بقلم: محمد الرصافي المقداد
لا أريد أن أعود إلى الوراء بشأن تاريخ القضية الفلسطينية، والعودة إلى الوراء بكاء على الأطلال لا يفيد بشيء، وما هو معلوم بتفاصيله لدى المهتم بها، يكفي تعريفا وقناعة بأنّها مظلمة القرن العشرين، وهي الآن على الصعيد المعرفي والثقافي، بديهية عند جبهتها المناصرة لها قولا وفعلا، توسّعت لتشمل أحرار شعوب العالم، وميزتها اليوم أنّها اكتست عالميتها، بفضل وفاء وصبر وجهود أبنائها، دفع من كان فيه بذرة إنسانية إلى أن يكون إلى جانبها، مناصرا بالكلمة والموقف، على أساس أنّها قضية مظلومية شعب، يريد الغرب بزعامة أمريكا أن يغتال حقوقه كاملة.
لقد برهنت أمريكا بعد طوفان الأقصى بما لا يدع مجالا للشك، في أنّها منحازة تماما إلى جانب الكيان الغاصب قولا وفعلا، فهي مستعدّة للدخول في حرب للدفاع عن استمرار وجوده، جاثما محتلا غاصبا، معتديا على أرض وشعب وتراث فلسطين الإسلامي وحتى المسيحي، فإحدى الغايات التي يسعى الكيان الصهيوني لفرضها على المنطقة، قطع كل أواصر الدين لدى شعوب المنطقة، وما حلّ الدولتين الذي أوعزت به أمريكا إلى حكام العرب سوى خطّة وُضِعت، ليسعى وراءها الحالمون بالحلّ الأمريكي الغربي، هربا من حلّ المقاومة الذي تبنّاه أحرار فلسطين وأشقائه من الشعوب الإسلامية.
لقد برهن طوفان الأقصى بالأدلة والبراهين القطعية، أن المقاومة هي السبيل الوحيد لاستعادة ما اغتصب من فلسطين، ولن تتحرر بغير ذلك، والعدو الصهيوني ومن يقف وراءه من القوى المعادية، يدركون جيدا هذه النتيجة، ويسعون بكل جهودهم المادية والدعائية إلى التشويش عليها، ومحاولة استبعادها كقناعة ثابتة في كونها الحل الأمثل لمظلومية الشعب الفلسطيني، ولم يكن الإمام الخميني إلا مصيبا في نظرته للقضية الفلسطينية، ودعوته إلى تاليف عناصر المقاومة، ورعايتها تحت راية الولاية- وهو ما تم فعلا- هي دعوة حقّ إسلامية أملته عليه مسؤوليته كعالم دين وقائد ثورة وزعيم دولة، رأى أنّها بدأت تضيع من أيدي المسلمين، بتلاعب وتآمر بعض حكامهم، من هنا نعتبر جهود إيران المبذولة من أجل ابقاء حظوظ الشعب الفلسطيني في كسب قضيته وتحرير أرضه، بأسلوب المقاومة العسكرية قائمة هو الطريق الأنجع للحل.
ومن جهة أخرى فإنه يجب أن نثمّن تضحيات الشعب الإيراني التي قدمها، من أجل بلوغ القضية الفلسطينية ومحورها المقاوم مستويات عُليا، في معالجتها بالقوة الكافية لردع العدو الصهيوني، ووضعه في موقف العاجز الذليل، بعدما كان قويا مستأسدا مهيمنا على المنطقة، يهابه حكام العرب وتخشاه جيوشهم، يكفي هنا أن نقول أنه بعد 107 أيام من طوفان الأقصى، عجز الجيش الذي لا يقهر عن اجتياح غزة، وبرهن على ضعف فادح خلال مواجهته لفصائل المقاومة الفلسطينية، مرتكبا خلالها أبشع الجرائم بحق المدنيين في غزّة، وهي مصنّفة دوليّا جرائم حرب يُعاقب عليها القانون الدولي، تلك هي حال القوات الصهيونية اليوم، فما بالك لو انظمّت إليه فصائل أخرى بصورة مباشرة، كيف سيكون حال الكيان الصهيوني بعدها؟
إن من بين أسباب ضياع القضية الفلسطينية، حصرها في إطار عرقي ضيّق، كان بالإمكان أن يكون أوسع، لو كان هناك وعي إسلامي كاف بين شعوب وحكام العرب والمسلمين، ذلك القصور الفادح أعاق انخراط بقية الشعوب المهتمة بها، وهؤلاء هم عامة الشعوب الإسلامية على اختلاف توجهاتها المذهبية، والإنخراط الجديد الذي صاحب ما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، برهن بوضوح، أنّ القضية الفلسطينية تجمع الأمّة الإسلامية على صعيد واحد، تؤلفها ولا تفرّقها، توحّد عناصرها نحو تكليفهم الشرعيّ، ولا تقصي أحدا من أهل الاسلام، وليس هناك مجال للقيام بها أحسن قيام من هذا المجال الأرحب، غير تظافر الجهود من أجل فلسطين.
واليوم نرى بكل وضوح، كيف نجحت المساعي الخيرة الصادقة في هذا الإطار، وأثمرت التفافا عمليا حولها كقضية مركزية، جمعت بين ألسني بمذاهبه، والشيعي الإثني عشري والشيعي الزيدي، وغيرهم من طوائف الأمّة، لتتكون منهم حركات وفصائل مقاومة، تدرّجت من بدء نشأتها إلى اليوم، لتصبح رقما صعب التجاوز، وقد أعطى طوفان الأقصى صورة مشرقة ومشرّفة عن محور مقاومة، كانت باهتة فيما مضى لضعف أدائها، برهنت أنّ الأداءِ العسكري الميداني لتحرير فلسطين، هو هدف قابل للتّحقيق والإنجاز، إذا اجتمعت عليه جميع عناصر الخير في أمة الإسلام.
وفيما يستمرّ محور المقاومة بكافة عناصره في أدائه المقاوم، يتعاظم العجز الصهيو أمريكي الغربي في السيطرة على ذلك الوهّجِ المتصاعد، من لبنان واليمن وسوريا والعراق، نُصْرة لغزّة وفلسطين، لم تزده التهديدات الأمريكية والبريطانية سوى إصرارا، على مواصلة المقاومة بكل السبل والوسائل، بشكل تصاعدي، سيكون له الأثر الإيجابي في قادم الزّمن، ومن هنا أقول مكرّرا، إنّ العدّ العكسي لزوال الغدّة السرطانية الصهيونية من على أرض فلسطين، قد بدأت أرقامه في تسارع، لا يترك لها مجالا لتفادي نهايتها المحتومة، القضية الفلسطينية وأهلها يقطعون المرحلة الأخيرة من السّعي المبارك، وأنّ هذا السّعي سيُرَى تحريرا كاملا، طالما تمنّاه الشعب الفلسطيني، والشعوب المناصرة لقضيّته العادلة.
Discussion about this post