لا أدري إن كانت أعداد الضحايا والمتضررين من الحروب والنزاعات الدولية تؤرق الباحثين في السياسة أوفي العلاقات الدولية على وجه الخصوص , لكن ما أدريه أنها يجب ان تؤرقنا جميعا لأن كل واحد منا قد يكون ضحية من ضحاياها , وما لم توظف العلوم لصالح تحسين فرص ونوعية الحياة البشرية فأي خدمة ستقدمها لنا هذه العلوم ؟؟
ربما يشكل فشلنا في تكوين نظرية عامة فعّالة للعلاقات الدولية وفشلنا الأهم في إدارة النزاعات الدولية في الواقع المعيش فرصة للاعتراف بقصورنا البشري من جانب , ولمواصلة البحث عن ملجئ وركن وثيق نؤوي إليه فرارا من ظلم بعضنا البعض وتعدياتنا على الحقوق في ما بين الجماعة البشرية من جانب آخر.
يتجاوز الاستعمال الحديث لمفهوم العلاقات الدولية حدود العلاقات بين الدول إلى مختلف العلاقات الإنسانية خارج حدود الدولة الواحدة , ليشمل العلاقات القائمة بين الدول والمنظمات من غير الدول , مثل المراكز الدينية العابرة للحدود والكنائس ومنظمات الإغاثة الإنسانية ,والشركات المتعددة الجنسيات ,والعلاقات القائمة بين الدول والمنظمات الحكومية الدولية ,كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي حسب بول ويكلسون(1).
مؤكدا أن “محاولة علماء السياسة أن يفرضوا ً نوعا من أنواع الاحتكار على مادة العلاقات الدولية هو أمر غيرقابل للتطبيق ولا الاستمرار؛ فالدارس الجاد للعلاقات الدولية يجب أن يتحلى ببعض المعرفة بالتاريخ والقانون والاقتصاد الدوليين، إضافةً إلى السياسة الخارجية والسياسة الدولية.”
لذلك يرى انطلاقا من طبيعة العلاقات الدولية أن مهمة الوصول إلى نظرية عامة فعالة للعلاقات الدولية ((مهمة مستحيلة )).
ولا ينفي ويكلسون وجود “نظريات جزئية أو محدودة قيّمة يمكن تطبيقها في جوانب بعينها من تلك المادة (على سبيل المثال : ثمة مجموعة من النظريات المفيدة في مجالات التنمية الدولية ,والحد من الاسلحة ,والدورات التجارية ,وسباقات التسلح ) .
لكنه في الوقت ذاته يرى أن “مدارس الفكر الرئيسية التي توضع على أساسها نظرية عامة في مجال العلاقات الدولية لم تثبت بأي شكل علمي ,بل إنها تمثل طرقا لفهم العلاقات الدولية, أو صورا تشبيهية أو نماذج تلقى قبول المقتنعين بها ;لأن تلك هي الطريقة التي يفضلون رؤية العالم بها ”
_ ويذهب إلى “القول إنه إذا ساد نهج بعينه من نُهج تفسير العلاقات الدولية بالقدر الكافي ,فقد يصبح مرضيا في حد ذاته “ويضرب لذلك مثالا المدرسة الواقعية الميكافيلية السائدة بين الساسة العالميين و التي تقدم نموذجا لا أخلاقيا يعتمد على رؤية متشائمة في النظر للطبيعة الإنسانية باعتبار أن البشر تحكمهم المصالح والشهوات وتشكل الدافع الأهم لسلوكياتهم بقطع النظر عن دور الضمير الإنساني .
إذا صحت رؤية بول ويكلسون هذه فيمكن اعتبارها اعترافا صريحا بفشل البشرية (حتى الآن ) في الوصول إلى نظرية تشكل إطارا معرفيا وقانونيا لإدارة العلاقات بين كياناتهم السياسية ومؤسساتهم بشتى مستوياتها وألوانها, وإدارة نزاعاتهم الخارجية , فضلا عن الفشل في إدارة الواقع العالمي على تلك النظريات ,والذي أدى لظهور أزمات اخلاقية وإنسانية على خلفية التوترات الدولية ,كل ذلك يدعونا للقول بلسان قاطع أن عملية الوصول لنظرية عامة أخلاقية في العلاقات الدولية قد تشكل محاولة جادة لإنقاذ العالم الذي يتقاسمه البشر على كوكبهم الصغير , وخطوة كبيرة على طريق التخفيف من معاناة الإنسان المعاصر الناتجة عن الحروب والنزاعات الفوضوية وصولا إلى نظام عالمي شامل يستند إلى مركزة الرحمة العالمية في قمة أهداف العلاقات الدولية بدل محاولات الهيمنة العالمية السائدة المستندة إلى الفلسفات الذرائعية (المنحصرة المنفعة) سعيا لتعميم المنفعة للمجتمع الإنساني.
فهل يجدر بنا البحث عن نظرية عامة بوصلتها الرحمة العالمية والعدل الإنساني ؟؟
وهل سينطق لسان واقع عالمنا قائلا :”فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ” 2.
حسام خلف
– – – – – – – – – – – – –
1_ جميع ما نقل عن بول ويكنسون تم نقله عن مقدمة كتابه العلاقات الدولية المنشور ضمن سلسلة (مقدمة قصيرة جدا ) /متوفر إلكترونيا .
2_قرآن كريم .
Discussion about this post