لماذا تدرس؟ لكي أتوظف وأحصل على وظيفة لكي أتزوج وأبني بيتا وأنجب ؟ ثم ماذا بعد ؟؟ ثم بعد ذلك أربي ابنائي فيدرسون ويكبرون ويحصلوا على وظائف ويتزوجوا ويبنوا بيوتا وينجبوا أبناء؟ ثم ماذا بعد ؟ ثم تستمر السلسلة الحياتية على هذا الشكل ؟ فهل يا ترى خالق هذه السلسلة بهذا الشكل يمكن أن نصفه حكيما ؟ أم أن هناك ماهو اوسع وأشمل وأعظم من هذه الإهتمامات الضيقة جدا جدا يريدها الله ضمن حكمته المتمثلة في (إني جاعل في الأرض خليفة).
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
ومايزال السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي سلام الله عليه يسقي عطش قلوبنا ونفوسنا بالمحاضرات الدينية الرمضانية اليومية من واقع قرآني بما ينفعنا في حياتنا الدنيا وفي الآخرة كترجمة عملية حقيقية (للرحمة) التي يجب ان يتصف بها كل الأنبياء والمرسلين والأولياء ممن يقودون البشرية في صراط الله المستقيم ، ولأن القرآن رحمة للعالمين فبطبيعة الحال ستكون كل اطروحات ومحاضرة السيد رحمة لأنها قرآنية .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِـمَا يُحْيِيكُمْ ) حدد الله سبحانه وتعالى في هذه السنة التشريعية العظيمة مفهوم (الحياة) السليمة للإنسان والمجتمعات والتي تتلخص في (استجابة الإنسان لدعوة الله والرسول ) في كل شيء ، فدعوة الله متجسدة في القرآن الكريم والرسول ومن على نهجه وحركته من الأولياء ضمن اطار آل بيته هم من يجسدون القرآن لحركة وعمل وكلها رحمة ورأفة وتهدف لتيسير حياتنا وليس لتعسيرها .
الحياة تشمل الحياة على المستوى الفردي والمجتمعي والامة ، فالحياة ليس (الشهيق والزفير) الذي يطلقه الانسان عند استخدامه لأكسجين الهواء لتزويد جسده بما يحتاجه من ذلك وليس النبض الذي يصدره القلب عند ضخه وتحريكه للدم في الجسد وليست الحركة التي يقوم بها قدما وأعصاب وعظام الانسان وليست عملية الأكل والشري والحركة فيهما ، بل الحياة هي التحرك في الله فالذي خلقنا واحيانا فأكيد لا يريد لنا الا الحياة على أرقى مستوى وفي جميع الجوانب لذا ستأتي تشاريعه وقوانينه وتوجيهاته (لما يحيينا) لذا تأتي مخالفة هذا الطريق لتضع المخالفين في خانة الموت الجوهري المتمثل في النفس والقلب وهو الأساس وما تبقى من اعضاء تتحرك وتنبض وتتنفس تقضي اياما وسنينا لتحصد لها ما يمكن ان يحل بها عندما تجزى بالعذاب نتيجة الإعراض عن طريق الحياة وهذا يؤدي بحد ذاته الى ان الإنسان يضع حبل المشنقة حول رقبة فؤاده وقلبه ليهلكها واهلاك القلب هو تهيئته من قبل صاحبه ليكون مطبوعا عليه من قبل الله ومن يطبع الله على قلبه فلن تجد له روحا تحييه على الإطلاق.
الإنسان بنفسه من يدعي انه يعشق الحياة لا يترجم هذا الامر كما ينبغي وبالفعل والعمل ، فحب الحياة هي فطرة فطرها الله في الانسان لذا وضع الله للانسان طريق الحياة السليمة والأبدية في الدنيا والآخرة حتى عندما تقدم جمجمتك في سبيله فوعدك بالحياة مباشرة عند استشهادك (بل احياء عند ربهم) ، وللأسف يسعى بعمله خلف الموت والهلاك في الدنيا والاخرة ، وهؤلاء هم من طبع الله على قلوبهم فاصبحوا امواتا غير احياء ولكن لا نشعر بذلك ولكن علينا ان نؤمن بذلك يقينا بكلام الله وتوصيفه لهم ، ولكن ماهي الأمور التي تستجلب سخط الله ثم طبعه على القلوب وماهي نتائج هذا الطبع ؟
عندما يسعى الإنسان ليشوه فطرته السوية التي فطره الله عليها وايضا ليحيد عن منهجية الله الرحمة المهداة المتمثلة في الانبياء والأولياء والكتب السماوية فينزاح للباطل وأهل الباطل ويخذل الحق واهل الحق ويتحول الى سلاحا للشر يشهر في وجه الخير فهنا هو وصل الى ان وصف نفسيته عمليا بأنها غير حية وهي خارجه عن اطار الاجواء التي تهبها الحياة ومتجهه برغبة ودفع صاحبها نحو الموت لذا دخل في سنة الله وحكمه المبنية على حكمته وعدالته بأن هذا القلب قد اماته صاحبه فيتم ختمه بختم (فطبع على قلوبهم) ولعل اهم هذه الاعمال ما يلي :-
– نقض المواثيق التي يعقدها الإنسان مع الله وهي عديدة ومتنوعة ولعل أهم ميثاق (الشهادتين) فالانسان عندما يشهد ألا اله الا الله فهو يعاهد الله بأن لا يؤله احدا الا الله ولا يركن ولا يعود ولا يستعين ولا يعبد ولا يرجو احدا الا الله ولا يخاف أحدا الا الله وغيرها من امور تلزم الشهادتين وغير الشهادتين من الامور التي تصف الميثاق وأيضا الكفر بالله من خلال الاعراض عن آياته ودعواته وأوامره للانسان بأن يكون متبعا وطائعا ومتقيا وغيرها فهذه أمور توجب ان يطبع الله على قلب الانسان قال تعالى ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا)
– نسيان الآخرة من خلال الركون للدنيا وزينتها وذلك عن التمكين لهم فيها وإغداق الله عليهم بأفضاله ونعمه والامن المستتب الذي يعيشونه كل ذلك يؤدي الى ان يطبع الله على القلوب ويزداد نسيانا وضلالا فوق الذي هو عليه لأن هذه حالة تستوجب الشكر لله شكرا عمليا وواقعيا ( أَوَلَـمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ) وهنا الطبع يؤدي الى عدم السمع والذي يؤدي للاستجابة والعودة للطريق السليم من خلال الإنتباه من الغفلة.
– إصطناع الأعذار للهروب من المسئوليات العظيمة التي وضعها الله على الإنسان بما تتناسب مع عطاءه في الدنيا (عزة وكرامة وحرية ) وفي الاخرة (الجنة) والركون للدنيا عشقا لها وخلودا إليها ومن اهم هذه المسئوليات (الجهاد والتحرك في سبيل الله ) فقال سبحانه واصفا هؤلاء المنافقون ( وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) ، فهنا الطبع يؤدي لعدم الفهم والإستيعاب (فهم لا يفقهون)
– إختلاق المبررات الزائفة الكاذبة التي يعلمونها هم انها كذلك لكي يتنصل عن المسئولية التي يجب ان يتحرك فيها في مسار (يحييكم ) ويبقى مع العاجزين والضعفاء فعلا قال تعالى ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَـمُونَ) وهنا الطبع يؤدي الى البلادة والغباء وعدم ادارك الواقع (فهم لا يعلمون)
– التحرك ضد الحق والتصدي له ضمن اطار (العدوان) وهم يعلمون انه حق فهذا قد وصل في استحقاقه للطبع على قلبه الى مرحلة متقدمة لذا وصفه الله بذلك ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْـمُعْتَدِينَ)
– التحلي بالصفات السيئة الشيطانية كالتكبر والتجبر وغيرها فهذه أمور تعكس نتائج هذا الطبع خاصة وهذا الكبر والتجبر يؤدي بصاحبه الى ان يجادل الحق بباطله ويرفض الحق ويتمنع عنه ويسعى لإظهاره باطلا ويظهر نفسه حقا فلا يمكن بأي حال ان يؤمن للحق بالحق ( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)
– الإدعاء كذبا او مصلحة أو نفاقا انه مع المؤمنين فيحضر مجالسهم الدينية ويستمع الى محاضرات ودروس أولياء الله ويتظاهرون بالإستفادة وبمجرد الخروج لا يذكرون شيئا من ذلك فيعودون الى غيهم وبطلانهم في اطار مسيرة حياتهم الحقيقية ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْـمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ )
وغير ذلك من أمور واعمال وصفات وتوجهات وافكار تجعلك ممن استحق ان يطبع على قلبك فتكون من الاموات غير الاحياء في الدنيا والهالكين في الاخرة فتعيش أبد الآبدين في جحيم الضلال والعذاب والشقاء ، والقرآن مع اعلام الهدى هم مسارنا للحياة في الدنيا وللحياة الأبدية في الآخرة أما دون ذلك فهو موت وهلاك ورحمة الله وضحت لنا كل ذلك ووجهتنا وامرتنا بان نكون مستجيبين لله وللرسول في دعوتهم لإحياءنا .
#د_يوسف_الحاضري
–
Discussion about this post