اللواء علي محمد الكُحلاني
صنعــــاء – 28 سبتمبر 2019
خلال الحرب والمعارك والمواجهات السياسية والعسكرية التي شنتها وقادتها قيادة السعودية إتضح أنها تسير على غير هدى وفيها من المجازفة والمغامرة ما يجعل هذه القيادة غير متزنة، وتفتقر إلى الحكمة وإلى العقلانية، وكشفت عن مُكابرة واستهانة غير مبررة، وتُصر تلك القيادة على مواصلة هذه الحرب العبثية غير مُبالية بالعواقب الوخيمة لاستمرار هذه الحرب الملعونة.
لو أن هذه القيادة إستعادت شيءً من الحكمة التي غادرت كل حساباتها؛ وأعادت قراءة حجم التهتك في نسيجها الإجتماعي؛ وما أهدرته من مواردها؛ وكيف أوقعت نفسها من متاعب ومشكلات معقدة، لكانت قد تحركت إلى السلام وإلى وضع نهاية لهذه الحرب المُدمرة.
في العلوم السياسية والعسكرية، عندما يُقدّم أو يُعلِن أحد الأطراف أثناء المواجهات العسكرية بين الدول مُبادرة لوقف العمليات العسكرية من طرف واحد لفترة محددة أو مؤقتة خصوصاً بعد تحقيق هذا الطرف إنتصار نوعي فهي تحمل رسائل كثيره؛ تستوجب أن يُسارع العقلاء من السياسيين والعسكريين في الطرف الآخر إلى إلتقاط مثل هذه الفرصة الثمينة، ودراسة أبعادها السياسية والعسكرية والإقتصادية والإجتماعية للوصول إلى إدراك ضرورة الجنوح إلى مد يد السلام بالمِثل، والحرص على حقن الدماء ووضع حد للطيش.
في خطاب تاريخي للرئيس مهدي المشاط المُتلفز عشية الذكرى الخامسة لثورة ٢١ سبتمبر، أطلق الرئيس مبادرة أعلنها للعالم عن وقف كافة العمليات العسكرية والطيران المسير والصواريخ البالستية ضد المملكة العربية السعودية من طرف واحد، بعد عملية عسكرية ناجحة على أرامكو بمقابل إيقاف العدوان على اليمن؛ ولكنه في ذات الوقت حرص على تحذير قيادة المملكة في الوقت نفسه من عدم الإستجابة لهذه المبادرة؛ ونبههم بأن الضربة القادمة ستكون أشد إيلاماً إن تمادت تلك القيادة في عدوانها على الشعب اليمني.
بعد أسبوع من إطلاق هذه المُبادرة وتنفيذ الهُدنه من طرف واحد إستمر الطيران السعودي بعدوانه، بل أنه كثّف من غاراته، وسقط العديد من الشهداء المدنيين اغلبهم من الأطفال والنساء وتم إبادة أُسر بأكملها؛ ولم تكتف السعودية بذلك، فبمنطق الكِبر والتَكبُّر والغطرسة أطلقت المملكة تسريبات عبر مواقع وصحف عن تصريحات مسربة أشارت إلى القبول بهُدنه جزئية تقتصر على أربع مناطق لم تُسمّيها.
من يرى مثل هذا التصرف الذي تنقصه الدبلوماسية والحصافة والمنطق يصل إلى قناعة أن أصحاب القرار في الرياض مُغيّبون عن الفُرص والمُبادرات التي أطلقتها صنعاء بصورة مباشرة وغير مباشرة؛ وأن المسؤولين عن الملف اليمني يتعاملون بنوع من اللامُبالاة والتجاهل للرسائل والمُبادرات؛ بل ويقومون بنقض الإتفاقات والتفاهمات وربما حجبها عن أصحاب القرار في القيادة السعودية؛
فعلى سبيل المثال لا الحصر، قبل إعلان عاصفة الحزم قُدِّمت مُبادرة وتوضيح عن طبيعية المناورات العسكرية قرب الحدود مع المملكة، مروراً بخطاب قائد الثورة في اليوم الأول للعدوان ٢٦ مارس ٢٠١٥ وتحذيره من مغبة التمادي وتم ضبط النفس وعدم الرد والدفاع لأكثر من أربعين يوماً، وتنصل السعودية من الوفاء باتفاق ظهران الجنوب إبريل ٢٠١٦، والفُرص التي منحتها وفود بلادنا إلى جنيف ١&٢ والكويت، وما يُطلقه الأستاذ محمد عبد السلام رئيس وفد بلدنا للوفد والناطق الرسمي لأنصار الله، وكذلك المبادرات تلو المبادرات التي يطلقها الأخ محمد علي الحوثي رئيس اللجنه الثوريه وعضو المجلس السياسي، وما أطلقه الرئيس الشهيد صالح على الصماد من مُبادرات، وكذلك ماتحملة خطابات قائد الثوره قائد أنصارالله من معاني عالية للمبادرات التي يتطرق لها من أهمية الحفاظ على حق الجوار وحق الإخوه في الدين واللغة والعروبة والتحذير من عواقب الإستمرار في سفك الدماء وتجويع الشعب اليمني وتدمير كافه مناحي الحياة بمافيها من مزارع ومواشي ومناحل وغيرها.
ومن المهم هنا أن نؤكد لإخوتنا وجيراننا والذين إختاروا أن يناصبونا العداوة من حُكّام الرياض وأبوظبي ومستشاريهم وأصحاب النفوذ في الملف اليمني ؛ أن موازين القوى لا تُقاس ياهؤلاء بمقدار ما تملكونه من ترسانات عسكرية، وما تكدسونه من أسلحة وعتاد، ولا تُقاس بالإعتماد على الدول الخارجية الكُبرى كأمريكا وبريطانيا وغيرها، ولا بما تمتلكه تلك الدول العظمى من مصانع للأسلحة الذكية وقوة النفوذ، ولا بتحالفاتها بتلك الدول المهيمنة على الامم المتحدة ومجلس الأمن؛ لأنّ قُدرة الخالق، وحركة التاريخ ومتغيرات الأنظمة والأطماع قد تأتي بالعكس وينقلب حينها السحر على الساحر،
لأن تلك الدول الإستكبارية ببساطة تغلب عليها الأطماع والرغبة المريضة في الإستحواذ على أموالكم وثرواتكم، ولا يهمها كراسيكم ولا تُبالي بشعوبكم، ولا تضع وزناً لأوطانكم؛ وستُدركون المآلات المؤلمة لحساباتكم الخاطئة حينما يجف حليب بقراتكم؛ حينها فقط سوف تُتركون لتواجهون مصيركم مع الشعوب.
يجب أن تفهموا وتتعلموا مما جرى ويجري على الأرض بأن موازين القوة تُقاس بالإعتماد على الله وإرادة الشعوب ومظلوميتها وعدالة القضية التي تحملها؛ إن كنت ظالماً أو مظلوماً؛ إن كُنت مُعتدي أو مُعتدى عليه.
لقد كان أمام المملكة العربية السعودية وقيادتها فرصة ذهبية قبل وبعد تلقيها عملية الردع الأولى التي أطلقتها القوات الصاروخية والطيران المُسيّر على أنابيب تصدير النفط من المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر وفي حقل الشيبة بما فيها العمليات التي عُطِّلت (مطارات جيزان ونجران وعسير).
ومن الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها هذه القيادة السعودية أنها لم تُصغ الى النصائح التي قُدمت إليها من أجل إيقاف قصف طيرانهم الجوي، ولم تقبل بفتح مطار صنعاء وفتح المجال الجوي أمام الطيران المدني؛ وكانت صنعاء قد إلتزمت علناً أنها ستُقابل ذلك بوقف جميع العمليات العسكرية في السعودية؛
ولكن الغرور والإستعلاء والمُكابرة كانت الداء العضال الذي إستشرى في تفكير القيادات السعودية، لذا فقد إستغلت الإمارات جنون العظمة لدى محمد بن سلمان، وأعلنت الإمارات الإنسحاب العسكري من اليمن والتحول إلى دعم العملية السياسية في اليمن، وكشفت عن خطتها في الجنوب،
وبالرغم من ذلك، إستمرت السعودية تحت تأثير الكبرياء البدوي وتدس رأسها في التراب حتى أعلن الإنتقالي (الإماراتي) قضم الجنوب والسيطرة على عدن، وأصبحت المواجهة بين السعودية والامارات عسكرياً وجهاً لوجه؛ وبات طيران كل منهم يقصف مرتزقة الطرف الآخر؛ وتبخرت أهداف التحالف في عدوانها على اليمن.
كان على من يُمسكون الملف اليمني في قيادة التحالف السعودي الإستماع الى أصوات العقل التي نصحت بإيقاف هذه الحرب العبثية، وضرورة دخول السعودية مع صنعاء في تسوية سياسية مباشرةً؛ وهذا ما نادت به قيادات سياسية في صنعاء والرياض.
إن عمليتي الردع الأولى والثانية بالتأكيد لن تكون الاخيرة ما لم يستجيب النظام السعودي في الرياض الى المبادرة والفرصة التي أعلنها الاخ الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحه مؤكداً ضرورة وقف عدوانهم على اليمن الجوي والبري والبحري. مالم فإن القادم أعظم كما وعد بذلك قائد الثورة، وكما حذّر القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعلى المعتدي تدور الدوائر
Discussion about this post