بقلم: ناجي أمّهز
لا تتسع المساحة للحديث عن جميع الأخطاء التي ارتكبت في التيار الوطني الحر، وأقلها ما كان يردده الجنرال عون بأنه لا يريد تحويل التيار إلى “حزب العائلة”. بينما نرى أن الوزير جبران باسيل، صهر الجنرال عون، هو رئيس التيار، والنائب آلان عون هو ابن شقيقة الجنرال، والنائب السابق شامل روكز كان أيضًا صهر الجنرال. كما أن الأستاذ روي الهاشم، رئيس مجلس إدارة “قناة أو تي في”، هو أيضًا صهر الجنرال، بالإضافة إلى النواب ماريو عون وسليم عون، وحتى القيادي في التيار نعيم إلياس عون هو ابن شقيق الجنرال ميشال عون.
ومن بين هذه الأسماء من غادر ومن بقي، ومع ذلك لا يزال الجنرال عون يصرّ على أنه لا يريد تحويل التيار إلى تيار العائلة. وفي المقابل، ينتقد التيار الوطني الحر شعار حزب الكتائب الذي كان “الله، الوطن، العائلة”.
وأنا لا أتدخل في هذه الأسماء؛ فهذا تيارهم وهم أحرار فيه. لكنني أصف واقعًا كان السبب الرئيسي في انقلاب الرأي العام المسيحي على التيار، بسبب التناقض بين المواقف والتصرفات. ولبنان صغير، والجميع يعرف الجميع، وكل شخص معروف بما لديه وما عليه.
ولولا حزب الله وما قدمه في الداخل اللبناني وفي سوريا ضد داعش، بالإضافة إلى قانون الانتخابات النسبي، لكان التيار الوطني الحر قد وصل إلى ما وصل إليه اليوم منذ عقد. وربما لا يكون الوزير باسيل منزعجًا من هذه الإقالات والاستقالات؛ فهؤلاء كانوا رفاق الجنرال عون، وليس لهم شيء على الوزير باسيل.
ربما يستفيد الوزير باسيل من طرد البعض واستقالة البعض الآخر، والإدارة الأمريكية تعرف بالتأكيد أن طرد هؤلاء والضغط على البقية حتى استقالوا كان بسبب عدم انتخابهم للمرشح الرئاسي الوزير جهاد أزعور. مما يعني أن الوزير باسيل ليس قريبًا من حزب الله، على الأقل في تصرفاته. بل عمل على إسقاط الوزير سليمان فرنجية، مرشح الثنائي أمل وحزب الله، وحاسب كل من دعم الثنائي. ومع ذلك، لا يزال الوزير باسيل يتقرب من الرئيس نبيه بري ويغازل حزب الله.
مع كل هذه التناقضات التي حدثت في التيار، انتقلت شريحة واسعة إلى الجهة المقابلة، وتجاوزت شعبيته الدكتور جعجع الـ 70% من مجمل المسيحيين اللبنانيين في الداخل والخارج، بينما يتقاسم الـ30% بقية الأحزاب. وفي أفضل الأحوال، لا تختلف حصة التيار الوطني الحر كثيرًا عن حصة تيار المردة وحزب الكتائب، وإن كان النائب نعمة إفرام يشاركهم بنفس الحجم أو يزيد عنهم.
ولولا الأصوات التي منحها الثنائي الشيعي للتيار الوطني الحر، لكانت كتلة نواب التيار لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، علما ان النواب الذين تم فصلهم أو استقالوا، لهم شعبيتهم ووجودهم. أما مع نواب جدد، فلا يمكن التكهن بعدد كتلة التيار النيابية.
لكن حتى لو اكتسحت كتلة الدكتور جعجع المسيحية في البرلمان القادم وحصلت على ما حصل عليه الجنرال عون عام 2005 عند عودته من المنفى، فإن حظوظ الدكتور جعجع في الرئاسة تبقى بعيدة المنال لأسباب كثيرة، أهمها أنه قطع “شعرة معاوية” مع الثنائي الشيعي. ولا يمكن وصول أي شخص إلى سدة الرئاسة اللبنانية دون تسوية تحفظ حقوق الجميع. هذه التسوية أساسية بحكم أن المنصب الأعلى في الجمهورية اللبنانية لا يمكن أن يكون معاديًا لأي فريق لبناني، ولا أن يحاول أن يفرض نفسه بمنطق القوة أو بحجم تمثيله في طائفته. وإن كان هذا التمثيل شرطًا أساسيًا، إلا أن رئاسة الجمهورية ليست زعامة طائفة، بل هي زعامة وطن بكل طوائفه.
وبما أن الصراع بين الكتل المسيحية قد انتهى واصبح الدكتور جعجع كما كان الرئيس بشير الجميل زعيما دون منافس او منازع، نستذكر الخطاب الشهير للرئيس بشير الجميل في 14 شباط 1982، الذي قال فيه: “أنا رئيس كل لبنان، وليس لفئة دون أخرى”، وأشار إلى أن المقاومة المسيحية لا يمكنها أن تبقى محض مسيحية عندما قال: “أنا من المقاومة اللبنانية التي كانت محض مسيحية، ونجحت المقاومة اليوم أنها تصير مقاومة لبنانية”.
اليوم، المطلوب من الدكتور جعجع أن يكمل ما لم يكمله الرئيس بشير الجميل، وأن يفتح أبواب القوات اللبنانية لتكون لكل اللبنانيين بالانتساب، وأن يكون خطابه ممهدًا لوصوله إلى الرئاسة، حيث يكون رئيسًا لكل اللبنانيين.
اليوم، هناك من يتطلع إلى دور الدكتور جعجع والقوات اللبنانية على المستوى الوطني، وكيف سيتعاملون مع الأزمات الداخلية وما قد ينتج عن الصراع مع العدو الإسرائيلي.
الجميع متأكد من أن القوات لن تتنازل عن دورها الوطني في الوقوف إلى جانب النازحين، وتأمين مناخات إيجابية وهادئة ومستقرة تمتد من الجبل إلى جبيل وصولًا إلى الشمال.
خاصة أن الزعيم وليد بيك جنبلاط منسجمًا مع النائب الأستاذ جورج عدوان في الجبل، وهناك هذا التناغم في الموقف المتوازن الذي يقوم به الأستاذ عدوان، فيما يتعلق بالخيار السياسي الوطني، على الأقل على مستوى القاعدة المسيحية في الجبل.
بالمحصلة، لبنان أمام مفترق طرق، وما يجري في المنطقة يستدعي تضامن الجميع. لكن يبقى السؤال الأكبر والأهم: هل ستبدأ القوات اللبنانية بالتحرك نحو التمثيل الماروني الكامل، خاصة أن كتلتها الوزارية شهد لها الجميع بمناقبيتها؟ أم أن القوات ستبقى في المعارضة.
وهل ستكون هناك تسوية جديدة بعد خروج التيار الوطني الحر من معادلة الأحجام، تمهيدًا لوصول القوات اللبنانية إلى سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية بعد انتهاء رئاسة سليمان بك فرنجية، التي يستحقها بكل جدارة نسبة إلى مواقفه التاريخية والوطنية، وشفافيته الصادقة التي عبر عنها صراحة عندما قال: “إذا أردنا الاستمرار بنظرية ومنطق الرئيس عون والتيّار الوطني الحر لناحية أن يكون رئيس الجمهورية الأكثر تمثيلًا للمسيحيين، فيجب أن يكون جعجع المرشح الطبيعي للتيار الرئاسي”.
إذن، هل تنطلق عملية الوصول إلى نقاط التلاقي بين الأقوياء، وانتهاء الماضي الذي أصبح من الماضي، والتطلع نحو الغد لبناء لبنان؟
أم يبقى كل واحد في مكانه، ونعيد الماضي الذي في النهاية يخرج الجميع منه خاسرين، والخاسر الأكبر هو لبنان؟
Discussion about this post