حديث الإثنين :
الحضن العربي فلسطين واليمن عمقه
احمد ناصر الشريف
صحيفة 26سبتمبر العدد 2342
8 كانون2/يناير 2024م
أثبتت الأحداث مُنذ أربعينية القرن الماضي وحتى اليوم في الوطن العربي بأن سقف المزايدات الكلامية المرتفع جداً التي عُرف بها الحكام العرب بخاصة التقدميون منهم تكون نتيجتها دائماً الخسارة والهزيمة المخزية لأنها أقوال لم تكن مقترنة بالأفعال وهذا هو السبب الرئيس لضياع فلسطين بالكامل وتسليمها للاحتلال الإسرائيلي من قبل الحكام العرب المزايدين الذين لم يكونوا أهلا لحفظ الأمانة المسلمة لهم ونقصد بذلك القدس بما فيها المسجد الأقصى الشريف والضفة الغربية وقطاع غزة التي يطالب بها العرب اليوم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عليها وعاصمتها القدس متخلين عن شعار رمي إسرائيل في البحر وتحرير النصف المسلوب من فلسطين وطرد اليهود منه ولسنا بصدد الدخول في التفاصيل وكيفية ضياعها فقد سبق أن تحدثنا عنها في مقالات سابقة وإن كانت حقائق التاريخ تتحدث عن نفسها لكن الجيل الجديد مع الأسف يجهلها لعدم متابعته وعزوفه عن قراءة التاريخ لأنه مشغول بالترهات التي تملى عليه في وسائل التواصل الاجتماعي بهدف غسل أدمغة وعقول هذا الجيل وحرف مساره عن معرفته لحقيقة قضايا أمته العربية والإسلامية وتغييبها عنه تماماً، ومن المفارقات العجيبة إن إسرائيل نفسها وقعت في نفس الفخ الذي وقع فيه الحُكام العرب أثناء عدوانها على غزة وإن كان لها تجربة سابقة مع حزب الله عام 2006م عندما أعتدت على لبنان لم تعتبر بها ولم تستفد من أسباب هزائم العرب المتتالية لتجنبها ، فعند شنها العدوان الظالم وغير المسبوق على قطاع غزة زايد قادتها المتطرفون مؤكدين في تصريحاتهم الجوفاء بأنهم سيعيدون احتلال غزة ويهجرون سكانها ويقضون على حركة حماس بالكامل ويتم تحرير أسراهم من خلال استخدامهم للقوة المفرطة التي خلفت حتى الآن أرقام كبيرة من الضحايا وصل عددهم إلى أكثر من ثمانين ألف بين شهيد وجريح معظمهم من كبار السن والنساء والأطفال وتدمير أحياء بكاملها وفرض الحصار الخانق على المدنيين حيث لم تسمح إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية المكدسة خارج معبر رفح وهو معبر عربي ولكنها هي من تتحكم في حركته ومع كل هذا الإجرام ومرور أكثر من ثلاثة أشهر على شن عدوانها الذي لم يتوقف حتى ساعة واحدة لم تحقق إسرائيل أي هدف من أهدافها المعلنة بل بدأت تتراجع عن سقف مزايدات قادتها العسكريين الكلامية ليذكرنا هذا الموقف بما كان يفعله الحُكام العرب سابقاً، أما الحكام الحاليون فقد آثروا الصمت والسكوت على ما يقوم به الجيش الصهيوني بدعم أمريكي في قطاع غزة والذي يُشكل وصمة عار على جبين كل حاكم عربي ساكت وتعمد أن يكون أخرساً لا يسمع ولا يتكلم.
وحتى لا نذهب بعيداً لابد أن نُعرف الجيل الجديد بإشارة عابرة عن الدور الذي تقوم به السعودية كوجه آخر لإسرائيل في الوطن العربي ولكن باسم الإسلام، فمن المعروف أن الدولة الوهابية قد تقمصت لبوس الإسلام وتقمصت الدولة العبرية لبوس اليهودية إلا أنهما من حيث عداوتهما للدين الإسلامي الحنيف وتشويه تعاليمه السمحاء كقاسم مشترك بينهما لا يختلفان بل يشكلان وجهين لعملة واحد وإن كانت الدولة الوهابية التي يتربع على عرشها آل سعود مع شركائهم من آل الشيخ تقوم بدور أخطر في تشويه الإسلام وتقديمه للعالم على أنه دين القتل والذبح والإرهاب وذلك لاستعداء الآخرين عليه وكذلك تعمل على تفرقة الأمتين العربية والإسلامية وإضعافهما، ربما قد يختلف الدور في هذا الجانب حيث الدولة العبرية تجاهر بعداوتها للعرب والمسلمين ولا تقوم بمحاربتهم سراً لأن هذا هو موقف اليهود مُنذ البعثة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بينما الدولة الوهابية تقوم بمحاربة العرب والمسلمين سراً تحت يافطة الدين وإذكاء المذهبية والطائفية بهدف إثارة الفتن بين أبناء الشعوب العربية والإسلامية وتسعى من خلال هذا الدور للسيطرة والهيمنة ليس على دول المنطقة فحسب وإنما على العالم الإسلامي مسخرة في سبيل ذلك كل إمكانيات شعب نجد والحجاز للإنفاق على إثارة الفتن بين شعوبه ودوله وشراء ضمائر المؤسسات الإعلامية والمنظمات التي تُعنى بحقوق الإنسان من أجل السكوت على ما يقوم به النظام السعودي من جرائم بحق الإنسانية، وما يحدث في اليمن مُنذ تسعة أعوام انموذجاً يعبر بشكل جلي عن سلوك هذا النظام المجرم.
وانطلاقاً من هذا التوجه لدى النظام السعودي لتدمير اليمن وتمزيقه فان اليمنيين يدركون كذلك أن عدم استيعاب الأعراب لمواقف اليمن الوطنية والقومية المخلصة وحرص أبناء اليمن على قيم الإخاء والتضامن العربي ومبادئ حسن الجوار هو أمر ليس بمستغرب عليهم لأن الأعراب قوم لا يفقهون، والجهل الذي يتميزون به قد حجب عن أذهانهم وعقولهم الخاوية استيعاب أن العناية الإلهية التي شمل الله بها اليمن قد جعلته في مأمن من مكرهم السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله حيث خرج شعبه منتصرا على عدوانهم وها هو اليوم يقوم بدور محوري مميز في الوقوف إلى جانب الأشقاء في فلسطين رغم الحصار المفروض عليه وهو دور تفرد وتمايز به اليمن مما أثار إعجاب أعدائه قبل أصدقائه كنموذج مبهر لبلد فقير يتم التآمر عليه من قبل جيرانه فجعله مهيأ لمكانة دولية راقية وهو ما كان يخشاه ويفزع له سابقاً وحالياً آل سعود لا سيما بعد فشلهم في تحقيق أهدافهم من خلال الحرب الظالمة التي يشنوها عليه مُنذ تسعة أعوام، بل إن اليمن اليوم يؤكد من خلال الدور الذي يقوم به في مواجهة إسرائيل عسكريا واقتصادياً نصرة لإخواننا في غزة بأن فلسطين هي الحضن العربي واليمن يشكل عمقه ويجب على كل الدول العربية المتقاعسة أن تعود إلى الحضن العربي وتشارك في الدفاع عنه.
Discussion about this post