بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشؤون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
ثبات واستمرار أي منهجية في الأرض تعتمد بشكل أساسي على رجال صدقوا الله ما عاهدوه عليه ،فالمنهجية تبقى ما بقى الرجال وتختفي بإنعدامهم فيحل غضب الله على من تبقى كما هي سنة الله في الاقوام السابقين ، لذا جاءت سنة ارسال الانبياء والمرسلين تباعا وتباعا وايضا سنة الاستبدال وغيرهما من سنن ، حتى جاء آخر الانبياء محمد صلوات الله عليه وعلى آله والذي جاء بمنهجية عظيمة تكفل الله بحفظها فسعى النبي لبناء رجال يتوارثونها دون ان يهملوها او يتناسوها ، فسعى لذلك النبي من اولى اللحظات غير ان الممانعة والمعارضة كانت على أشدها فلم تكن المدة الزمنية البالغة 13 عاما كافية لأن يعقلوا في مكة ، حتى أذن الله بسنته العظيمة وهي سنة (الأستبدال) حيث أستبدل الله قوم مكة الرافضين لهذه النعمة والفضل بقوم اليمن القاطنين في المدينة (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) ففيهم النفسية النظيفة ذات الفطرة النظيفة والتوجه الحسن وهي تشمل كل مكارم الاخلاق وكل مقومات الشجاعة والقوة والبأس ، فكانت هذه النفوس هي المستهدفة بدرجة رئيسية من النبي محمد ليس فقط في مكان تبوءهم للارض في يثرب من قبيلتي الاوس والخزرج وانما في منبعهم الأصلي في اليمن لذا كان قلبه وعقله وبصره دائما يتجه نحو اليمن حتى جاءت الفرصة لذلك فجهز العدة تجهيزا دقيقا وحكيما لذلك فلم يجد افضل وارفع شأنا وأعلم بالناس وبنفسياتهم من الإمام علي عليه السلام ليرسله إلى اليمن ليضمن ايمانهم لأنه يدرك تمام الادراك ان اسلام اهل اليمن ضمان للرجال الذين سيبقون مناصرين للمنهجية حتى اخر العمر .
بالفعل كان ذلك فاسلم اهل اليمن في اول جمعة من شهر رجب ودخلوا الدين افواجا دون ان يستنفذوا من وقت النبي يوما واحدا ودون أن يخسروه رجلا واحدا في معركة ودون ان يحاربهم النبي حربا واحدة ودون ان يخسر النبي في اسلامهم درهما واحدا ودون ان يغضبوا النبي ويحزنوه ويضايقوه لحظة واحدة ، فلم يسجد النبي لاسلام أحد على الإطلاق الا عندما أبلغه الامام علي ان اليمنيين أسلموا فسجد ثلاث مرات وقال مستبشرا مبتسما (سلام الله على همدان ثلاثا) فلم تكن فرحته لأنهم (عزوا الاسلام بعددهم) فهذه رؤية خاطئة فالأسلام لا يعتز بأشخاص بل الأشخاص هم من يعتزوا بالاسلام والله هو من يمن على الانسان بان هداه للاسلام واذا تخاذل احدهم فسنة الاستبدال حاضرة وجاهزة ولن يعجزوا الله شيئا لذا فإن سر سعادة النبي تتمحور في عدة امور اهمها :-
1.انهم الرجال الذين اسلموا برغبة وحب وبدون شروط وهؤلاء هم من سيحملون الرسالة جيلا بعد جيل
2.أنهم يمتلكون عقولا راجحة وواعية وفاهمة وكل مكونات الحكمة وهذه العقول هي من ستعي وتفهم القرآن فهما عمليا ويحركهم القران ويتحركون وفقا له.
3.أنهم من سيستمرون في نهج الأنبياء وصراطهم مواصلين ذلك الطريق الذي بدأه نوح ثم ابراهيم ثم ذريته فهم الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم حيث قال تعالى واصفا ذلك كله ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَـمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْـمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَـمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) سورة الأنعام ، ثم بعد ان شرح تعريف وتوصيف الإيمان وصراطه الواحد والاوحد والمشترك فيه كل الانبياء والمرسلين والاولياء والصالحين جاءت الآية التي تتحدث عن ابناء اليمن ( أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) ، أوكل الله المهمة بابناء اليمن لتلك العوامل التي يمتلكونها وتؤهلهم لهذه المهمة العظيمة .
2.أهل اليمن اصحاب نفوس كريمة معطاءه تسعى للعطاء وتعطي الآخرين ولا تفكر بالأخذ ابدا وكما قال عنهم النبي والإمام علي (إنكم لتكثرون عند الجزع وتقلون عند الطمع) اي عند المعارك تكونون كثر وعند توزيع الغنائم لا نجدكم ، لذا وصفهم الله في القران بقوله وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ ) سورة الحشر- آية (9) ، ولكم ان تقفوا كثيرا عند تفاصيل كل كلمة من هذه الآية لتصفوا قمة الكرم والعطاء الذي لا مثيل له اطلاقا وتعمقوا في الكلمات التي استخدمها الله في الاية (يحبون – يؤثرون – بهم خصاصة – يوق شح) لتعرفوا كيف تصفون الكرم والعطاء
3. ايضا اهل اليمن هم منبع الرجولة الجهاد والقوة والعزة والبأس ، والتي لا تظهر الا في نجدة المظلوم ونصرة المستضعف والذود عن الحمى والدفاع عن الاعراض وصونها ، ولا يستخدم قوته وبأسه في قهر الناس وظلمهم ونهب خيراتهم وتدمير أراضيهم وسلب الآخرين حقوقهم فهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ولا يخافون احدا الا الله مهما بلغت قوة الاخرين وبلغ ضعفهم وهذه صفات من يحبهم الله ويحبونه وما دونها فهي صفات لا يقبلهم الله ولا يريدهم فقال عنهم الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) سورة المائدة- آية (54) وهي ايضا تندرج ضمن سنة الله في الاستبدال (فسوف يأتي الله بقوم) وهذه صفات أهل اليمن جيلا بعد جيل .
لهذا هم من مثلوا النموذج العظيم في تبعيتهم للقران بكل تفاصيله وشموليته وعموميته وهم من تجسدت فيهم وصف الله للرجال (رجال صدقوا) في القران الكريم وهم من جسدوا معنى الولاية لله وللرسول وللإمام علي ولاعلام الهدى من بعده فجاءت جمعة رجب لتتوج كل ذلك بيوم عظيم في شهر عظيم على يد رجل عظيم لدين عظيم ومنذ تلك اللحظة وحتى اليوم ابناء اليمن يمثلون النموذج الاعظم للاسلام منهجية وموالاة وحملة وتحركا ولن يصل إليهم احد ما لم يوالي ابناء اليمن وينتهج منهجيتهم تنفيذا لقول النبي محمد (الايمان يمان) فمن اراد الايمان فعليه بإيمان اهل اليمن وبطريقتهم وبمنهجيتهم وهي التي هيجت الشر كاملا في الأرض ليتحرك مقاتلا لهم والذي لم يتحرك كذلك الا ضد النبي محمد في الأحزاب .
- فهل بعد كل ذلك سنجد من يتسائل عن السبب لاحتفالنا بجمعة رجب ؟؟
Discussion about this post