من وحي الدروس اليومية الرمضانية والتي نقرأها (مقرر ملازم السيد حسين الحوثي) أو ننصت إليها (محاضرات السيد عبدالملك الحوثي) سلام الله عليهما ستكون منطلقات كتاباتي لهذا الشهر الكريم والذي نسأل الله أن يوفقنا ويسدد خطانا ويتقبل مننا ويثبتنا .
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
عندما يكون جل همومه وتوجهاته وأهدافه وإصراره هو أن يخرجنا من ظلمات القلوب والعقول والأفكار والممارسات والتوجهات والأعمال الى نور الحق في الفكر والقلب والعمل والتوجهات والفكر والثقافة فأعلم ان هذه النفسية لا يمتلكها إلا نبي أو ولي من أولياء الله رأى نور الحق فحمل على كاهله هدفا مرتكزا على انه يجب على بقية الناس أن يروا ما رأى رحمة بهم ضمن المنهجية العامة الشاملة للدين المتمثلة في (رحمة للعالمين) ،وهذا ما نحن عليه بفضل الله ورحمته بنا في العلمين النيرين ومنهجيتهما النورانية المنبثقة من مشكاة القرآن الكريم ، أعني بذلك الشهيد القائد السيد حسين الحوثي وملازمه ومحاضرات السيد القائد عبدالملك الحوثي والتي كلها تكتظ بنور الحق والهداية وهموم الوعي والبصيرة الهادفة جميعها لتجعلنا أعزاء كرماء أحرار مخلصين لله العبادة وحياتنا ومماتنا ، كما أنها مسئولية لا تقتصر على الأنبياء والأولياء فقط بل هي مسئولية يجب ان يتحملها كل إنسان أنار الله قلبه بالإيمان ليقوم بما يجب أن يقوم به .
في درس اليوم من محاضرة السيد عبدالملك الحوثي التي أستفتح بها رمضان كان فيها طرح واسع وهام في مفهوم (الهدف من صيام رمضان) حيث تجاوز تلك المفاهيم الكلاسيكية التي تنحصر في (العبادة الكمية ) و (العبادة المؤقتة ) و (العبادة المختلة) و (العبادة الموسمية) و (العبادة المرهقة) الى مفهومها الشامل (العبادة الإتقائية) المنبثقة من هدف الصيام القرآني في (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) نعم (لعلكم تتقون) كهدف شامل وكامل وهام من هذه الفريضة .
أعتاد المسلمون أن يكون رمضان مجرد عبادة يكثرون فيها بعض الممارسات التعبدية كالصلاة وقراءة القران بشكل مكثف وذكر الله بالمسبحة وغيرها من ممارسات في فترة زمنية محددة كعبادة مؤقتة تقتصر على أوقات الفراغ في نفس الشهر وما إن تأتي لحظات الليل والتي تكتظ بمنافسات البرامج والقنوات حتى ينسى تماما هذه الامور فيبقى أمام الشاشة وما إن يشعر بإرهاق بعد ساعات من التسمر امام هذه القنوات حتى يفتح القرآن فيواصل ما بدأه من قراءه وباله وقلبه وفكره مشغول وبشكل كبير في تلك البرامج والمسلسلات فيزداد ضياعه في استيعاب القرآن أكثر مما كان عليه قبل رمضان رغم أن هذا الشهر أسمه شهر القرآن ونزول القرآن اي ان هناك إرتباط زمني كبير بين القرآن ككتاب هداية وشهر رمضان فتشرف الشهر بالقران ولكن اكثر الناس لا يتشرفون بتدبره في هذا الشهر
تطرق السيد ايضا في محاضرته إلى أن بعض النفوس ترى في رمضان موسما متعبا مرهقا موجعا لهم على المستوى البدني او على المستوى التجاري العملي بل واحيانا على المستوى الغريزي الشهواني والذي يكبت نفسه عن هذه الأمور بشق الأنفس اما بداعي الحياء من المجتمع او بقليل من الخوف من الله خوفا من قدسية الشهر لأن هذا لا يعتبر خوفا استعظاميا لله فهو اساسا يمارس المعاصي في ايام أخرى وهنا ينتفي جانب الخشية من الله ، وهؤلاء للأسف الشديد ضحايا لثقافات وتعبئات فكرية ثقافية طويلة المدى شذت بنفوسهم ولم تزكيها فأصبحت تنظر للشهر العظيم بهذا المنظار حتى انها تبدأ في الحساب متى سينتهي هذا الشهر رغم أنهم مازالوا في أولى ساعاته .
جاءت محاضرة السيد اليوم لتخرجنا جميعا من التفكير الكلاسيكي في كيفية التعامل مع شهر رمضان وماهي العبادات التي يجب ان نقوم بها وماهي النتائج التي يجب ان نحصدها وأن نسعى يوميا لقياس ما حصدناه في نفوسنا ومراجعة ذلك وتقييمها أولا بأول كي لا نخسر خير هذا الشهر الكريم فهذا الشهر هو محطة تربوية متكاملة تأثيرها على مشاعر الإنسان واسع وشامل فتصحح اختلالات ظهرت او كانت موجوده في هذه النفسية البشرية كالنفسية المنهارة والمضطربة الفاقدة للإتزان المنفلتة والنفسية الفوضائية والنفسية اللامبالية فتعيد ترميمها وتصحيحها ومعالجتها لتصبح نفسية مؤمنة ومتقية لله خائفة من أن تقصر في أي مسئولية أو تقترف أي ذنب فترتقي لتكون نفسية عامرة بناءة مرتبة تحمل مسئوليتها على أكمل وجه تتجاوز حالات الإنحراف والبعد عن الله فتتجاوز معها مشاكلها التي قد تخسر معها دنياها وأخراها.
تطرق ايضا السيد في موضوع التجارة الرابحة مع الله في صيام رمضان كون التجارة مع الله هي من أربح التجارات دنيا وآخرة ، فكما انها مربحة هي أيضا مقربه من الله ومن لا يسعى الى ان يكون قريبا من الله !!
شهر رمضان يمتلك مزايا عظيمة جدا عن بقية الأشهر الأخرى ففيها ليلة خير من ألف شهر اي خير من حياة كاملة للإنسان الذي قد لا يتعمر ألف شهر ووضح كيف يمكن ان نحصد ثمار هذه الليلة وذلك من خلال الإخلاص في كل الليالي ليوفقنا الله بهذه الليلة وليس الأمر عبارة عن ضربة حظ او كما يطلق عليه (بخت) أو كما وضحها احد الظالين المظلين من علماء الوهابية بأنه لكي تأخذ أجر ليلة القدر عليك ان تنفق في كل ليلة من ليالي العشر الأواخر (ريالا سعوديا واحدا) فتضمن انك أنفقت في ليلة القدر ريالا فيصبح لديك اجر ألف شهر صدقة ، في طرح يقلل من حكمة الله وعلمه ومعرفته وكأن الأمر (مغالطة) و(حذاقة) ومن يتحاذق على الله !!! فليلة القدر لا يحصد ثمرتها الا من بدأ يزرع من أول يوم للشهر ليلا ونهار سرا وجهارا بإخلاص وحب لله وقرب منه .
من مميزات هذا الشهر ان كل لياليه وأيامه مباركة فلنكن جميعا مباركين من بركة هذا الشهر من خلال الأعمال التي يحبها الله ونعظم بعظمتها ونزكو بزكاتها ونسمو بسموها ، فأجر العمل التطوعي كأجر الفريضة فيما سواه وأجر الفريضة فيه كأجر سبعين فريضة فيما سواه ولكم ان تتخيلوا نفوسكم وقلوبكم كيف ستصبح بهذه البركات الرمضانية ، وأن نهتم أيضا بالدعاء بأسلوبه المستجاب الموضح في ايات فرض شهر رمضان من خلال الأستجابة لله ليستجيب دعاءنا .
تطرق السيد في كلمته الى أهمية مواساة الفقراء والمحتاجين في هذا الشهر وأن نسعى لأن نشاركهم طعامنا ونعطيهم منه مما نحب على وسعنا وقدرتنا فيه ونحن أهل الكرم والتكافل والتعاضد ليس امرا جديدا هذا الشيء بل هو عمق أصالتنا وهواء تنفسنا وأرضية رقادنا ومسار حياتنا ان نكون كرماء .
يجب علينا ونحن في أولى لحظات هذا الشهر الكريم ان نسعى لأن لا ننزلق فيه ومنه ومن بركاته وخيراته فإذا إنزلق الإنسان في هذا الشهر الكريم وبما يحتويه من خير وفضل ورحمه وبركه فهو في غيره من الأشهر أكثر إنزلاقا وبعدا عن الله ، فلنستغل هذا الشهر لنزكي أنفسنا ونزكو معها فالنفس التي لا تزكو هي نفس خايبة مضطربة مصيرها الخسران في الدنيا والآخرة فلم يقسم الله بقسم في القرآن الكريم كقسم هذه النفوس والتي اقسم ب11 قسما في سورة الشمس ليسن سنة هامة جدا وهي (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) وذكر بعدها مثال لقوم لم يزكوا نفوسهم وهم قوم ثمود وما آل إليهم حالهم في النهاية ، فتزكية النفوس يجب ان تبدأ باللجوء الى الله ثم الصلاة القيمة (وليس الصلاة الروتينية) ثم الأنفاق ثم الصيام وغيرها من عبادات تنعكس آثارها على النفس بالإيجابية .
وفي نهاية المحاضرة أكد السيد على الحذر كل الحذر من تضييع أوقاتنا امام شاشات التلفاز او شاشات التلفونات ، وكلاهما تنسف زكاء النفوس نسفا خاصة البرامج التي يتفنن بها أعداء الله وعبدة الشيطان في رمضان والتي تعرض في قنوات الظلمة المجرمين المنحرفين ولنتسائل لماذا لا نجد مثل هذا الأبداع والخبث فيه الا في هذا الشهر ؟ أليس الأمر يندرج تحت (على قدر الخير يكون الشر ، وعلى قدر الإيمان يكون النفاق) فخير وايمان رمضان يحضر له الشر والمنافقون كل التجهيزات لتتصدى لنوره فلا تكن رصاصة بيد الشر والشيطان يستخدمك في صراعه مع الحق ولنستعين بالله في كل أمورنا وتحركاتنا وحياتنا وأعمالنا ، سائلا في الاخير ان نبدأ اولى لحظاتنا هذه بالتوبة الى الله ثم الإنابة بحرص ومصداقية ونقلع عن كل ذنوبنا بجميعها دون انتقائية لبعضها دون الأخرى وسوف نحصد نتائج النور في كل تفاصيل مكوناتنا الروحية والنفسية والجسدية ثم في كل تفاصيل حياتنا .
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post