رغم التأنيب والمعاتبة الربانية لشريحة من أصحاب رسول الله فيما يخص أنفال غزوة بدر والتوجيه لهم بالإبتعاد التام عن الإعتبارات المادية بقوله (يسألونك عن الأنفال …. فأتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم …. الآيات) الا أن هذا كله تلاشى من قلوب البعض في غزوة أحد فكانت الأعتبارات المادية هي سبب الإنكسار في تلك الواقعة كسنة من سنن الله في الخلق .
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
الأشد ضررا من قيام البعض بتدوين تاريخنا وثقافتنا الإسلامية بتلك الصورة البعيدة عن تدوين القرآن هو تقديم هذا التدوين كمنهج تعليمي لجميع فئات المجتمع خاصة طلاب المراحل الإبتدائية ثم تقديمه عبر خطباء المساجد ثم إعتماده كمنهجية جامعية يوضع للبحوث الطلابية التي ينالون عليها درجات علمية عالية حتى أصبح تلك العشوائية من التدوين هي المنهجية المعتمدة بعيدا عن القرآن بل أن القرآن غاب عنا تماما في غزوات النبي في السيرة والتاريخ الذي درسناه في المدارس والجامعات وتلقيناه من علماء وخطباء الدين ، فمثلا غزوة بدر الكبرى لم نتعلم عنها ونعرف منها الا امور جامدة رقمية لم تنعكس على نفسياتنا وأفكارنا وثقافتنا وسلوكياتنا وتعاملاتنا مع الله ومع المجتمع ومع المؤمنين ومع الاعداء على الإطلاق ، فمعرفتنا كم عدد الجيشين ومن قائدهما واسباب الغزوة وفي نهاية الطرح يتم سرد بعض الدروس المستفادة التي لا تعكس مدى عظمة الدروس الحقيقية التي سردها الله في سورة الأنفال ولم تكف حوالي 90 دقيقة للسيد عبدالملك الحوثي ليذكر في محاضرتين رمضانيتين متتاليتين ولو حتى ما نسبته 10% من هذه الغزوة وأهميتها على واقعنا الشخصي والأسري والمجتمعي والأمة الإسلامية والعالمي وفي علاقتنا مع الله ومع أنفسنا ومع بعضنا البعض ومع اعداءنا وأيضا الدروس الحقيقية لمسببات النصر والتأييد الإلهي ومحددات النصر هذا وعوامله وغير ذلك لا يمكن ان اسردها كاملة ولا يمكن ايضا للسيد ان يسردها كاملة ولو في عشرات المحاضرات برؤيته النورانية القرآنية لذا غالبا هذه الدروس تهدف لتفتيح مدارك الإنسان وتعديل نظرته واسلوبه في التعاطي مع القرآن ومع الجميع جوانبه الهامة والعظيمة والتي غيبت عننا خلال الازمنة الماضية ، وهذه النورانية في استيعاب القرآن وتعلمه وفهمه وتدبره جانب هام من جوانب رحمة الله بنا الميسر لنا امورنا في حياتنا الدنيا لننجو في أخرانا فهل من مدكر !
ضاع المفسرون والمؤرخون وكاتبوا السيرة في جزئية عدد المسلمين وعدد الكافرين ، وركز القرآن على عدم الإهتمام بالعدد هذا بقدر الإهتمام بعوامل النصر الإلهي وجاء السيد ليوجهنا إلى النظرة القرآنية وينقذنا من النظرة التدوينية ، كما تاه المفسرون والمؤرخون ايضا في كيفية تعظيم أصحاب الرسول الذين خرجوا معه في الغزوة حتى وصل الأمر لأن يكون خروجهم هذا (منة منهم على الله والدين) فأخترعوا أكاذيب نسبت للنبي مفادها (ما ضر أهل بدر ماعملوا بعد اليوم) ، وتوسع القرآن في تهذيب وتعليم وتوجيه وتصحيح النفوس لاصحاب الرسول والتي كان معظمها ناقصا وعيا وإيمانا ووثقة بالله وغيرها لأن هدف التحرك في سبيل الله والعمل مع الله هو تهذيب النفوس وتزكيتها وليس تمجيدها (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) ومن اهم المشاكل النفسية التي كانت فيهم (الإعتبارات المادية وتحول ذلك إلى صراع ومشاكل داخلية “فأتقوا الله واصلحوا ذات بينكم” – عدم الثقة بالرسول صلى الله عليه واله وسلم لذا تسائلوا عن مصير الغنائم “الأنفال” غير مدركين انها بين يدي خير البشر أجمع وأطهرهم وأخلقهم وأكملهم ” يسئلونك عن الإنفال” – نقص الثقة بالله وبنصره رغم وعده لهم بالنصر او بالقافلة ومع ذلك خرجوا وهم خائفون قلقون محتارون غير راغبون في الخروج مع رسول الله ” ركزوا ودققوا في كلمة مع رسول الله ” لذا وصف الله امرهم بقوله (كما اخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون – استحكام النظرة الدنيوية على توجهاتهم بعيدا عن النظرة الإلهية المتمثلة بالعزة والشموخ والأنفة لذا كانوا يتمنون الحصول على القافلة الممتلأة ثروة واموال وليس المواجهة العسكرية التي ستكون نتائجها العزة والرفعة والكرامة والمكانة ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِـمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُجْرِمُونَ ) وغير ذلك من امور تعكس مدى المجهود الذي مازال على النبي ان يقوم به ليصحح هذه النفوس ويهذبها ويوجهها ويعلمها ويزكيها لذا جاء القرآن مساندا للنبي في ذلك (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ).
جانب آخر نبهنا السيد في محاضرته الثانية الخاصة بغزوة بدر وهو (القلب) وكيف انه هو محل الجشع والطمع والنزوات والرغبات فكان الخطاب الرباني موجها إلى هذا القلب بأن يجب ان يكون ممتلأ إيمانا عوضا عن الطمع والجشع لذا قال تعالى (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) فالقلب الذي لا يوجل عند ذكر الله كما يوجل كثير منها عند ذكر أطماع الدنيا وزينتها فهو قلب ليس مؤمنا وهذا مقياس هام يجب علينا من الآن ان نطبقه على قلوبنا فإذا لم توجل قلوبنا لذكر الله وتخافه وتخشاه وتطبق توجيهاته ونزداد إيمانا كلما تليت علينا آياته (واذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) وتكون النتيجة النهائية الوثوق بالله في انه الرزاق وبيده الخير ولا نقلق او نخشى نقص او ما شابه ذلك فعليك بمراجعة قلبك وأولوياتك قبل ان يقسو ويصبح مريضا وتبعد اكثر عن الله وانت تظن نفسك في مصاف المؤمنين الأولين .
دروس عظيمة وهامة وعميقة وكثيرة وكثيفة في غزوة بدر يجب أن نعيد صياغتها بما يتوافق مع أعمار ابناءنا الطلاب في المدارس وايضا الجامعات وضمن مناهج الجوامع والخطباء والمرشدين لنصحح ثقافتنا وتاريخنا السابق الذي لم ينتج لنا الا قلوبا ضعيفة موالية لأعداء الله بعد ان بنيت على الإعتبارات المادية المحضة رغم ان آيات سورة الأنفال الموثقة لغزوة بدر ففي اول اياتها حذرت من الإعتبارات المادية مقابل الإعتبارات الروحية من العزة والكرامة والسمو والرفعة ، وايضا في سياقها وضح الله ان توجه الله وتوجيهاته لنا الا تكون الاعتبارات المادية هي الأساس بل الحق وإحقاق الحق ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِـمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) فالمال والثروات والغنى ليست مقياسا للحق ولأهل الحق بل القوة بالله والعزة بالله والتحرك بمنهجية الله وكما يريد الله هي الأصل والأساس فالمال ليس الا وسيلة للعمل في سبيل الله وطاعة الله وليست غاية يهدف بها المتحرك في سبيل الله للحصول عليه وهذه سنة من سنن الله تعالى في الخلق .
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post