حديث الإثنين :
شهر خامس صمود في وجه بني صهيون
احمد ناصر الشريف
صحيفة 26سبتمبر العدد 2346
5 شباط/فبراير 2024م
صمود الشعب الفلسطيني للشهر الخامس على التوالي ممثلاً في مقاومته الباسلة بقيادة حركة حماس في مواجهة الجيش الصهيوني الذي كان يقال عنه أنه أقوى جيش في المنطقة والذي تخصص مُنذ أكثر من سبعة عقود في هزيمة الجيوش العربية التي واجهته مجتمعة خلال عدة أيام وأعلن انتصاره عليها جعلني أعود للإطلاع على مذكرات قادة عرب من بينها مذكرات اللواء محمد نجيب قائد ثورة 23 يوليو المصرية فوجدت أن ما يجري اليوم من تخاذل من قبل الحكام العرب وترك الفلسطينيين يواجهون الجيش الصهيوني لوحدهم بل واستنكارهم الشديد لمحور المقاومة لوقوفه إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية وخاصة حصار اليمن لإسرائيل في البحر الأحمر ومنع السفن المتجهة إلى موانئ الكيان الصهيوني من المرور نصرة للأشقاء في فلسطين وكأن اليمن قد ارتكب بموقفه هذا الديني والأخلاقي والإنساني جريمة لا تغتفر ليس جديداً عليهم وإنما هو ما تم رسمه لهم من قبل أمريكا وبريطانيا وإسرائيل مُنذ ثمانية عقود ليقوموا بتنفيذه في مقابل دعمهم للبقاء على كراسي الحكم التي أوصلوهم إليها ضد إرادة شعوبهم، بل إنني لاحظت أن مزايدات الحُكام العرب التقدميين الذين كانوا يرفعون شعارات فضفاضة ضد الامبريالية والرجعية والاستعمار والتهديد برمي إسرائيل في البحر كان لها ضرر على القضية الفلسطينية وضياعها أكبر بكثير من تآمرات الحكام الرجعيين أنفسهم وحقائق التاريخ شاهدة على ذلك.
ولأن الجيوش العربية في عهود الحكام العرب السابقين والحاليين قد بنيت على أساس عقيدة الدفاع عن الأنظمة والحكام وليس على أساس عقيدة الدفاع عن قضايا الشعوب والأوطان فقد أصبحت هذه الجيوش مسلوبة الإرادة تماماً ولا تستطيع أن تحرك ساكنا على الأقل ولو من باب الضغط على الحكام ليقفوا موقف الرجال إزاء ما يجري في قطاع غزة وما يتعرض له السكان المدنيون من إبادة جماعية على يد الجيش الصهيوني أغلب ضحاياها من كبار السن والنساء والأطفال، وهي جرائم استنكرتها دول وشعوب كانت تقف إلى جانب إسرائيل لفظاعتها وبشاعتها بينما ابتلعت الأنظمة والجيوش العربية ألسنتهم ولم يجرؤ أي نظام عربي على أن يحدد موقفه مما يجري في غزة للشهر الخامس على التوالي وقد وصل الأمر ببعض الأنظمة الخانعة والخاضعة للإدارة الأمريكية إلى أن تمنع شعوبها من الخروج للتظاهر استنكاراً لما تشهده غزة من مأساة لم نجد لها نظيرا عبر التاريخ، بل ومنعوا الجماهير حتى من رفع العلم الفلسطيني وقد تعرض الكثير منهم خاصة في السعودية ودويلة الإمارات للإعتقال بسبب رفع علم فلسطين، وعندما قامت أمريكا وبريطانيا بالعدوان على اليمن والذي لا يزال قائماً فقد شنت أمريكا وبريطانيا فجر أمس الأحد 48 غارة على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات عقاباً له على ما قام به من واجب ديني وقومي في البحرين العربي والأحمر وخليج عدن نصرة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لم نسمع حتى تصريح واحد لحاكم عربي متأمرك يستنكر من خلاله هذا العدوان الهمجي وإنما قاموا بالتشفي ووقفوا إلى صف أمريكا وبريطانيا أم الإرهاب ومرجعيته بل وشجبوا نصرة اليمن وشعبه العظيم لفلسطين والبعض منهم يحرض أمريكا كما تفعل السعودية والإمارات لزيادة الضربات على المحافظات اليمنية وهم يتكفلون بالتمويل وقالوا بكل بجاحة بأن ما قامت به أمريكا وبريطانيا من عدوان على اليمن ليس كافياً، وهنا يطرح السؤال نفسه على أرض الواقع وهو سؤال كبير ومهم سبق لي أن طرحته في مقالات سابقة: ماذا تريد أمريكا من الشعب اليمني؟ ولماذا تقتله وتحرض الآخرين عليه؟
صحيح أن الجواب على هذا السؤال قد يكون معقداً وربما صعباً لكن من يتابع ما يشهده اليمن من أحداث مأساوية متسارعة مُنذ تسعة أعوام تقف وراءها أمريكا ومعها بريطانيا بكل ما أوتيتا من قوة وكذلك إسرائيل سيجد الإجابة على هذا السؤال المطروح بسهولة مطلقة وذلك من خلال أن الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى تعتبر نفسها سيدة عالم اليوم مُنذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991م لم يسبق لشعب من الشعوب أن قال لها: لا ونرفض التدخل في الشؤون الداخلية لبلدنا كما قالها الشعب اليمني بصوت عالِ ومرتفع سمعه العالم بأسره بل وتحداها ودخل معها في مواجهة مباشرة في البحرين العربي والأحمر وخليج عدن مستهدفا سفنها وبوارجها الحربية وأصاب بعضها بصواريخ بحرية بالستية ليثبت للعالم بأكمله أن الشعوب الحرة عندما تمتلك إرادتها الوطنية قادرة على مواجهة أي دولة غازية مهما عظمت قوتها وقادرة أيضا على مقاومة الظلم الذي يلحق بها وهو ما اعتبرته الإدارة الأمريكية انتقاصاً في حقها لاسيما وهي تتعامل مع شعوب المنطقة المجاورة لليمن بتعالِ وبطريقة توحي للآخرين بأن هذه الشعوب وحكامها عبارة عن إقطاعيات أمريكية ليس مسموحاً فيها لحكامها أن يعترضوا على شيء يقطعه السيد الأمريكي وليس عليهم إلا السمع والطاعة لتنفيذه وإلا فالعقاب سيكون إزالة هذا الحاكم أو ذاك من على كرسيه المهزوز أصلاً.
قد يقول البعض إن السعودية ممثلة في قيادتها الحالية بملكها سلمان وابنه المتهور محمد هي التي اعتدت على الشعب اليمني وشكلت هذا التحالف ضد اليمن ودخلت فيه إمبراطورية السلاح ممثلة في أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وإمبراطورية المال ممثلة في السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأن الطائرات تنطلق من أراضيها لقتل أبناء الشعب اليمني شيوخاً ونساءً وأطفالاً وتدمير البنية التحتية تحت حجج ومبررات واهية لا يقبل بها عقل ولا منطق ولا يقرها شرع ولا عرف ولا حتى تقاليد، ونحن نقول إذا ما سلمنا بوجهة النظر هذه وهي وجهة نظر سطحية فمعنى ذلك أننا نقرّ بأن السعودية دولة وهي ليست كذلك ونعطيها حجماً أكبر من حجمها وأهمية ومكانة لا تستحقها لأن السعودية أساساً والإمارات هما عبارة عن إقطاعيتين تديرهما أمريكا وحكامهما لا حول لهم ولا قوة ولا يعدو عن كونهم تجار نفط ليس لهم من الحكم شيئا بل ولا يملكون أمرهم حتى على المستوى الشخصي لأنهم مسيرون وليسوا مخيرين.
Discussion about this post