه وعمله وبصورة عملية واضحة ( أَلَـمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ ) فعلينا ان نسبح ونتعبد الله ونحن مدركون ان كل هذه الأمور تسبح وتتعبد معنا لله في إنصهار تعبدي لله كمخلوقات له ، وعندها سيسهل الله لنا هذه المخلوقات ويسخرها لنا تسخيرا عمليا كما سخرها لداوود ثم سخرها بشكل أكبر وأوسع لإبنه سليمان عليهما السلام ، لذا انا ارى ان ما روي ان جذع الشجرة الذي بكى عندما تركه النبي في المدينة واستخدم المنبر في خطابه للمسلمين فحن إليه الجذع باكيا ان هذه إحدى القصص الصحيحة المؤكدة السليمة ، ونحن نستطيع أن نجعل جدران منازلنا وسقوف بيوتنا وأي شيء من هذه الأشياء أن تتفاعل معنا لو استطعنا ان نصل بنفسياتنا التعبدية لله لما وصل إليه هؤلاء الأنبياء ، ونستطيع ان نخضع لنا الحيوانات والزواحف والطير وغيرها من الكائنات الحية لنا ويفجر الله لنا الأنهار والثروات من تحت أقدامنا إن عرفنا كيف نتعامل في تعبدنا لله ، وهذه أمور حصلت وتحصل في جبهات العزة والشرف هذه الفترة مع المجاهدين لذا نرى ونسمع كثيرا من الاحداث والقصص تدعم ذلك ، فالقرآن جاء ليوضح لنا سنن الله وقوانينه في الأرض وفي تسخيره لنا ما في السماوات وما في الأرض ولكن علينا ان نعي ونفهم كيف نستفيد منها ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .
ومن جانب آخر فإن هذه النعم التي يسخرها الله لعباده المخلصين المحسنين يقابل بشكر من قبلهم بطريقة داوود وهي الطريقة المثالية للشكر ، فعندما مكن الله داوود وبني اسرائيل في الأرض تأتي مسئوليات أخرى عليهم تتنوع ما بين إقامة العدل والحكم بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقوية الدولة لإرعاب الباطل من ان يتحرك للقضاء عليهم وكل ذلك تحت اطار التعبد لله ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْـمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْـمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) وهذا ما وجدنا عليه داوود عليه السلام فأستخدم نعمة إلانة الحديد له في صنع السيوف والدروع وكلما يفيد في الحروب مع الأعداء ( أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) فكان للعمل الصالح المثالي له أن الله شدد وقوى ملكه ( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) وهذه أمثلة عالية وراقية للدولة الإسلامية التي وللحاكم الإسلامي (الحكمة وفصل الخطاب) لذا عندما نرى قيادة تمتلك الحكمة والإحسان والعمل الصالح والدعوة المستمرة للناس بدعوة الله للناس (السيد عبدالملك الحوثي نموذجا مثاليا في عصرنا) لذا هذا الرجل بشارة للدولة اليمنية الإسلامية النموذجية التي ستكون إن شاء الله (وشددنا ملكه) فقصص القرآن التي جاء بها الله هي للعبرة لعرف كيف يحب ان نتحرك وهذا هدى لنهتدي به في الإيمان بالله العمل الصالح وفي الرحمة لنا ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ولم يسردها الله تعالى لمجرد المعرفة التاريخية والتوثيق للأحداث(ما كان حديثا يفترى) بل سنن من سنن الله جاءت على شكل قصص لأقوام ورجال ومدن وقرى ومماليك سبقتنا فإيماننا بالقران وما فيه هو العمل به وإتباعه ولا نحتاج لأن نتفلسف ونتذاكى فالقرآن جاء هاديا برحمة الله لنا ولم يفرط الله فيه من شيء للبشرية (ْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) والآية اللاحقة لهذه الآية توضح أي حالة يكون عليها الإنسان عندما يتفلسف ويعمى عن هذه السنن وهذا القرآن ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُـمَاتِ ) فهذا وضع من يتحرك بعيدا عن القرآن يتحرك بظلام وفي ظلام لذا نرى اليوم كيف العالم في تخبط وعشوائية وفساد حل بالبشرية في البر والبحر فجاءت نتائج ما اسموه (التطور التكنلوجي) ضد البشرية ودمار البشرية اخلاقيا وفطريا ومجتمعيا وسياسيا وعسكريا وأمنيا وغيرها ، فهل من مدكر !!
بعد أن مكن الله لبني اسرائيل في الأرض بعد الذل والهوان مع داوود وشدد الله ملكهم وقواهم جاءت المسئوليات الأكبر عليهم ، من خلال البناء والتنمية والعمل بما ينعكس بالخير والفائدة على البشرية ضمن إستخلاف الله للناس في الأرض والعمل الصالح بما ينعكس بالخير والفائدة على مستوى الاحترام البشري وتعميق فطرته السوية في تعبده لله ، بيد ان هناك من بني اسرائيل مازالوا يمتلكون تلك النفسية العاصية المفسدة الجاحدة بنعم الله لذا استمروا في افسادهم واعتداءهم حتى في لحظة تمكينهم في الأرض لذا لعنوا على لسان داوود (وهذا ما سنتكلم عنه في المقال القادم) ان شاء الله تعالى وعن سبب استحقاقهم لعنة الله على لسان داوود (لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ).
#د_يوسف_الحاضري
















Discussion about this post